دهوك ـ خدر خلات:
في هذه الايام من السنة، وإسوة بكل عام، تتلبد السماء في محافظتي نينوى ودهوك بالغيوم البيض المتقطعة.. واذا كان وصول هذه الغيوم امراً طبيعياً لدى الكثيرين، فان هناك من يزداد خوفه من هذه الغيوم، وهناك من له ذكريات حميمية معها.
ويسمي الفلاحون في اطراف محافظتي نينوى ودهوك الغيوم المتقطعة التي تمر في سمائهم منتصف كل شهر ايلول من كل عام مصطلح “غيوم الكسالى”.
ويقولون ان هذه الغيوم هي انذار اخير للنسوة الكسولات اللاتي لم ينجزن اعمالهن في اكمال تخزين المؤونة السنوية من مشتقات القمح، كالبرغل والجريش والحبية (المدقوقة) و(دان) الكبة الذي يستعمل في عمل الكبة المحلية بشتى انواعها، مع جرش العدس وتنقية الحمص والباقلاء من الشوائب قبل الشروع بتخزينها.
يقول المواطن الخمسيني جمعة خلو، من اهالي بعشيقة، والنازح الى مدينة سرسنك (45 كلم شمال شرق دهوك) في محافظة دهوك، في حديثه لـ “الصباح الجديد” ان “غيوم الكسالى كانت في مفهومنا تحذيراً لكل امرأة او عائلة كسولة لا تكمل مهمة تهيئة المؤونة السنوية من مشتقات القمح والعدس والحمص وغيرها، والتي كانت تنتجها حقولنا الزراعية سنويا”. واضاف “لكننا الان، ونحن نازحون ونقطن في مدارس وهياكل بناء والبعض يسكن خيما تم نصبها على عجالة بين الاشجار، فاننا نضع ايدينا على قلوبنا خوفا منها”. وتابع خلو بالقول “اكثر ما نخشاه هو سقوط الامطار واقتراب موسم البرد وهطول الثلوج ونحن نعيش حياة النزوح”.
لافتاً الى ان “الشتاء هذه السنة، اذا داهمنا، ونحن في النزوح فيعني ان مشكلات كثيرة تنتظرنا، ومعاناتنا ستتضاعف بلا ادنى شك”.
وعبّر خلو عن تمنياته “بالعودة السريعة لمناطقنا وقرانا ومنازلنا قبل ان يحل الشتاء، ذلك الضيف الثقيل، خصوصاً وان الاخبار السياسية التي نسمعها من وسائل الاعلام تشير الى ان المجتمع الدولي عازم على طرد ارهابيي داعش في غضون شهر ان شاء الله”.
اما ام حسين، المرأة الستينية القادمة من بلدة بحزاني، المجاورة لبعشيقة (17 كلم شمال شرق الموصل) فتقول لـ “الصباح الجديد” عن “غيوم الكسالى” ان “هذه الغيوم تذكرنا بموسم العمل الدؤوب والمستمر عندما كنا نقطن في مناطقنا”.
واضافت “اعداد المؤونة السنوية من البرغل والحبية والعدس والمدقوقة وغيرها، كان يقع على عاتق غالبية افراد الاسرة، لكن النسوة كنّ يتحملن الجزء الاكبر من هذه المهمة”.
واشارت ام حسين الى ان “التكاتف الاجتماعي في مناطقنا بين الجيران كان يخفف من ثقل هذه المهمة، حيث كنا نتعاون جميعاً، نساء وفتيات في انجاز هذه المهمة، وكل يوم او يومين لاحد الجيران، وغالباً ما كنا ننتهي من ذلك قبيل وصول غيوم الكسالى”.
وتستدرك بالقول “لكن دائماً هناك نسوة يتأخرن في اعداد المؤونة السنوية، بسبب المرض مثلا، او الحمل او انجاب طفل، او بسبب ضيق ذات اليد في موسم العمل”.
وترى ام حسين ان “غيوم الكسالى التي نشاهدها هذه الايام، تذكرنا بتلك الايام الغابرة والجميلة، وتذكرنا بلمّة الجيران والمزاح النسائي وتبادل الاخبار المجتمعية، فلانة تزوجت، فلانة حبلى، فلانة تحب فلان، فلان سيخطب فلانة.. وغير ذلك من هذه الاحاديث النسائية”.
وغالبا ما تقوم الاسر الريفية في محافظتي نينوى ودهوك، باستغلال حرارة الشمس في شهري تموز وآب من اجل سلق الحنطة (السليقة) وتجفيفها ومن ثم جرشها للحصول على البرغل، اما للحصول على الجريش فيتم ترطيب القمح قليلا وثم تقشيره بواسطة (الدنك ـ الصخرة المدورة والتي تعمل بالطاقة الكهربائية حاليا) ثم يتم جرش المحصول وبالتالي غربلته للحصول على الجريش، ومسحوق الجريش (دان) الذي يستعمل في صناعة الكبة المحلية بمختلف انواعها.
وحول الاستعدادات لتوفير سكن ملائم للنازحين مع اقتراب موسم الامطار وهطول الثلوج، يقول الناشط في مجال اغاثة النازحين في محافظة دهوك، ريبوار برواري في حديثه لـ “الصباح الجديد” ان “حكومة اقليم كردستان ومحافظة دهوك والدوائر والمؤسسات الحكومية المعنية بشؤون النازحين، تبذل كل الجهود لتذليل الصعوبات التي تواجه مئات الالوف من النازحين الى الاقليم”.
واضاف “حالياً تقوم شركة آفاد التركية بانشاء بضعة الاف من الخيم في محافظة دهوك، وسيتم ايواء الالاف من النازحين فيها، وسيتم توفير سكن ملائم يساعد النازحين في تجاوز الطقس البارد في فصل الشتاء”.
واشار برواري الى انه “من المحتمل ان تعود اعداد كبيرة من النازحين الى مناطق سكناهم عقب تحريرها من عصابات داعش، وهذا سيسهم في تخفيف معاناة من لم تتحرر منطقته، وسيضطر للبقاء في موسم الشتاء في النزوح، لاننا سنحصل على اماكن تصلح للسكن بفصل الشتاء بعد مغادرة من يقطنها حالياً ممن ستتحرر منطقته”.
ويقطن في اقليم كردستان نحو مليون و400 الف نازح، وارتفع عددهم بنحو حاد خلال شهر آب الماضي بعد اجتياح تنظيم داعش مناطق وبلدات عديدة في محافظة نينوى، قبل ان تتمكن قوات البيشمركة المدعومة بغطاء جوي امريكي عراقي من استعادة عدة مناطق في الاسابيع القليلة المنصرمة.
النازحون الأيزديون في دهوك يخشون مجيء “الغيوم الكسالى”
التعليقات مغلقة