ما أشبههم بالحُطيئة

-1-

الحطيئة ( جرول بن أوس) من أعظم الشعراء ، وهو مخضرم معروف بالهجاء المقذع وبالبخل .
ومع هذا فهو يقول :
ولستُ أرى السعادة جمعَ مالٍ
ولكنّ التقيَّ هو السعيدُ
وتقوى الله خيرُ الزاد ذُخراً
وعند الله للأتقى مزيدُ
والسؤال الآن :
اذا كنت موقنا بان السعادة في التقوى فلماذا كنت علماً في التمرد عليها والخروج من ربَقتها ؟
انها اذن مجرد ادعاءات باطلة ، ليس وراءها شيء من الصدق والحقيقة.
-2-
قالوا :
مرّ ابن الحمامة بالحطيئة وهو جالس بفناء بيتهِ فقال :
السلام عليكم ، فقال :
قلتَ مالا يُنكر ، ( اي انه لم يرد عليه السلام )
قال :
اني خرجتُ من عند أهلي بغير زاد ، فقال :
ما ضمنتُ لاهلك قِراكَ ؟
-وهو جواب فجّ يَقْطرُ وقاحةً وبخلاً –
قال :
أفتأذن لي أنْ آتي ظل بيتك فأتفيأُ به ؟
قال :
دونك الجبل يفيْ عليك ،
قال :
انا ابن الحمامة
قال :
انصرف وكن ابن اي طائر شئتَ ..
الاغاني / ج2/ص271
والسؤال الان :
أهكذا يكون الأتقياء ؟
لا يردون السلام ،
ويبخلون بالطعام ،
ويمنعون حتى الاستظلال ببيوتهم ؟
لا يرّق لهم قلب على طالب حاجة ،
ولا يعنيهم شأن الانسان الذي يلجأ اليهم في حاجة،
وقضاياه المخزية كثيرة لسنا الان بصدد الافاضة فيها .
والمهم أنْ يسجّل في قائمة تجّار الحروف، الذين يطرحون أحيانا أجمل الشعارات والأبيات، ولكنهم أبعد الناس عن مضامينها وحقائقها
أليس هو القائل :
مَنْ يفعل الخَير لا يعدم جوازِيَه
لا يذهب العُرف بينَ اللهِ والناسِ
وقد كان عمليّا من البخلاء الأشحاء الذين لم يعرف عنهم أنهم أسدوا معروفاً لأحد .
قيل له عند الموت ما تقول في مالِكَ ؟
قال : للانثى مثلُ حظِّ الذكر
قالوا :
ليس هكذا قضى الله جل وعز لهن قال :
لكني هكذا قضيت ..!!
المصدر السابق ص 197
-3-
انّ ورثة الحطيئة اليوم هم سياسيو الصدفة ، والسلطويون الذين يدعون التقوى والتمسك بأهداب الدين، ولكنهم لا يتورعون عن الاختلاس، ولا التحايل على الناس، ان لهم براعات مشهودة في اجتراح الاكاذيب والوعود المعسولة ، والضحك على الذقون .
انهم عمدوا الى مؤسسات الدولة وأجهزتها فأشاعوا فيها الخراب والدمار، عبر ملئها بمن لا يُحسن الاّ تلميع صورهم،والاشادة بمنجزاتهم، في منحىً يستخف بكل القوانين والموازين، ويكفينا هنا أنْ نذّكر بانّ احدهم بشّر الشعب بان العراق سيكون مًصدّرا للكهرباء !!
وهاهم العراقيون يصطلون بالحرّ اللاهب في ظل الانقطاع الطويل للكهرباء وقد مرّت على تلك الوعود سنوات عديدة ..!!
ان عمليات الابتزاز للمواطنين ملحوظة ومشهودة في معظم الدوائر ، ومن الصعب ان تنجز المعاملات بعيداً عن (التوريق) ويحظى المبتزون بحماية أسيادهم، واذا اتفقَ أنْ أُحيل بعضُهم الى القضاء فالعفو يُطلقه من السجن ..
انّ الحطيئة لم يكن من أصحاب السلطة لذلك كانت أضرارُه محدودةً معدودة .
ولكنّ ورثته اليوم كثيرون، ومبثوثون في مختلف أرجاء البلاد، يعيثون فساداً دون رادع أو مانع .
وحين تكونُ الأقوال لطيفة جميلة، والأفعال قبيحةً رذيلة فهذه هي الكارثة..!!

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة