إسماعيل زاير
تعيش منطقة الشرق الأوسط حالة من التوتر السياسي والعسكري شبيهة بما كان الأمر عليه أيام دكتاتورية صدام حسين.. ومن ملامح هذا التوتر التهديدات المتلاحقة والمتراكمة بقطع طرق الإمداد النفطي وبالتحديد إغلاق مضيق هرمز الشريان الحيوي لما يقرب من ثلث التوريدات من الطاقة ولا سيما من العراق والكويت وإيران. وتبع تلك التهديدات حصول حوادث غامضة المصدر لعدد من السفن المحملة ومرافئ قرب الفجيرة، ويعتقد ان الحوادث الحقيقية أكثر مما تم الإعلان عنه.
وتماماً كما كان الأمر أيام صدام تتسع دائرة المتورطين يوماً بعد آخر وتتزايد الخطط المرتبطة بالأزمة الأميركيةـ الإيرانية. ومع ان الدوائر الغربية ولا سيما واشنطن، لا تحتاج الى ذرائع جديدة او أسباب تعزز تشددها إلا أن الجو السياسي والإقليمي يضغط على تلك الدوائر لاتخاذ قرار الحرب او حافة الحرب في الأقل. في ملحقنا اليوم يجد القارئ الكريم تفاصيل موسعة عن الخلفيات التاريخية والوقائع بما يسمح له ان يشكل صورة شبه مكتملة لما قد يحصل غداً او بعد غد من تطورات. الوقائع الراهنة تسمح بالحديث عن ما نسميه بـ «حرب» مقبلة، هذا إذا لم نقل قادمة بمعنى القرب الزماني والمنتظر.
ولعل المعطيات غير كافية اليوم للذهاب الى قرار الحرب او ان المخططين يرون في المشهد الحالي ما يخيف المدججين بوسائل الحرب لأن المسافة ما بين الخائف والمخيف قريبة جداً ومتداخلة الى القدر الذي تجعل التردد او لنقل التأجيل أمرا محمودا وعقلانيا في الحسابات الجيوسياسية.
حرب أم لا حرب؟
ثمة مؤشرات متكاثرة ومتراكمة الى ان الحلف الغربي- الإسرائيلي يتسع في المواجهة مع إيران الإسلامية. ومن تلك المؤشرات ما تسرب من دور إقليمي خطير وبالغ الأهمية لتحريض العواصم الغربية على شن الحرب ضد طهران، برغم ان النتائج النهائية لم تتبلور بعد إلا ان مجرد تسريب تلك التقارير يجعل الأطراف السياسية المحلية ترتجف هلعاً من مجرد احتمال ان يكون الوقت يأخذها الى أزمة حربية جديدة بعد وقت ليس بالطويل على انتهاء حروب صدام الكبرى مع ايران ومع الكويت وانتهاءً بالاحتلال الأميركي الذي انتهى عام 2003 بسقوط نظام صدام.
وفي النهاية نجد ان أكثر العناصر مأساوية في المشهد هو أن سيناريو الحرب العاجلة كما تتمناها إسرائيل ربما غير مقنع ولم يتم التحضير له من قبل واشنطن بالطريقة المعتادة التي شهدناها في حروبها الاخرى. وأكثر ما يظن المراقبون حصوله من قبل الولايات المتحدة ضربات جوية وسيبرانية وربما احتلال جزئي هنا او هناك، ولكن من الذي يضمن ان الرد الإيراني سيكون بنفس القدر او الاتساع والعمق؟ او ان رد الفعل الإيراني قد يجد ان من مصلحته تفادي ضربات مماثلة، أي أكثر من ضربة واحدة، ان يتسلم المبادرة ويقوم هو بتوسيع المسرح العسكري وميدان المواجهات من خلال تشديد موجع ضد السعودية وإسرائيل. وهذان البلدان يشكلان الآن أصحاب الحملة الإقليمية التي تساند واشنطن وربما لندن.
توسع حلف الحرب
ومن هنا يأتي العامل الجديد والمعلن وهو توسع القوى المتنادية للحرب وشمولها دولاً خليجية في سيناريو قريب لسيناريو زحلقة صدام في حربه الفاشلة والمأساوية ضد ايران.
وكنا نعتقد ان دول العالم أخذت درساً من تلك الحرب التي ضن صدام انها لن تدوم سوى أسابيع وانتهت الى ان تستغرق ثمان سنوات. ومن اوضح ثمارها ان البلدين المتحاربين خرجا منهكي القوى ودمرت بنيتاهما التحتية وافقرتا بسبب الديون والعقوبات.
ولا ينفع اليوم ان نرى أطرافاً عديدة دولية وإقليمية لا تساند برنامج إدارة ترامب وتغولها وعنادها فالقرار الأميركي يمضي بإيقاع محلي محسوب على قياس إدارة ترامب المتحالفة مع إسرائيل والسعودية ودول خليجية اخرى. وربما يفسر الحماس الخليجي للحرب ضد ايران هو انها لن تتضرر اقتصادياً منها فمن المعلوم مثلاً ان المتضرر الأكبر من إغلاق مضيق هرمز هي الدول الآسيوية المستوردة الأساسية للنفط الخام والغاز المصدر عبر هرمز وتحديداً الصين والهند واليابان وكوريا الشمالية. لذا لا تتردد العواصم العربية الخليجية في استقتالها لإقناع واشنطن بالتصعيد ولا تلتفت الى دروس الماضي القريب وما استنزفته الحرب بين ايران والعراق سنوات الثمانينيات الماضية.
ومن الجلي ان في أميركا الكثير من العقول الكبيرة التي لا ترغب ان تعطي ترامب وإدارته الحجج والموافقات اللازمة لشنه الحرب ضد ايران أكانت ضربات محدودة أم حرباً واسعة، ولكن ترامب قد يجعل تحشيده للحرب عنصراً أساسياً في حملته الانتخابية التي بدأت فعلاً قبل أسابيع او أقل. ولكن المعتقد أيضاً ان من محسنات سيناريو الضربات المحدودة انه لا يسمح بزيادات كبيرة واضطراب أسواق النفط وارتفاع أسعاره بشكل يؤذي المستهلكين ولا يعود بالنفع على الولايات المتحدة لوحدها بالضرورة.
غير ان هذ السيناريو يعود فيصدم بالعقبة الأساسية الاخرى وهي المواقف المنتظرة من ايران. ومن الطبيعي ان تفكر طهران بكل السيناريوهات التي تضر الولايات المتحدة ولا تسهل عليها الخروج بنتائج ترضيها. فالتهديدات التي تطلقها او تلك التي يتبناها حلفاؤها هي ضرب المواقع النفطية والأنابيب الناقلة والسفن وموانئ التحميل المعروفة، لا سيما وانها أمر مرغوب ضمن العقلية الإيرانية الخبيرة بسياسات حافة الكارثة والمناورة الذكية والصبر اللا محدود.
طبعاً سنرى ان تل ابيب ودول الخليج تفضل ان تنغمس واشنطن بحرب كبيرة ضد ايران على ان تواجه سيناريوهات للمناوشات والضربات المحدودة، على عكس بقية الأطراف الأوروبية والآسيوية التي ستضطرب أسواقها وتمويلاتها النفطية. ومن ناحية اخرى او زاوية أميركية يعتقد المراقبون ان ترامب ربما يستغل مناخ الغليان ضد ايران بين حلفائه ليصعد حملته عليها ولكنه ربما لن يذهب بعيدا في سياسته هذه لا سيما لما لها من نتائج على تذبذب أسعار النفط على مستوى العالم الذي قد يخسر فيه حلفاء كثيرون. ويرى مراقبون آخرون ان التصعيد في المجال السياسي العالمي ليس كمثله في الساحة الأميركية الداخلية. لذا فالخيار العسكري ربما يكون أضعف مواهب ترامب الذي أثبت انه قابل للتراجع عن قرارات اتخذها وهي معروفة.