طغيان اللصوصية والشعوذة

بعد أن استأصل لنا المشرط الخارجي احدى أبشع تجارب الطغيان والقهر والاجرام في تاريخ المنطقة الحديث؛ تلقف مقاليد أمور البلد نوع من المخلوقات والجماعات اعتصمت غالبيتها العظمى بعروتي (اللصوصية والشعوذة). ومن الاهمية بمكان الاشارة الى ان بواكير هذا العصر قد ظهرت قبل ذلك، وهذا ما شهدناه برفقة جزء من هذه الطبقة السياسية الفاشلة والفاسدة (الكوردستاني) والذي تلقف مقاليد امور المنطقة المحمية دولياً في العام 1991، لكن لم يتم الالتفات اليه لبؤس الفرص والغنائم التي اتيحت لحيتانه آنذاك. يوما بعد آخر ودورة انتخابية بعد اخرى، وما يرافق كل ذلك من استنزاف هائل للثروات البشرية والمادية والقيمية، وهدر للفرص لا مثيل لها، نكتشف حجم الهوان والعجز الذي نعيشه بمواجهة هذا الوباء (اللصوصية والشعوذة) والذي لا تنحصر سطوته في حدود الكتل السياسية المهيمنة وحسب، بل تمددت عميقاً الى اغوار المجتمع من شتى الرطانات والهلوسات والبيارغ والازياء، ويمكن تلمس اغوار ذلك البؤس في نوع هموم واهتمامات الشريحة التي يفترض التعويل عليها بولادة الانعطافات النوعية (الشباب). في هذه الاحتياطات المشينة يكمن سر قوة هذه الكتل والجماعات وتجددها الدائم، حيث تم وعبر سلسلة من البرامج الممنهجة والحروب وما رافقها من ضخ هائل للاكاذيب والاضاليل والعقائد المنتهية الصلاحية؛ انتاج نوع من المجتمعات لا “تهش ولا تنش” كما يقول اشقاءنا الشاميين والمتجحفلين معنا بهموم وعلف المنقرضات.
احدى أكثر الاضاليل والقناعات رواجاً واشدها فتكاً؛ أن يطلق على بلد تبسط فيه قوى “اللصوصية والشعوذة” عناوين الغنى والثراء لصدفة جيولوجية لا علاقة لها بهمة ونشاط سكانه (وجود النفط والغاز)، وفي عصر شكلت عموده الفقري سيادة العقل والمعرفة والتشريعات التي تنتصر لحرية وكرامة الانسان. لقد برهنت التجربة الانسانية وبما لا يقبل الشك، على ان التحدي الاساس الذي يواجه المجتمعات (افرادا وجماعات) يتمحور حول مكانة ودور الرأسمال الأثمن (الانسان) تلك الثروة التي لا تنضب، والتي ناصبتها القوى والجماعات التي اشرنا اليها؛ العداء زمن النظام المباد وورثته من مشعوذي الرسائل الخالدة. ان استرداد مؤسسات ما قبل الدولة الحديثة (قبائل وطوائف ومافيات مسلحة و..) لفتنتها وهيمنتها على تفاصيل الحياة في هذا البلد المنكوب؛ بعد مؤشراً قاطعا على نوع الحضيض الذي انحدر اليه في العقود الأخيرة، والى الفقر المادي والقيمي الذي انحط اليه بلد جسد في الاربعينيات والخمسينيات من القرن المنصرم، في نشاطات أبناءه وتنظيماته السياسية والاجتماعية والنقابية؛ أفضل وأجمل ما رسمته المجتمعات والبلدان من تطلعات ومشاريع حضارية.
زمن النظام المباد عملت اجهزته القمعية وواجهاتها المختلفة على توريط قطاعات واسعة من العراقيين، في نشاطاتها التجسسية وحولت الكثير منهم الى “كتبة تقارير” ضد ابناء جلدتهم وجيرانهم ولم تستثن تقارير البعض منهم اسرهم واقرباءهم من الدرجة الاولى، وهي ممارسات غالباً ما تؤدي الى نهايات مفجعة لضحاياها، تلك الممارسات والسلوكيات وغيرها الكثير تركت حطاماً من البشر والقيم لن يشفى بيسر، وقد شهدنا كيف استثمر من تلقف مقاليد الامور بعد “التغيير” لذلك الحطام. كنا بأمس الحاجة الى مواجهة كل ذلك الارث والفضلات الملوثة، عبر ما يعرف بـ “العدالة الانتقالية” والتي تحولت بيد القوافل الجديدة من المشعوذين واللصوص الى أداة وشبكات اخطبوطية، لموجة اخرى وكرنفالات اضافية ومبتكرة وضعت العراق كدولة ومجتمع في قعر قائمة التقارير الدولية بوصفها الاكثر فشلاً وفساداً.

جمال جصاني

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة