بغداد – الصباح الجديد
رأت قاضية متخصصة في شؤون الأحداث أن قانون العقوبات العراقي لا يكفي لمواجهة ظاهرة التسوّل وذلك لعدم احتوائه على عقوبة مشددة تحقق ردعا حازما لهؤلاء، لاسيما أن التحقيقات تكشف عن عصابات تقف وراء أغلب المتسولين؛ تتولى توزيعهم في الشوارع وتجمع محصلاتهم مقابل توفير مأوى لهم.
وعلى مرات متكررة يقوم مجلس القضاء الأعلى بحملات لصدّ هذه الظاهرة التي تنمو بلا هوادة، إلا أن هذه الجهود لا تكفي، إذ تتطلب تضافرا من جميع الجهات أهمها الارتقاء بالواقع الاقتصادي الذي يعيشه الفرد.
وتقول القاضية ندى محمد من محكمة تحقيق الأحداث المركزية إنه “بناء على توجيهات معالي رئيس المجلس القاضي فائق زيدان فقد تم البدء بحملات لغرض الحد من هذه الظاهرة ومحاسبة المسؤولين عنها لأن هناك من يقوم بتجنيد الصغار وإجبارهم على التسول”، لافتة إلى أن “هذه الحملات حققت صدى واسعا ونتائج كبيرة، إلا ان ذلك لا يكفي ولا يحقق كل النتائج المرجوة بل يحتاج الأمر لتكاتف جميع الجهات لوضع الحلول المجدية لها”.
وأضافت محمد في حديث إلى “القضاء” أنه “لا توجد إحصائيات رسمية بعدد المتسولين وهذا من اختصاص وزارة الداخلية ومديرية شرطة الاحداث الجهة المختصة بالقبض عليهم والتحقيق معهم، اما البالغون منهم فهم من اختصاص مراكز الشرطة المحلية”، مشيرة إلى أن “طرق التسول عديدة اهمها وابرزها الوقوف بالتقاطعات وادعاء الإصابات او بيع الماء او المناديل الورقية لغرض كسب عطف الناس او حمل الأطفال الرضع او استغلال المرضى”.
وبحثا في الأسباب تقول القاضية إن “من أهم أسباب شيوع حالة التسول هو الجانب الاقتصادي المتمثل بضعف الحالة المادية للفرد وهو جانب يمثل السبب الاساسي لظهور المتسولين اضافة الى عدم وجود رواتب لذويهم وعدم شمولهم باجراءات شبكة الحماية الاجتماعية وقلة الرواتب المدفوعة داخل الشبكة”.
ومن الأسباب الأخرى ترى محمد أن “الواقع الاجتماعي وبعد نزوح الأهالي بسبب الحرب مع داعش وتشرد عدد كبير من العائلات العراقية أو السورية أجبر هذه العائلات على الخروج للتسول فضلا عن انتشار الجهل والتخلف، كون أغلب المتسولين تاركا للدراسة ولا يجيد القراءة، وهناك اسباب أخرى تتمثل بفقدان الاب نتيجة الوفاة او الحروب او الحوادث الإرهابية، والأم ربة بيت ولا تملك عملا فيجبر الابناء على التسول”.
وأضافت محمد أن “الحد من ظاهرة التسول يستلزم تضافر الجهود من عدة جهات مع القضاء منها وزارة العمل ووزارة العدل والداخلية والشرطة المجتمعية ووزارة حقوق الإنسان والهجرة والمهجرين لتبني الأسس والخطط الكفيلة”.
وعن موقف المشرع العراقي من تحديد العقوبات، قالت قاضي محكمة تحقيق الاحداث المركزية أن “الشخص البالغ يخضع لقانون العقوبات الذي حدد عقوبة التسول بالمادة٣٩٠ منه و٣٩١ و٣٩٢ والتي تعتبر من المخالفات والعقوبة المفروضة فيها الحبس مدة لا تزيد عن شهر وتعتبر من الجرائم البسيطة ولا يجوز التوقيف فيها استنادا لأحكام المادة ١١٠/ب من قانون أصول المحاكمات الجزائية”.
اما عن عقوبة الأحداث ذكرت أن “القانون الواجب التطبيق هو قانون رعاية الأحداث بالمواد ٢٤ و٢٥ منه والذي يشترط على قاضي الاحداث إيداع الحدث بدور المشردين وإجراء دراسة شخصية له واحالته على محكمة الاحداث وبذلك تكون الاجراءات اكثر فاعلية في متابعة حالات التسول بقانون رعاية الأحداث من قانون العقوبات”، مطالبة بـ”تعديل نص قانون العقوبات لغرض تحقيق الردع العام والحد من ظاهرة التسول”.
كما أوضحت أن “قانون رعاية الأحداث نص في المادة ٣٠ منه على ان العقوبة المفروضة على ولي الحدث الذي يجبر الحدث على التشرد بالحبس مدة لا تزيد على سنة أو غرامة وبذلك يكون قانون رعاية الأحداث اتخذ الشدة بردع ولي الحدث الذي يجبره على التسول بينما كانت العقوبة سابقا لمن يغري الحدث على التسول هي الحبس مدة لا تزيد عن ثلاثة اشهر بموجب المادة ٣٩٢ قانون العقوبات ونحن مع الرأي الذي يطالب بتعديل هذه القوانين بما يتلاءم مع متطلبات العصر والوقت الحالي”.
واستشهدت بحالة سجلت قبل عدة أيام لفتاة حدث عمرها اقل من ١٥ عاما أجبرتها والدتها على التسول على الرغم من رفضها هذه المهنة حتى جلست في احد الشوارع منتظرة مرور الشرطة، وفعلا أبلغت الشرطة بحكايتها وحضرت بدورها شرطة الاحداث وتم تسييرها وايداعها لدى دار المشردات بالصليخ وفق المادة ٢٤ من قانون رعاية الأحداث وطلبت عدم تسليمها الى والدتها كونها تجبرها على ذلك وتم البحث عن ذويها بغية التعرف عليهم لاتخاذ الإجراءات القانونية بحقهم.
وبينت قاضي محكمة تحقيق الأحداث المركزية أن “لدور الإعلام أهمية كبيرة في توعية المجتمع ونشر ثقافة الممنوع والخطأ من اجل اصلاح المجتمع والحد من الظواهر السلبية فيه”.
وترى أن “علاج هذه الظاهرة يستلزم تشديد العقوبات المفروضة من خلال تعديل النصوص وفرض العقوبات البديلة المالية بشان مرتكبها لتحقيق نوع من الخوف وكذلك توفير دور إيواء ورفدها بالكوادر المختصة والباحثين والنفسيين الذين سيكون لهم التأثير بالمودع وإقناعه بعدم ارتكاب الجريمة، ما يجعل الحدث يرغب بالبقاء فيها وعدم العودة للشارع وللتسول وكذلك تشديد الإجراءات ضد ذوي المتسولين او من يجبرونهم على التسول وفق أحكام قانون الاتجار بالبشر وليس تطبيق قانون العقوبات كونه قاصرا في هذا الجانب”.