الكسندر ميلو ومايكل نايتس
خلال أقل من أسبوعين، شهد اليمن طرد القوات التابعة للرئيس عبد ربه منصور هادي من عاصمته المؤقتة في عدن، وهجومٍ كبير من الانفصاليين الجنوبين على الأراضي الحكومية، وعودة قوية للقوات الحكومية. وتختزن هذه المتناقضات العسكرية السريعةً وغير المتوقعة الكثير من العِبَر التي يمكن أن يتّعظ منها صانعو السياسات في الولايات المتحدة الذين يتوقون لتقييم قوة هادي، والدورَين الحاليين للسعودية والإمارات في الصراع الدائر، وخطر استعادة تنظيم «القاعدة» قوته في اليمن.
حرب ثلاثية الجوانب
على الرغم من أن الصراع في اليمن يضم عشرات الفصائل المسلحة التي تعمل وفقاً لأجندتها المنفصلة، إلا أن ثلاث كتل عريضة تبرز على الصعيد الوطني، على الرغم من انقساماتها المحلية، وهي:
الحكومة التي يتزعمها الحوثيون في صنعاء:
تسيطر حالياً الشبكات العسكرية للمتمردين بقيادة قبيلة الحوثي على العاصمة اليمنية وغالبية المناطق ذات الكثافة السكانية العالية في شمال اليمن ووسطه، مستمدةً من إيران و»حزب الله» اللبناني ما تحتاجه من إرشادات وإمدادات.
حكومة الرئيس هادي في عدن:
يتولى الرئيس المؤقت هادي رئاسة الحكومة المعترف بها دولياً، مدعوماً بقرار مجلس الأمن رقم 2216، بينما يتوزع وزراء هذه الحكومة ونوابها على مناطق مأرب وعدن وسيئون ومدن يمنية أخرى، وكذلك الرياض. ويعتمد الرئيس هادي ونائب الرئيس علي محسن الأحمر على الدعم السعودي.
الانفصاليون في الجنوب:
تنضوي هذه القوات بالدرجة الكبرى تحت راية «المجلس الانتقالي الجنوبي» («المجلس»)، وتشمل أيضاً بعض الفصائل القبلية المستقلة عن «المجلس» والمنحدرة من الجنوب والشرق. وعلى الرغم من أن هذه القوات شاركت في القتال ضد الحوثيين، إلّا أنها سعت في الوقت نفسه إلى إخراج حكومة هادي من محافظات عدن وحضرموت وشبوة وأبين، مستفيدةً من الدعم الإماراتي على المستويين المادي والسياسي حتى شهر تموز/يوليو، عندما أعلنت أبو ظبي أنها ستبدأ بتقليص عدد قواتها في اليمن. وإذ وجد «المجلس الانتقالي» نفسه أمام مستقبل قد يستفيد فيه من دعم خارجي أقل بكثير من خصومه، فقد أشعل انتفاضةً عمومية في عدن في مطلع الشهر الماضي، مستغلاً إخفاقات حكومة هادي في تلك المنطقة.
تحوّلات سريعة في التوازن العسكري
منذ اندلاع قتالٍ واسع النطاق بين قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» وقوات هادي في السابع من آب/أغسطس، شهد الوضع العسكري اليمني المتقلب بشكل ملحوظ انتقالاً متسارعاً بين عدة مراحل هي:
سيطرة «المجلس الانتقالي الجنوبي» على عدن:
في الفترة بين السابع والعاشر من آب/أغسطس، استولت القوات الانفصالية على جميع المواقع التابعة لحكومة هادي في عدن وحلّت الجماعات الموالية لهادي مثل «قوات الحماية الرئاسية»، واستكملت بذلك عملية التفكيك التي بدأت خلال الانتفاضة السابقة لـ «المجلس الانتقالي الجنوبي» في كانون الثاني/يناير 2018.
انتقال «المجلس الانتقالي الجنوبي» إلى أبين وشبوة:
في 20 آب/أغسطس، قادت قوات «المجلس» مركباتها مسافة 70 كيلومتراً نحو الشرق على طول الخط الساحلي لتصل إلى محافظة أبين، مسقط رأس الرئيس هادي، وتفرض سيطرتها على زنجبار وتحاصر «اللواء 115» التابع للجيش في لودار. كما قامت الوحدات المحلية التابعة للمجلس والميليشيات التي أنشأتها الإمارات بطرد قوات هادي من عتق، عاصمة محافظة شبوة الغنية بالنفط والواقعة على مسافة 300 كيلومتراً إلى الشمال الشرقي.
الرئيس هادي يشن هجوماً مضاداً:
شهدت الفترة بين 22 و25 آب/أغسطس قتالاً عنيفاً في عتق، حيث أظهرت قوات هادي مرونةً دفاعية ملحوظة بعد تلقيها ضمانات سعودية بالدعم. وفي 25 آب/أغسطس، تم فضّ الهجوم الذي شنّه «المجلس الانتقالي الجنوبي» بمساعدة وحدات جديدة من الجيش الموالية لهادي وقوات الميليشيات الإسلامية القادمة من بلدة بيحان الواقعة على بُعد 200 كيلومتر إلى الشمال الغربي.
قوات هادي تطلق عمليات مطاردة:
بعد أن لاحقت القوات الحكومية بسرعة قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» على مسافة 190 كيلومتراً إلى الجنوب الشرقي وصولاً إلى بلحاف، اندفعت غرباً على مسافة 350 كيلومتراً على طول الساحل في الفترة بين 26 و28 آب/أغسطس ووصلت إلى العديد من الوحدات المحاصَرة. وقد تجاوزت بعض العناصر زنجبار وتوغلت في عدن حيث ارتبطت بعناصر محتشدة من «قوة الحماية الرئاسية» والميليشيات الموالية لهادي. وعندئذ أعيد إشعال فتيل المعركة على عدن، وشملت المطار ومقر حكومة هادي في قصر المعاشيق. وهنا يدّعي المسؤولون اليمنيون أن الإمارت شنّت ضربات جوية في 29 آب/أغسطس لدعم الوحدات الموالية لـ «المجلس الانتقالي» في تلك المعركة؛ وتنفي أبو ظبي هذا الادعاء وتفيد أن الضربات استهدفت مقاتلين مرتبطين بتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، الذين سعوا إلى استغلال الفوضى التي تعمّ عدن.
وتتضمن هذه التغيرات العكسية العديد من الدروس حول الوضع الراهن في اليمن، وأبرزها ما يلي:
القوات اليمنية تعتمد بنحو هائل على الدعم الخارجي:
صحيحٌ أن قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» وميليشياته الحليفة تفوق قوات هادي عدداً في شبوة بنحو عشرة ألوية للأولى مقابل سبعة للثانية، ولكنها انهارت بسرعة حين سحبت الإمارات آليات دعمها المحلي في 21 آب/أغسطس، فقطعت عنها إمدادات الذخيرة والوقود. ومع غياب هذا الدعم اللوجستي، إضافةً إلى الضغط السياسي الإماراتي، قامت ثلاث ألوية انفصالية بالانتقال إلى جانب هادي دون أي قتال. وفي المقابل، ساهم الدعم السعودي في زيادة مرونة قوات هادي، وأدّى استلام الرياض لنظام الرعاية الإماراتية في شبوة (أي دفع الرواتب) إلى قلب [ولاء] معظم الوحدات الانفصالية المتبقية في غضون أربعة أيام.
التوازن العسكري قابلٌ للتغير بسرعة:
في غضون أسبوعين، مرّ «المجلس الانتقالي الجنوبي» من طور القضاء على الوجود الحكومي في عدن إلى مشاهدة قواته الخاصة تتفكك في شبوة وأبين، وبذلك أصبحت حضرموت وغيرها من معاقل الانفصاليين تحت ضغوط عسكرية جديدة. وهناك عدة عوامل سمحت بحدوث هذه التغيرات العكسية وهذا الزحف الذي امتد على نطاقات واسعة دون معارضة، وهي:
أبدت الميليشيات القبلية الجديدة التي أنشأها «المجلس الانتقالي الجنوبي» في شبوة القليل من قدرة الاحتمال، بخلاف القوات المرنة في مركز «المجلس» في محافظات الضالع ولحج وعدن.
تستطيع القوات الخفيفة المنقولة بالشاحنات والمنخرطة في العديد من المعارك المحلية أن تتغلغل مسافات طويلة بسرعة كبيرة.
غالباً ما يعكس القادة ولاءهم، وقد يحدث ذلك في غضون ساعات في بعض الأحيان.
لم يتم قط نزع سلاح القوات الموالية لهادي التي هُزمت في عدن أو اعتقالها، لذلك تمكنت من الانضمام إلى المعارك عندما تلقت التعزيزات في 28 آب/أغسطس.
تؤكد هذه العوامل احتمال حدوث المزيد من التغيرات العكسية -على سبيل المثال، يمكن لبعض قوات «المجلس الانتقالي» التعافي من الصدمة الأولية وتعاود الانخراط في القتال، حتى وإن دام ذلك إلى حين نفاذ الذخيرة التي أعادت التمون بها.
تمتُّع القوات العسكرية التابعة لهادي بالمرونة: على الرغم من تصدّعها، أثبتت الوحدات العسكرية المحلية التابعة للحكومة تحلّيها بمرونة دفاعية وبزخمٍ هجومي لافتين طوال الشهر الماضي، ويرجع ذلك إلى حد كبير إلى أربعة عوامل هي: أولاً، الدعم السياسي والمادي المستمر من السعودية، ثانياً الكفاءة القيادية التي يتحلى بها أشهر جنديين في اليمن، أي علي محسن الأحمر ومحمد المقدشي، ثالثاً شَمْلْ ميليشيات إسلامية قوية ومدفوعة الأجر من قبل السعودية في الهجوم المضاد مع الإشارة إلى أنها مجندة من فصيل الإصلاح ومنحدرة من مأرب، ورابعاً الحصول على أسلحة ثقيلة كالدبابات والمدافع في وقت افتقرت فيه قوات «المجلس الانتقالي الجنوبي» إلى الكمّ نفسه من هذه الأسلحة.
التداعيات على الحرب
بما أنه لم يتم بعد تسوية الأزمة الراهنة في جنوب اليمن، يجب على صانعي السياسات في الولايات المتحدة التنبه إلى أي تغيرات جديدة محتملة تطرأ على النزاع، وخاصة ما يلي:
إمكانيات التوسع لدى هادي والحوثيين:
ربما لا ينوي الرئيس هادي التوقف عن توسيع نطاق سيطرته، وقد يكون هدفه التالي محطات التصدير في محافظة حضرموت الغنية بالنفط. ومن جانبهم، قد يرى الحوثيون الهشاشة التي أصابت حديثاً الميليشيات التي شكلتها الإمارات بمثابة فرصةً للاندفاع جنوباً مرة أخرى نحو مضيق باب المندب. وحيث أن إيران تهدد علناً جميع المعابر المائية الاستراتيجية في المنطقة، فقد يبدو المضيق جذاباً بشكل خاص لبعض القيادات الحوثية الأكثر ارتباطاً بطهران. بالإضافة إلى ذلك، تم إبعاد العديد من قوات هادي والقوات المتحالفة معها من جبهات معينة للمساعدة في التصدي لـ «المجلس الانتقالي الجنوبي»، مما ترك الحكومة عرضةً للتقدم المحتمل للحوثيين.
لذلك ينبغي على الولايات المتحدة والأمم المتحدة أن تعملا على ردع كلا الجانبين عن الاستحواذ على الأراضي، الأمر الذي من شأنه تقويض عملية السلام الهشة إلى حدٍّ أكبر. ومن الجانب الحوثي، يبدو أن المحادثات التي تجريها الولايات المتحدة مع المتمردين عبر القنوات الخلفية قد أصبحت أمراً روتينياً، ولذا يجدر بواشنطن استعمالها لإخطار القادة الحوثيين بأن أي زحف عسكري يشنّه الحوثيون مستقبلاً قد يؤدي إلى تكثيف المساعدات الدبلوماسية والاستخباراتية وآليات الدعم العسكري غير القتالي التي تقدمها الولايات المتحدة للحكومة اليمنية وحلفائها في التحالف. أما من ناحية هادي، فيجب على الأمم المتحدة وواشنطن والسعودية أن تعمل بعزمٍ لكي تثني الحكومة عن شن هجوم جديد على حضرموت، وهو ما قد يكون عملاً عسكرياً غير مستفَز وقد لا ينجح بالسهولة نفسها التي نجحت بها الحملات على شبوة وأبين.
تنامي الدور السعودي:
بعد سقوط عدن بيد «المجلس الانتقالي الجنوبي»، بدا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان يؤمّن المساعدة من دولة الإمارات من أجل القضاء على أي انتفاضة أوسع. وتحركت الرياض بحزمٍ، وقدّمت على الملأ الدعم السياسي والأموال وذخائر الأسلحة الصغيرة والنقل الجوي حتى بينما أبقت عديد قواتها البرية في جنوب اليمن محصوراً ببضع مئات من الجنود. وبعد اللقاء الذي جمع ولي العهد السعودي في 12 آب/أغسطس بنظيره الإماراتي الأمير محمد بن زايد، بدا أن الإمارات تعمل بنشاط لدعم المتطلبات السعودية. لذلك يجب على واشنطن أن تدرك أن الرياض هي الآن العنوان لمعالجة قضايا التحالف التي تؤثر على جنوب اليمن.
تعاظم قوة محور الرئيس هادي:
على الرغم من أنه لا يجب التوقع من الرئيس هادي أن يحرر صنعاء في المستقبل القريب، إلّا أنه تمكّن من الحفاظ على الدعم السعودي، وأعاد إدخال قواته إلى عدن، واستولى بصورة كاملة على ممر إمدادات الطاقة بين مأرب وشبوة، وجهّز قواته للتوسّع في جنوب حضرموت. فضلاً عن ذلك، أبدى الرئيس هادي رغبةً كبيرة في البقاء في منصبه، ودأب باستمرار على تحسين وتقوية حكومته المكوّنة من أصحاب نفوذ ورجال أعمال وتكنوقراطيين من شمال البلاد وجنوبها. ومع ذلك، ففي حين أن تحصين حلفائه على كافة المستويات سيكون أمراً مفهوماً بالنسبة لزعيمٍ منتخَب، إلّا أن الأمر أقل قبولاً بالنسبة إلى وكيل انتقالي عيّنته الأمم المتحدة. لذلك، فبالإضافة إلى توجيه هادي بعيداً عن أي هجوم على حضرموت، يجب على الأمم المتحدة وحكومتَي واشنطن والرياض الإسراع بمناقشة العملية الانتقالية ما بعد الرئيس المؤقت في المرحلة المقبلة.
فسحة للتنفَّسٌ لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»:
من المرجح أن يستفيد تنظيم «القاعدة» من تراجع نفوذ الإمارات وتحسّن الوضع بين هادي وحزب «الإصلاح». فبعض ميليشات «الإصلاح» التي مكّنت الحكومة من تنفيذ هجومها المضاد الأخير تضم في صفوفها الكثير من المتعاطفين مع تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وأن هادي وداعميه السعوديين لم يركّزوا كثيراً على التصدي لهذا التنظيم الإرهابي منذ بدء الحرب الحالية في عام 2015. واليوم أصبح للتنظيم معقلٌ محمي في مدينة مأرب ويتمتع بالحرية الكاملة للتنقل في المناطق الريفية القبلية المحيطة بالمدينة. هذا وإن الحملة التي تقودها الإمارات والتي تدعمها الولايات المتحدة لمواجهة التنظيم في غرب شبوة وأبين قد تتعرض للخطر إذا ما فقد الإماراتيون نفوذهم في هاتين المحافظتين. وبينما ستترك الإمارات على الأرجح قوة كبيرة لمكافحة الإرهاب في شبوة، فقد تتضاءل قدراتها إذا أصبحت السعودية هي القوة الرئيسية في المحافظة واستمرت ثقة الميليشيات بأبوظبي في التراجع. ولتجنب هذا السيناريو، يجب على وكالات الاستخبارات والدفاع الأمريكية أن تشجّع الإمارات على الحفاظ على انخراطها الكامل في الحرب ضد تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، بينما يضغط المسؤولون الدبلوماسيون بهدوءٍ على الرياض وهادي لضمان ألا يصبح التراخي السعودي في محاربة التنظيم هو الوضع الاعتيادي الجديد في شبوة وأبين وحضرموت.
ألكسندر ميلو محلل الأمن الرئيس في الشركة الاستشارية للمخاطر «هورايزن كلاينت آكسس».
مايكل نايتس زميل أقدم في معهد واشنطن. قام كلا المؤلفين بزيارة اليمن ودول التحالف الخليجي في مناسبات متعددة لمراقبة العمليات العسكرية على جبهات متعددة.
معهد واشنطن