ترامب وسياسة استرضاء كوريا الشمالية

كريستوفر ر. هِل

دنفر – بعد أن التقى بالزعيم الكوري الشمالي كيم جونج أون ثلاث مرات -وسط احتفالات ضخمة في كل مرة -ربما ما يزال الرئيس الأميركي دونالد ترامب يعتقد أن نزع السلاح النووي قيد التنفيذ في مملكة الراهب. إذا كان الأمر كذلك، فهو على الأرجح الشخص الوحيد الذي يعتقد ذلك، بالنظر إلى اختبارات الصواريخ المتكررة وتحديث الأسلحة في كوريا الشمالية.
من المستحيل أن نعرف كيف قد تبدو سياسة إدارة ترامب تجاه كوريا الشمالية في غضون عام، لكن في الوقت الحالي، يبدو أن كلا من الطرفين يحصل على ما يريد. حيث يقود ترامب حالة فضفاضة من الجمود السياسي قد تستمر خلال الانتخابات الرئاسية الأميركية في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2020، في حين ضمن كيم تعليق التدريبات العسكرية بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية، مقابل تجميد تجاربه النووية.
لم يكن من المفترض أن تؤدي القمم التي عُقدت مع كيم إلى التوصل للاتفاق الحالي «الجمود مقابل التجميد»، الذي يضعف التحالف بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية. ومع ذلك، قرر ترامب ببساطة اتباع غرائزه عندما التقى كيم للمرة الأولى في سنغافورة في يونيو/حزيران 2018. ومنذ ذلك الحين، قاد ترامب سياسة الولايات المتحدة المتعلقة بكوريا الشمالية في الاتجاه الخاطئ. من خلال التفكير بعقلية مطور عقاري في نيويورك، افترض ترامب أن كوريا الشمالية تريد إغاثة اقتصادية. لكنه استمع أيضا بعناية إلى شرح كيم لسبب سعي كوريا الشمالية إلى امتلاك أسلحة نووية في المقام الأول: ردع الولايات المتحدة، التي يُفترض أنها معادية لها، عن مهاجمتها. إذا وجد ترامب هذه الحجة معقولة، فربما يكون ذلك بسبب أن مستشاره للأمن القومي، جون بولتون، هو مثال حي يؤكد صحة مخاوف كوريا الشمالية. وبالنظر إلى سيناريوهات بولتون المروعة، فمن الصعب أن يلوم ترامب كيم على قلقه.
ولذلك، في المؤتمر الصحفي الذي أعقب قمة سنغافورة، نظر ترامب بنحو علني في تقليص التدريبات العسكرية الأميركية-الكورية الجنوبية «الباهظة التكاليف»، والتي وصفها باستخدام مصطلحات كيم الخاصة («ألعاب الحرب»). بين تجميد المناورات المشتركة وإتاحة وزير خارجيته المتحمس دائما، مايك بومبيو، لإجراء مفاوضات معاهدة السلام، افترض ترامب أنه عالج مشاكل الثقة المزمنة لكوريا الشمالية. ولا يحتاج سوى إلى الحفاظ على علاقته الودية مع كيم ليحصل بعدها بكل ثقة على جائزة نوبل للسلام.
لقد مر 15 شهرا حتى الآن، ولا يزال النظام الكوري الشمالي غير مهتم بالنظر في نزع السلاح النووي. كما يعيش فريق ترامب -إذا صح أن نسميه هكذا -حالة من الفوضى، إذ يُدرك فشل السياسة الوشيك، لكنه متردد في الاعتراف بأن قائده العزيز ربما وضع نفسه في مأزق يصعب الخروج منه. يواصل ستيف بيجون، الممثل الخاص للولايات المتحدة في كوريا الشمالية، التشاور مع الأطراف الثالثة ذات الصلة، مع احتفاظه بالوهم القائل بأن نزع السلاح النووي ما يزال مطروحا. لكن لا يبدو أنه يتلقى أي دعم من بولتون أو ترامب، حيث أقنع الأخير نفسه بأن التقدم يعتمد على تدخله الشخصي.
في الواقع، قد يتفق الكوريون الشماليون مع ترامب في ذلك الصدد، وإن لم يكن لنفس الأسباب. على عكس بيجون، أو بومبيو، أو بولتون -وكلهم يتحدثون عن نزع السلاح النووي بحس من الاستعجال -يبدو أن ترمب يتفق مع الكوريين الشماليين على أن هناك متسعا من الوقت. فهو مهتم في المقام الأول بحماية إنجازه الدبلوماسي المميز حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
وبناء عليه، فإنه يحتاج فقط إلى الاستمرار في التظاهر بإحراز تقدم من خلال مؤتمرات قمة لرفع المعنويات.
علاوة على ذلك، تتفق إدارة ترامب ونظام كيم في عدم الاهتمام بتطوير بنية دبلوماسية أوسع. لطالما فضلت كوريا الشمالية إجراء عملية ثنائية مع الولايات المتحدة، لأن هذه الصيغة تعزز مكانتها الخاصة، وعلى عكس المحادثات السداسية المحتضرة، فهي تُجنبها الظهور بمظهر المُحاصر من الجميع. مما لا شك فيه أن التعامل المباشر مع ترامب قد يكون محفوفا بالمخاطر أحيانا (فقد انسحب في نهاية المطاف من قمة هانوي في فبراير/شباط).
لكن بنحو عام، خلقت عملية عقد القمم وتبادل رسائل الحب علاقة حميمة بين كيم وترامب، وبالتالي تخفيف حدة موقف الأخير.
في نفس الوقت، كان من دواعي سرور الولايات المتحدة إطلاع الأطراف الثالثة المعنية على العملية، لكن مع إبقائها على الهامش وخارج غرفة المفاوضات. وفي الواقع، لم ير الأعضاء الآخرون في هذه العملية السداسية الأطراف -كوريا الجنوبية واليابان وروسيا والصين -سببا وجيها للاعتقاد بأن التقدم قريب المنال. لكنهم يرون من الأفضل أن تتحمل الولايات المتحدة العبء والمخاطر التي تمس السمعة جراء التعامل مع كوريا الشمالية بمفردها.
لا توجد أي ضمانات على الإطلاق بأن الكوريين الشماليين سيؤدون الدور المحدد لهم. ففي الوضع الراهن، ربما تتجاوز فوائد المأزق الحالي تكاليف نظام العقوبات، الذي أصبح معطوبا على نحو متزايد. لكن حِدة استجابة الكوريين الشماليين لأي إشارة إلى التدريبات الأميركية-الكورية الجنوبية توحي بأنهم قد يرون فرصة في «الأزمة الحالية»، و «في هذا الرئيس» لتقويض المشاركة الإقليمية للولايات المتحدة على نطاق أوسع.
قد تكون التجارب الصاروخية الأخيرة التي أجراها نظام كيم وسلوكه تجاه كوريا الجنوبية بمثابة تحذير لترامب. وإذا كان الأمر كذلك، فالرسالة واضحة: ما لم تسعَ لاسترضائنا، فسوف نتسبب في مشاكل لك قبل نوفمبر/تشرين الثاني 2020.
ربما يرغب ترامب في أن يعتقد العالم بأنه يتحلى بالصبر الاستراتيجي حيال كوريا الشمالية. لكن اتضح جليا الآن أن سياسة إدارته ما هي إلا سياسة استرضاء. ومن غير الواضح بعد ما إذا كان ذلك سيعمل لصالحه. فلا يزال الطريق إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2020 طويلا.
كريستوفر ر. هِل مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون شرق آسيا، وكبير مستشاري عميد المشاركة العالمية، وأستاذ الممارسة في الدبلوماسية في جامعة دنفر، ومؤلف كتاب «المخفر الأمامي».

بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة