المجتمع العلمي يتجاهل دراسة المخاطر المحدقة بها
متابعة الصباح الجديد:
قبل 30 عاماً، عدت مجموعة من الباحثين غريبة الأطوار، لنصبها الفخاخ والمصائد في بلدة كريفلد الألمانية الريفية بهدف جمع ملايين الحشرات والزواحف، أما اليوم فقد أصبحت تملك «كنزا» علمياً يحمل دلالات على أسوأ انقراض لهذه المخلوقات منذ اختفاء الديناصورات.
وهذه الحشرات التي تشكل ثلثي الكائنات الحية، نفقت بمعدلات تنذر بالخطر، ما أدى إلى آثار كارثية على الموائل الطبيعية وسلاسل الغذاء.
ومقر «جمعية علم الحشرات للهواة «في كريفلد الواقعة عند الحدود مع هولندا، هو مبنى مدرسة سابقة تغطي نوافذها ستائر سميكة لتحجب أشعة الشمس.
وفي قلب خزائن زجاجية آلاف الفراشات التي ابيضت أجنحتها مع مرور الوقت، جنبا إلى جنب مع خنافس بحجم قبضة اليد ويعاسيب، جمعها هواة من أنحاء العالم.
يقول رئيس هذه الجمعية مارتن سورغ إن «علم الحشرات كان تقليداً، يتعلق بالتجفيف وجمع العينات النادرة».
وقد جمع هو وفريق كبير من المتطوعين على مر السنين ما يصل إلى 80 مليون حشرة تطفو حالياً في عدد لا يحصى ولا يعد من زجاجات الإيثانول.
وأوضح سورغ «منذ العام 1982، وحّدنا المصائد التي نصنعها بأنفسنا بالحجم والمادة نفسها ووضعناها في 63 موقعا».
والنتيجة كانت كنوزاً من البيانات الكمية التي تقزم أي مشروع جامعي مموّل كما يقول.
لكن برغم فخره الواضح بهذه البحوث، فإن النتيجة ترعبه. فخلال فترة الاختبارات، انخفضت الكتلة الحيوية الكلية للحشرات الطائرة بنسبة 76 بالمئة.
وبهدف إظهار التراجع السريع لأعدادها، يحمل هذا الباحث زجاجتين: واحدة تعود إلى العام 1994 تحتوي على 1400 غرام من الحشرات وواحدة تعتبر من الأحدث تحتوي على 300 غرام فقط من هذه الكائنات.
وقال سورغ «أدركنا خطورة هذا الانخفاض في العام 2011، ومنذ ذلك الحين رأينا الأمر يزداد سوءا».
وفي ذلك الوقت، لم تؤد الأخبار إلى ردات فعل كبيرة خارج الأوساط البيئة بل وأدت الى الشعور بالاحباط لدى باحثين من جراء الاهتمام بشكل خاص بأنواع الثدييات الكبيرة عند دراسة المخاطر المحدقة بالتنوع البيولوجي.
وعد رصد الحشرات في كريفلد أمرا غريبا تم تجاهله إلى حد كبير من قبل المجتمع العلمي.
وفي العام 2011 أيضا، وعلى مسافة بضعة كيلومترات كان أستاذ البيئة هانز دي كرون يعمل على تدهور أعداد الطيور في المنطقة.
وهو افترض أن الطيور تعاني من نقص في الغذاء، خصوصاً الحشرات، لكن لم يكن يملك بيانات تثبت ذلك.
وأخبر «اتصل زملاؤنا الألمان من كريفلد وقالوا «لدينا البيانات، لقد شهدنا انخفاضاً حاداً في عدد الحشرات ونحن قلقون جداً، هل يمكنك تحليلها؟ وهكذا بدأ الأمر».
وخلال البحث عن السبب، وفّر محيط كريفلد بعض الأدلة. فمن مسافة بعيدة، تطلق المداخن الصناعية سحباً من الدخان.
في جانب من الطريق، تقع محمية طبيعية. ومن الجهة الأخرى، يرش حقل شمندر سكري بالمبيدات بواسطة آلة زراعية.
وقال سورغ «لمحميات الطبيعية ليست محمية جيدا».وأضاف كرون «يجب أن ندرك أن مساحة طبيعتنا هنا في أوروبا الغربية تقلّصت، ولا تستطيع الحشرات الحصول على الطعام في الحقول الزراعية».
وأوضح «مناطق الطبيعة أصبحت معزولة أكثر فأكثر. وبالتالي لا يمكن أن تنتقل الحشرات من منطقة إلى منطقة أخرى، فهي بعيدة جدا عن بعضها البعض».
وتابع أنه برغم أن السبب الدقيق وراء هذا التراجع الدراماتيكي للحشرات لم يتضح بعد، «فالسبب هو من صنع الإنسان، ليس هناك شك في ذلك. إن خوفنا الأكبر هو الوصول إلى نقطة اللاعودة، وهي خسارة دائمة للتنوع الحشري».
ولعب بحث كريفلد دوراً أساسياً في الدراسة التحليلية التي نشرها فرانسيسكو سانشيز بايو وكريس ويكويز من جامعتي سيدني وكوينزلاند الأستراليتين.
في شباط/فبراير، نشر الباحثان أول نتيجة لـ73 دراسة حول الحشرات في أنحاء مختلفة من العالم من بينها كوستاريكا وجنوب فرنسا على مدى السنوات الأربعين الماضية.
واستنتجا أن أكثر من 40 بالمئة من أنواع الحشرات مهددة بالانقراض، ويضاف كل سنة نحو1% منها إلى هذه القائمة.
ولاحظا أن هذا الرقم يعادل «الانقراض الجماعي الأضخم» منذ اختفاء الديناصورات.
ويبدو أن الدوافع الرئيسة وراء ذلك تتمثل في فقدان الموائل الطبيعية وتحويل الأراضي إلى الزراعات الكثيفة إضافة إلى التحضر والتلوث وتغير المناخ وغيرها.
وكتبا في الدراسة «النتيجة واضحة. إذا لم نغير طرقنا لإنتاج الغذاء، فإن الحشرات ستسير إلى طريق الانقراض في غضون بضعة عقود».