في العام 2011 اجتزت اختبار الكفاءة للقبول في المعهد القضائي تحريريا وشفويا كنت حينها موظفا وحين تناوب الزملاء على تهنئتي انبرى الشيخ علي وهو احد زملائي في الوسط الوظيفي قائلا بصوته الهادئ المتزن: يا اياد…من تولى القضاء ذبح بغير سكين.
صحيح ان ما قاله الشيخ حديث نبوي لطالما سمعته وقرأته لكني حين قاله لي الشيخ علي أحسست وكأنني اسمعه لأول مرة، عبارة وقفت عندها كثيرا وحين تأملتها اصابتني بالذهول والتوجس والرهبة في الوقت ذاته… لم تمر علي كما مرت علي يومها….بعد سنوات اغتالت يد الإرهاب الشيخ علي رحمه الله.. كل يوم عمل قضيته واقضيه في القضاء وكنت أعيش فيه إرهاصات ومتاعب العمل وما يرافقها من متاعب نفسية وجسدية.. ومع كل قرار اتخذه كنت استحضر ما قاله لي ذلك الشيخ الجليل…أدركت ان كل إحساس بالتعب والألم هو شكل من أشكل الذبح المعنوي والنفسي المستمر الذي أعيشه شخصيا كقاض أتذكر معه ما قاله لي الشيخ علي…من تولى القضاء ذبح بغير سكين.
القضاء ليس وظيفة للنزهة او محطة للاستراحة يمكن ان يختارها الفرد في حياته وليس ميدانا للبحث عن مجد شخصي.. القضاء وظيفة مضنية وشاقة قد لا تتيح لك فرصة لالتقاط أنفاسك.
حين تسعى لان تكون قاضيا عليك ان تقبل ابتداءً التنازل عن الكثير من تفاصيل الحياة الجميلة والممتعة….تغادر صداقات جميلة وعزيزة عليك لانك ستضطر للعيش في عزلة…تترك الكثير من اللقاءات الاجتماعية والمناسبات التي لا تليق بهذه المهنة وما يجب ان يتوافر معها من رفعة وكرامة فالقاضي رهين محبسين…محبس البيت ومحبس المحكمة….اقول هذه الكلمات بمناسبة اداء العديد من المتقدمين للقبول في المعهد القضائي لاختبار الكفاءة التحريري كمقدمة لتولي منصة القضاء.
يوم 19/9/2013كان اليوم الأصعب في حياتي على الاطلاق وهو اليوم الذي سبق مباشرتي لوظيفتي في القضاء، في ذلك اليوم رافقتني نظرات ترقب ورهبة وتوجس تجلت في محياي لاحظها كل من كان قريبا مني بعضها لم تغادرني لغاية كتابة هذه السطور…امنياتي بالتوفيق لكل من خاض اختبار الكفاءة ولمن يستحق ان يكون قاضيا يتولى شؤون الناس فلا مسؤولية اثقل واصعب من تولي الفصل في النزاعات الشرعية والمدنية بين الناس او اصدار القرارات المتعلقة بتقييد حرياتهم وفرض العقوبات المالية عليهم وان من يتولى مثل هذه المسؤولية عليه ان يشعر ابتداءً بثقلها وان يكون مهيئا لتقديم ما تتطلبه من تضحيات وعلى جميع الاصعدة الشخصية والحياتية.
القاضي إياد محسن ضمد