-1-
ليس بمستغرب من شاعرٍ قدير كابن الخيّاط – أحمد بن محمد التغلبي الدمشقي المتوفى سنة 517هـ ان يصل الى ما يريد دون ان يتكبّد عناء كبيراً …
لقد حدّث عن نفسه فقال :
” دخلتُ في الصبا على الأمير ابن حيّوس بحلب وهو مُسِنٌّ فأنشدته لي :
لم يبق عندي ما يُباع بدرهم
وكفاك علماً منظري عن مخبري
الاّ صبابةُ ماء وجهِ صنتُها
من ان تباع وأينَ أينَ المشتري
فقال له ابن حيوس :
لو قلتَ :
وأنت نعم المشتري لكان أحسن
ثم قال :
كرُمت عندي
ونعيت اليّ نفسي
فان الشام لا يخلو من شاعر مجيد
فأنت وارثي ،
فاقصد بني عمار بطرابلس ، فانهم يحبون هذا الفن
ثم وصله بثياب ودنانير ،
ومضى الى بني عمّار فوصلوه ومدحهم “
أقول :
في قول ابن الخياط ( وكفاك علماً منظري عن مخبري)
تصديق لما جاء في ترجمته، من أنَّ مَنْ كان ينظرُ اليه يعتقدُه حمّالاً أو جمّالا لِبزّته وشكله وعرضه …
وتكمن براعة (ابن الخياط) في انه عبّر ببيتين في وصف حاله يُغنيان عن المزيد …
وتكمن براعة (ابن حيّوس) في ما أبداه من تعديل للبيت الثاني ناسيا انه هو الممدوح الذي قد لا يليق به ان يجري التعديل …
ولكنه انطلق من أريحية شعرية، وقدرة فنية، بعيداً عن الشكليات وما يقتضيه العرف الاجتماعي .
ولا بد لنا من وقفة قصيرة مع (ابن حيّوس) فنقول :
انه لم يبخل على (ابن الخياط) بكلمات حلوة تزرع الأمل في نفسه بمستقبل واعد ..
لقد بشرّه بانه سيكون شاعر الشام المجيد ..
وانه سيكون وارثَه
وهذه هي المكافأة المعنوية
ثم انه اضاف اليها مكافأة اخرى تمثلت بالدنانير والثياب
ثم اضاف الى ذلك خارطة الطريق من خلال تحريضه على ان يفد على
بني عمار في طرابلس – وهم يحبون الشعر – ويكرمون الوافدين عليهم وهكذا كان
أقول :
ما أجمل أنْ تسود بيننا هذه الروح ..
روح الاعتراف للاخرين ببراعاتهم ، وروح المبادرة الى تبيان المواطن التي يمكن ان تعود عليهم بالنفع العميم .
من الجميل حقا :
أنْ تسعف حاجة أخيك في حدود المقدور ،
وان تكون دليله للخروج من مأزقه عبر الاتصال بغيرك ممن تعرف من ذوي المروءات .
حسين الصدر