الصراع الذي يدور في العراق الآن هو في الحقيقة منازلة بين فئتين الاولى تسيدت من دون حق على مسارات الاداء السياسي وانحرفت بالدولة عن مهامها الاساسية والاخرى تنتظر فرصة عادلة ومتكافئة لإداء دورها في التمثيل الحقيقي لجمهورها صراع بين الفاسدين الفاشلين من جهة والمخلصين الكفوئين من جهة اخرى واشاعت ثقافات وقيم الفريقين نتاجها بين الجمهور منذ سقوط النظام السابق وانكشاف الاهداف في بناء الدولة العراقية الجديدة فالطبقة السياسية التي جاءت مع قوات الاحتلال الاميركي لم تكن تحمل اي مشروع حضاري يعالج مشكلات العراق او يهتم بإعادة بنائه ولم تكن حقائب هؤلاء تحوي سوى الخطب الرنانة المسطرة على الورق وجعلها تتحدث عن وعود ومشاريع ظهر فيما بعد انها وهمية وتتماهى مع الاحلام والامنيات اكثر من اقترابها من ارض الواقع والذين تعاقبوا على تولي المسؤوليات ودانت لهم مقاليد الامور ادركوا مبكرا ان بناء العراق من جديد يعني التضحية والايثار اولا بمصالحهم الفردية ولم يكن ذلك جزءا من مشروعهم وسجاياهم بل تغلبت نوازع الجشع والاستئثار والتملك في سلوكياتهم منذ بداية تشكل النظام السياسي الجديد واستمر التنازع والصراع في كل حكومة جديدة وفي كل منظومة سياسية تتشكل في اروقة العمل التشريعي والتنفيذي وعلى مدى اكثر من خمسة عشر عاما تميز الاداء السياسي العراقي بالانحراف عن اهدافه وجنح نحو عالم من المافيات ومجموعات الضغط التي تبتغي من ظهورها الدفاع عن ذوي الجاه والمال في السلطة وتخفت احزاب وعائلات وعشائر خلف عناوين سياسية وجندت نفسها بالاتباع والسلاح ومارست التهديد والوعيد بحق كل من يقف بوجهها ولم تجدِ كل اساليب السلطة في كبح جماحها بعد ان وصل هذا الفريق الى مرحلة التغول وعجزت منظومة القوانين والتعليمات عن الاحاطة بشبكات التزوير والفساد وسرقة المال العام في كل مفاصل الدولة العراقية واصبح الفريق الآخر الذي يمثله اقلية من الكفوئين والمخلصين الذين يحملون سيرة وضاءة وناصعة في المهنية وشقوا طريقهم بتسلسل هرمي وفقا للقانون اصبح هؤلاء في محيط الغربة ليس لهم من ناصر سوى اصوات الاحتجاج والتظاهر الموسمية وبعض اصوات المنابر الاعلامية وحين يتم اختيارهم في مناصب وزارية او قيادية يجدون انفسهم محاطين بحيتان وكواسر الفريق الاخر يترصدون حركاتهم ويظهرون لهم بين حين وحين آخر بشاعتهم متباهين بأغلبيتهم المقيتة واللاشرعية حينها لايجد الشرفاء والكفوؤين والمخلصون سوى طريق الاستقالة والنجاة بأنفسهم من دائرة السوء حيث ادركوا ان الشجاعة لا تكفي وحدها لمواجهة هذا السيل العارم من العتاة واكتفوا بإعلان البراءة منهم والتلويح بالاستقالة ومناشدة الشعب للنهوض بالمهمة .
د. علي شمخي