رجب أبو سرية
إضافة إلى الرد المعتاد بقصف مواقع تدريب عسكري، في مناطق مختلفة من قطاع غزة، رد رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بعد قصف سديروت ليلة أول أمس، بثلاثة صواريخ من قطاع غزة، بفرض «عقوبات» اقتصادية ــــ خدمية، منها تقليص كمية الوقود التي يتم توريدها إلى محطة توليد الطاقة عن طريق معبر كرم أبو سالم إلى النصف، بما يمكن اعتباره ردا غير معتاد، الهدف منه القول إن هناك في جعبة الاحتلال الإسرائيلي الكثير من أدوات الردع، في الوقت نفسه، التضييق على حكم «حماس» من دون إسقاطه.
المثير في الأمر كله هذه المرة، هو توقيت إطلاق الصواريخ، فهو لم يأت ردا على إصابة نحو 35 مواطنا في مواجهات الجمعة الماضية، ولا ردا على استشهاد ثلاثة شبان في شمال قطاع غزة، قبل أيام، ولا كحدث يعتبر نقطة في مسار متصاعد من تصعيد التوتر على جانبي السلك الحدودي، بسبب عدم التزام إسرائيل ببنود التهدئة، وباستمرار فرضها للحصار على قطاع غزة للعام الثالث عشر على التوالي، ولكن جاء بعد ساعات قليلة من إعلان خبر استهداف إسرائيل لمواقع تخص محور إيران في المنطقة، خاصة بقواته في سورية وبقوات «حزب الله» في لبنان، أي بعد الإعلان عن استهداف عقربا جنوب العاصمة السورية والضاحية الجنوبية في بيروت.
هذا يرجح أن من أطلق الصواريخ من غزة، هو الجهاد الإسلامي وليس «حماس»، وهذا يعني بأن الجهاد الإسلامي قبل «حماس»، تعد نفسها قوة للمحور الإيراني في الإقليم، فها هي ترد على إسرائيل قبل أن يرد «حزب الله»، وقبل أن تحرك إيران نفسها ساكنا، التي ربما تفضل أن ترد بالآخرين لأكثر من سبب، في مقدمتها بالطبع، أن ردها المباشر يعني اعترافها بوجود قواتها في سورية، والأخطر هو الاستجابة للرغبة الإسرائيلية بل وللخطة الإسرائيلية بجرها لحرب إقليمية سرعان ما قد تشارك فيها الولايات المتحدة وربما أكثر من دولة عربية!
المهم أن من يحكم غزة أراد القول فعلا وليس مجرد الإعلان كما حدث قبل أسابيع، إن غزة في المعركة مع إيران، في حال وقوعها، ومن يحكم غزة الآن ـــ بتقديرنا ــــ هو تحالف الجهاد مع القسام، وذلك بعد أن رفعت تركيا يدها عن «حماس» وعن غزة، وبعد أن اقتصر الدعم القطري بدولاراتها الشهرية التي تدخلها إلى غزة بمعرفة وإشراف إسرائيل والتي تستثني عسكريي «حماس»، أي القسام، وجد القسام ضالته في إيران، التي وافقت على زيادة دعمها المالي لـ»حماس» خلال زيارة وفد الحركة برئاسة نائب رئيس مكتبها السياسي قبل أسابيع لطهران.
هكذا بات الوضع دقيقا للغاية، خاصة مع اقتراب موعد الانتخابات الداخلية الإسرائيلية، حيث يتجنب نتنياهو و»حماس» الحرب بينهما خلال هذه الأيام المتبقية على موعد الانتخابات، لكن نتنياهو الذي يكافح من أجل البقاء في الملعب السياسي يعتقد بأن تحقيق مكاسب ضد إيران من خلال عملياته ضد حلفائها وحتى ضد وجودها العسكري في كل من سورية والعراق، وضد «حزب الله»، فضلا عن أنه يجد قبولا دوليا، فإنه يعزز من صورته الأمنية للناخبين من جهة ومن جهة ثانية يحافظ على قوة دفع تآكلت فيما يخص صفقة القرن والتحالف الذي يجري نسجه مع دول الخليج، ذلك أن دخول إسرائيل على خط المواجهة العسكرية مع إيران يعزز من جهة العقوبات الاقتصادية الأميركية التي واجهت صعوبات خاصة من قبل الأوروبيين، كذلك يرفع من معنويات الوجود العسكري السعودي في اليمن، خاصة بعد صمود الحوثي، وانكفاء الإمارات وبعد ظهور المجلس الانتقالي الجنوبي في اليمن. مستقبل التصعيد بات بتقديرنا مرتبطا بطبيعة الرد الذي ألتزم به «حزب الله» من خلال خطاب حسن نصر الله عقب سقوط الطائرتين المسيرتين في الضاحية الجنوبية لبيروت، معقل الحزب، والتصعيد الذي جاء بمبادرة إسرائيل توافق مع انعقاد قمة الدول الصناعية السبع في باريس، والتي ترافقت مع استقبال الرئيس الفرنسي لوزير خارجية إيران، وكما هو معروف فإن القمة ستناقش الملف الإيراني، والهدف من ذلك هو تعزيز السياسة الأميركية بمحاولة إقناع الأوروبيين بالمشاركة في فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، لتجنب الحرب الإقليمية الطاحنة.
إن اللعبة كلها قائمة على التوقيت، وها هو الرئيس الأميركي يدخل على خط التصعيد لإجبار أوروبا واليابان على المشاركة في سياسته بفرض العقوبات الاقتصادية المحكمة على إيران، بإعلانه المفاجئ بأنه سيعلن عن صفقة القرن قبل الانتخابات الإسرائيلية، وذلك لإنقاذ الخطة بعد فشل صهره جاريد كوشنير فيما تمخض عن ورشة المنامة، وفي جولته الشرق أوسطية مطلع الشهر الحالي التي كانت تهدف لعقد المؤتمر الإقليمي لإعلان الصفقة في كامب ديفيد قبل إجراء الانتخابات الإسرائيلية، أي أن التصعيد السياسي الأميركي والعسكري الإسرائيلي جاء لإنقاذ الصفقة ولإنقاذ نتنياهو معا.
لذلك فإن الرد الإيراني لابد أن يكون محسوبا فلا يقع في الفخ الإسرائيلي، لذا فلا يمكنه أن يكون مباشرا، والرد المفضل هو أن يجيء من الحلفاء الأبعد، أي من الحوثي، الذي أطلق بدوره على جيزان بعشرة صواريخ باليستية، ومن غزة، ومن ثم «حزب الله».
أما سورية والعراق فإن أرضها وأجواءها باتت مستباحة أو ساحة حرب مجددا، ولكن ليس من وراء الكواليس أي بين قوات النظام والجماعات المسلحة المدعومة من الدول الحليفة لواشنطن كما كان الحال خلال السنوات الماضية، بل إن الوكلاء مضطرون هذه المرة للدخول مباشرة، والغريب أن العواصم العربية لا تدين العدوان الإسرائيلي لا على سورية ولا على العراق، فأيا يكن الأمر فإن الوجود الإيراني في كلا البلدين جاء بموافقة نظامهما وهما بلدان لهما حرمة الأرض والأجواء الوطنية، وإسرائيل هي دولة الاحتلال وأكثر دولة تهدد أمن جميع دول الشرق الأوسط دونما استثناء. بقي أن نقول، إن غزة بما هي خارج إطار الشرعية الفلسطينية باتت بهذا القدر أو ذاك قطعة شطرنج في لعبة إقليمية عنوانها الحرب، التي ما أن تدور عجلتها حتى تكون غزة أول ساحاتها، وهي المرهقة بكل أشكال العزلة والفقر والمعاناة، وما الحرب إلا وصفة انتحار لها، مهما تم تزويق الأمر أو إظهاره على أنه بطولة أو مقاومة أو ما إلى ذلك، فقد سبق لغزة أن خاضت ثلاث حروب لم يشاركها أحد فيها من قبل.
جريدة الايام