صادق الشافعي
الجذر والعنصر الأساس الذي تنبت منه كل أشكال الخلافات والاضطرابات والمشاكل الداخلية التي يعاني منها العراق بكل تعبيراتها، هو الطائفية وسيادتها كمحرك رئيسي لكل أمور الحكم ومؤسساته وتعبيراته وعلاقات المحاصصة بين مكوناته.
لقد ظلت الطوائف موجودة في نسيج المجتمع العراقي، وكانت تتعايش مع تنوع قومي واثني أيضا. ولكنها ظلت كامنة دون تعبيرات لافتة تحت سقف حكم مركزي قوي، بجيش قوي واقتصاد قوي وأمن قوي أيضاً، وفي زمن كان فيه العراق دولة مركزية في النظام العربي العام، وكان الفكر السائد هو الفكر الوطني المتناغم مع الفكر القومي العربي.
لكنها لم تتحول الى طائفية وتصعد الى سطح المجتمع وحركته ومسار الحكم والدولة ومؤسساتها الا في السنوات القليلة الماضية.
ولعب الاحتلال الأميركي المباشر لأرض العراق الذي بدأ في 2003 الدور المبادر والحاسم في صعودها وتغذيتها وانتشارها في كل مناحي الحياة السياسية العامة وهياكلها ومؤسساتها وعلى الحياة الاجتماعية للناس. وجعل منها واحدة من الأسس التي بنى عليها سياسة حكمه وسيطرته على العراق اثناء وجوده المباشر وفي إبقاء العراق ضعيفاً ومحدود الدور بعد رحيله المباشر عنه.
ولا يمكن تجاهل الدور الذي لعبه صراع المصالح والنفوذ في العراق، وعلى العراق وموقعه ودوره، بين دول في المنطقة ومن خارجها.
وترافق صعود الطائفية مع اختفاء شبه كلي للأحزاب العريقة التي كانت تملأ الساحة السياسية مثل الأحزاب القومية والشيوعيين وتلاشي كل دور سياسي ومجتمعي لها تقريباً.
وتميز صعود الطائفية الى السطح بأنها ظلت في مظهرها العام داخل إطار الدين الإسلامي ومذاهبه الأساسية: شيعة وسنة، مع وجود أكثر من تيار داخل المذهب الواحد. وتفاعل هذا المظهر العام مع بروز وحضور اقوى للقوميات الأخرى، الكردية بالذات.
كما تميز بانتشار السلاح والتشكيلات العسكرية وشبه العسكرية ذات المساحة من الاستقلالية داخل الطائفة نفسها، ما مكنها من فرض دور لنفسها في الحياة الطائفية، وفي الحياة السياسية والعامة ومحاصصتها.
ومع الطائفية وانتشارها، وفي حمايتها أيضا، يأتي الفساد بكل اشكاله وتعبيراته، وفي تربتها ينمو ويتغلغل في كل مناحي الحياة العامة ومؤسسات ودوائر الدولة.
في العراق، الفساد سبق صعود الطائفية الى السطح. وظل، الى حد ما، محصورا في نطاق ضيق نسبياً. لكن مع صعود الطائفية الى السطح، انفلت من كل قيد وعيار ليصل الى درجة من الانتشار والتنوع والاستهتار تقترب من الفجور.
ولأن الفساد لا يمكن ان يبقى او ينحصر في حدود المال، فقد ظلت الدولة ومؤسساتها وهيئاتها والحصص والنفوذ فيها ساحة التنافس والصراع الأولى بين الطوائف. وظلت احتياجات صراعاتها وتنافسها على النفوذ والمحاصصة هي التي توفر للفساد المالي مناخات الوجود ومساحات الانتشار. كما انها هي من تؤمن له الحماية.
ولأن العراق هو بالأصل بلد نفطي وغني – ولا يزال كذلك الى حد ما- فان الفساد لجهة المال، إضافة الى إهدار المال العام، وصل الى أرقام فلكية.
وحسب رئيس الوزراء العراقي فإن الفساد في البلاد (العراق) تجاوزت قيمته ثلاثمائة (300) مليار دولار. اما إهدار المال العام فالحديث غير الرسمي يدور حول أكثر من ثمانمائة (800) مليار دولار خلال الـ 15 سنة الماضية.
وهذا، إضافة الى «كباش» المصالح الطائفية المباشرة ومحاصصتها، هو ما أوصل تردي التعامل مع اساسيات حياة الناس والخدمات التي يجب ان تقدمها لهم الدولة، الى درجة الفحش. فلا يمكن تخيل ان تكون هناك في بلد نفطي، أزمات حادة ومزمنة وواسعة الانتشار في الخدمات العامة الاساسية التي يفترض ان تقدمها الدولة للمواطن مثل الكهرباء والماء، والعلاج و…. إضافة الى البطالة بنسب مرتفعة جدا.
الخروج من الوضع الحالي للعراق لا يمكن ان يكون سهلا ولا سريعا بل هو صعب وربما جدا.
فالطوائف، ونظام المحاصصة الذي تتعامل به، هي صانعة هذا الوضع، ورموزها الأساسية اول وأكبر المستفيدين منه، وبالتالي لا يمكن ان تكون هي صانعة الخروج منه. ويزيد من صعوبة الخروج، عدم وجود قوى سياسية منظمة ذات حضور وثقل من فئات الشعب المختلفة، وعدم وجود اتحادات شعبية ونقابات ومنظمات مجتمع مدني قادرة على لعب دور مبادر ومؤثر في عملية الخروج.
هل يكون الحل باستمرار الحركة الاحتجاجية الشعبية الحالية وتطورها الى حركة منظمة ومتماسكة تواصل مناهضتها لقوى الحكم الحالية وسياستها المجتمعية والخدمية والوطنية أيضا؟ وتبلور خلال حركتها واستمرارها مطالبها الأساسية في برنامج يحظى بقبول جموع الناس وتأييدهم؟.
هل يمكن لهذه الحركة الاحتجاجية ان تكرر ما حصل في تونس عندما كانت حركتها الشعبية فاتحة باب الربيع العربي سنة 2011.
هل يمكن ان تتحول الحركة الاحتجاجية الى انتفاضة للشعب العراقي ضد نظام 2003 وكل منتجاته.