مهند عبد الحميد
طالبت حركة السلام الإسرائيلية من الرئيس ترامب الطلب من ديفيد فريدمان بأن يحزم حقائبه ويرحل، وبإقالته كسفير لأميركا في إسرائيل، متهمة إياه بأنه حصان طروادة نيابة عن اليمين الاستيطاني الإسرائيلي المتطرف. وتشككت رئيسة حركة ميرتس فيما إذا كان فريدمان سفيرا للولايات المتحدة أم سفيراً لدولة المستوطنات يساعد في إقامة مستوطنات متطرفة معادية للسلام «. وعدت صحيفة هآرتس تصريحات فريدمان بمنزلة تمهيد للطريق أمام إسرائيل لضم أحادي الجانب للضفة الغربية. وكان نتنياهو قد نوه الى انه ناقش مع إدارة ترامب خطوات أحادية قد تقوم بها حكومته: هذه الردود وغيرها جاءت ردا على قول فريدمان: «من حق إسرائيل ضم أجزاء من الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية»، ولا حاجة لإقامة دولة فاشلة الى جانب إسرائيل».
رد الفعل الأميركي الرسمي على تفوهات فريدمان كان باهتا، وفُسر على انه اختلاف في التوقيت وليس في المضمون. وكان كوشنير قد لعب على نفس الوتر عندما قال ان تخلص الفلسطينيين من الاحتلال طموح عال، وانه غير متأكد من قدرتهم على حكم انفسهم». أقوال فريدمان ومن قبله كوشنير ورد إدارة ترامب ومواقفها وإجراءاتها السابقة في كل ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي تؤكد ان المشروع السياسي الأميركي هو مشروع المستوطنين العنصريين المتطرفين ذاته، والذي يتضمن مصادرة الحقوق وتصفية القضية الفلسطينية بالاستناد الى غطرسة القوة وأيديولوجيا التعصب الديني القومي.
وضوح ما بعده وضوح، هو ما يميز المشروع الأميركي المسمى صفقة القرن، وضوح لا تعوزه مساحيق تجميلية ولا أشكال من التمويه. ولما كان من الصعب تسويق هذا المشروع السياسي الواضح في ظل الرفض والتشدد الفلسطيني. ارتأى مهندسو الصفقة تقديم العامل الاقتصادي على العامل السياسي، فجرى الحديث عن إغراق المنطقة بعشرات المليارات وبتقديم حلول اقتصادية ووضع حد للازمة الاقتصادية الخانقة التي يعيشها الشعب الفلسطيني من خلال مؤتمر أو ورشة المنامة الاقتصادية، مقابل التنازل عن الحقوق السياسية لاحقاً. ثمة محاولة لفصل الاقتصادي عن السياسي راهنا. مع ان الفصل بينهما غير ممكن ومستحيل. فالسياسة هي تكثيف للاقتصاد والحرب هي امتداد للسياسة بأشكال عنيفة. ترامب كان واضحاً في ربط السياسة بالاقتصاد، وكان لسان حاله يقول للعرب ادفعوا المليارات، في الوقت الذي اتخذ فيه مجموعة من القرارات السياسية الأكثر خطورة في تاريخ الصراع كضم القدس والجولان ونقل السفارة وشطب اللاجئين والأونروا وأشاع الاستيطان. وفريقه الذي هندس الصفقة الحل ربط السياسة بالاقتصاد، فكوشنير لا يريد للاحتلال ان ينتهي، وأخيراً فريدمان يمهد الطريق لضم الأجزاء الحيوية من الضفة عشية مؤتمر المنامة الاقتصادي. إنهم يربطون السياسة بالاقتصاد ويقولون للعرب المشاركين في المنامة أنهم يفصلون الاقتصاد عن السياسة، وهذا محض تضليل وتزوير لا ينطلي على أي عاقل. وبهذا المعنى هم يستخدمون مؤتمر المنامة للتغطية على السياسة التي عبر عنها فريدمان وأضرابه من مهندسي الصفقة.
هل جاء تصريح فريدمان كبالون اختبار لقياس ردود الفعل على ضم الضفة؟ نعم، أغلب الاعتقاد ان إدارة ترامب تريد قياس ردود الفعل العربية تحديدا. ولسوء حظ الشعب الفلسطيني، ان الردود حتى الآن كانت ضعيفة بسقف توضيح الخارجية الأميركية الذي لم يمس مضمون ما قاله فريدمان وكوشنير. ولما اختار فريدمان الحديث عن أحقية إسرائيل بضم الضفة عشية مؤتمر المنامة، فإن هدفه من ذلك ربط السياسي بالاقتصادي وتحويل مؤتمر المنامة إلى غطاء لضم الضفة. هذا الموقف يضع المشاركين أمام خيارين لا ثالث لهما، الأول قبول المشاركة في مؤتمر يوفر الغطاء لضم الضفة، وهذا يتناقض مع المواقف العربية الرسمية المعلنة حول دعم الشعب الفلسطيني واحترام خياراته وحقوقه السياسية. الخيار الثاني: رفض المشاركة في المؤتمر بسبب السياسات الاميركية المتناقضة بالكامل مع الحقوق الوطنية الفلسطينية والتي كان آخرها موقف فريدمان السافر الذي لا يقبل اللبس ولا التأويل.
السؤال الأهم، ما قيمة تحسين معيشة الشعب الفلسطيني في الوقت الذي تصادر فيه حقوقه الطبيعية والوطنية والإنسانية؟ ويُقرر مصيره فريق من رجال أعمال ومستوطنين عنصريين. ثم ماذا يعني عقد مؤتمر اقتصادي لحل الأزمة الاقتصادية الفلسطينية في الوقت الذي يمارس الحصار المالي وتمارس قرصنة إسرائيلية على أموال المقاصة الفلسطينية؟ ماذا يعني تجويع وإفقار شعب وفي الوقت نفسه مقايضة جوعه بثمن سياسي يعادل الاستسلام والخنوع لمشيئة المستعمرين؟ إن ما يحدث اليوم يذكر بمراحل الاستعمار الأولى التي كان فيها المستعمِر يقرر الوصاية ويقرر صلاحية وقدرات الشعوب المستعمَرة ويقرر وجود شركاء او عدم وجودهم ويقرر الحلول التي تناسبه والتي لا تناسبه. الاستعمار الإسرائيلي بقيادة عتاة القوميين والدينيين العنصريين يتبنى سياسة تقرير مصير الشعب الفلسطيني من طرف واحد، وهو الذي يتعامل مع وجود شريك او عدم وجوده، وهو الذي يحدد الحل ويطلب من قيادة الشعب تحت الاحتلال قبوله في زمن معين وفي جولة مفاوضات محددة وبتاريخ محدد، وفي حالة عدم القبول تصبح القيادة غير ذي صلة. لقد تبنت إدارة ترامب هذه الصيغة الاستعمارية الغابرة المستندة الى غطرسة القوة وشريعة الغاب بالتمام والكمال.
إزاء حالة الاستفراد والنكوص الى الطور الاستعماري الأكثر توحشاً، من الطبيعي ان يرفض الشعب الفلسطيني ومؤسساته هذا الاعتداء السافر على حقوقه ممثلاً بصفقة ترامب وحلقاتها المختلفة بما في ذلك مؤتمر المنامة الاقتصادي. ومن واجبه دعوة الدول العربية للرد على مواقف فريدمان وكوشنير، بالتراجع عن المشاركة في مؤتمر المنامة، بعد مقاطعة الامم المتحدة والصين وروسيا لهذه المسرحية وبعد تردد الاتحاد الأوروبي الذي من المحتمل ان لا يشارك الا بمستوى ثانوي. الدعوة الفلسطينية للمقاطعة من المفترض ان تقترن باحتجاجات فلسطينية منظمة على مختلف المستويات، وبخاصة المستوى الثقافي والفني والأكاديمي والإعلامي الى جانب المستوى السياسي تحت شعار إفشال مؤتمر المنامة الاقتصادي. ولا شك في ان الموقف الفلسطيني الشعبي والرسمي الفاعل سيترتب عليه مواقف شعبية عربية وعالمية داعمة للشعب الفلسطيني. فهذا المؤتمر لا يملك اي مقومات وفاقد للشرعية، وفريدمان نمر من ورق لا يقرر مصير شعب يناضل من اجل حريته وتقرير مصيره منذ أكثر من قرن. ان ذلك يتطلب الانتقال من سياسة رد الفعل الى تبني سياسات وخطط والى إعلان حالة طوارئ.
جريدة الايام