هيثم حسنين
في الأعوام الخمسة الماضية، شهدت العلاقات المصرية-الإسرائيلية تحسناً مطرداً. ونظراً لأن البلدين يواجهان التهديد نفسه الذي يشكّله تنظيم «الدولة الإسلامية» على حدود سيناء، فقد حرص الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي وكبار مسؤوليه على الاجتماع مع المنظّمات اليهودية الأميركية للتشديد على أهمية علاقة القاهرة مع إسرائيل. ومع ذلك، فوفقاً لبعض التقارير، لم يشارك السوق الإعلامي المصري في هذا الدفء، الذي تسيطر الأجهزة الاستخباراتية الحكومية على جزءٍ كبيرٍ منه.
الإعلام المناهض لإسرائيل خلال شهر رمضان
خلال الشهر المبارك، تتنافس المسلسلات التلفزيونية المصرية لنيْل انتباه جمهور المشاهدين المحلّيّين والعالَم العربي الأوسع نطاقاً. وهذا العام، احتكرت شركة الإنتاج الإعلامي «سينرجي» احتكاراً طفيفاً الفيض التقليدي لمسلسلات الموسم، حيث أنتجت حوالى خمسة عشر من أصل خمسةٍ وعشرين مسلسلاً معروضاً.
ومنذ تسلّم حكومة السيسي الحُكم في عام 2014، كانت تزيد من سيطرتها بنحو منتظم على وسائل الإعلام، ولم تشكّل شركة «سينرجي» استثناءً. وعندما أتاحت الشركة عروضها حصريّاً عبر قنواتها الخاصة وعبر تطبيق جديد للبث يُدعى «ووتش إيت»، فرضت الحكومة حظراً على بعض المواقع الإلكترونية الأكثر شعبية لضمان عدم قرصنة المسلسلات. علاوة على ذلك، تلقّى الكثيرون من مقدّمي البرامج التلفزيونية أمراً بتعديل خطابهم، وواجه أولئك الذين رفضوا اتّباع القواعد الجديدة خطر إبعادهم عن الشاشة أو إرغامهم على الفرار من البلاد. ويبدو أن مسؤولي الأمن المصريين يعتقدون أن وسائل الإعلام قد بالغت بنحو غير مسؤول في مشكلات البلاد الداخلية، وطالما حذّر السيسي بنفسه من تضييق الخناق. ففي خطابٍ ألقاه في حزيران/يونيو 2017، على سبيل المثال، شدّد على الحاجة إلى استعادة الانموذج السابق للدولة المتمثّل في التأثير الكامل على السوق.
ونظراً إلى هذا المستوى من السيطرة، فمن المحبط بنحو خاص رؤية التلفزيون المصري، بما فيه برامج رمضان، يعكس باستمرار وبنحو متكرر صوراً سلبيةً عن إسرائيل واليهود. على سبيل المثال، اعتمد مسلسل «كلبش» على مثل هذه الصور منذ أن بدأ عرضه لأول مرة في عام 2017، وقد تقبّله المشاهدون المصريون بسرور. ومن أسوأ الشخصيات الشريرة في العرض هذا الموسم هو رجل أعمال محلّي تم فصله من عمله كدبلوماسي في وزارة الخارجية بسبب تورطه في علاقة مشبوهة مع إمرأةٍ يهودية مزراحية أميركية. وتقوم هذه المرأة بتوظيفه لمساعدة المنظمات غير الحكومية الدولية التي تهدف إلى الإضرار بالأمن القومي المصري. ويتوصّل أخيراً بطل المسلسل، وهو شرطي مصري يحارب الإرهاب، إلى توقيفهما معاً. وأشاد منتجو «كلبش» بوزارة الشرطة لمساعدتهم على إيصال «صورة صادقة» عن تطبيق القانون المصري.
ويشكّل مسلسل «الضاهر» القضيةً الأكثر تعقيداً، التي تُخبر قصة ضابط عسكري مصري تجعله علاقة حب مع فتاة يهودية يغدر ببلده. وكان من المفترض أن يتم بث العرض خلال شهر رمضان 2017، لكنّ المخابرات المصرية تدخّلت وأوقفت الإنتاج. ولا يُعرَف سبب التعليق، ثم تم بيع هذا المسلسل لاحقاً إلى قناة «حواس» التلفزيونية الإماراتية، التي لم تبثّه أيضاً. ومنذ ذلك الحين، أشار أحد الممثّلين إلى أنه سيتم عرضه في شهر آب/أغسطس، من دون تقديم المزيد من التفاصيل. وإذا سمحت حكومة السيسي ببثّه محلّيّاً، فسيتماشى البرنامج مع بعض أكبر المحاور السلبية التي تم نشرها للجمهور المصري في شهر رمضان الماضي وهي:
تتآمر مؤسسات الفكر الأميركية، التي يموّلها رجال الأعمال الصهاينة، ضد مصر وهي تتمتع بعلاقات وثيقة مع إسرائيل.
تعمل إسرائيل لصالح الولايات المتحدة، التي تهدف إلى جعل الدولة اليهودية تبدو قوية من أجل مداهنة الزعماء الإقليميين لشراء الأسلحة الأميركية وقبول الوجود العسكري الأميركي.
المنظمات غير الحكومية كيانات مشبوهة توظّف أشخاصاً من جميع أنحاء العالَم، مما يعني أنه لا بد من تواجد وكلاء وعملاء أمن إسرائيليين بين صفوفها.
الإرهاب في سيناء مخطط صهيوني لتشويه صورة الإسلام.
إسرائيل هي التي ابتكرت تنظيم «الدولة الإسلامية».
الاكتشافات الأخيرة للغاز الطبيعي في القاهرة جعلت إسرائيل وبعض الدول العربية غير راضية لأن الرخاء الاقتصادي في مصر يعني التمكين.
تتوق إسرائيل إلى استعادة سيناء. وهي تدرك أنها لا تستطيع القيام بذلك عبر استعمال القوة المباشرة، لذا فالخيار الأفضل يتمثل بزعزعة الاستقرار في شبه الجزيرة عن بُعد.
إلا أن هذه المحاور تتناقض مع بعض الملاحظات العلنية الخاصة بالسيسي، وربما تعكس تعدد الأوضاع المتضاربة التي يشعر الرئيس المصري بأنه ملزَمٌ بالتعامل معها من أجل الحفاظ على الشرعية في الداخل، واسترضاء المؤسسات الدينية المحلّيّة، وفي الوقت نفسه تعزيز العلاقات الخارجية للقاهرة. فخلال خطابٍ ألقاه في 2 حزيران/يونيو، على سبيل المثال، ردّ على الادّعاء الأخير الذي قدّمه الإمام الأكبر في الأزهر بأن وسائل الإعلام الغربيّة «تُهين» الإسلام. فرد السيسي معارضاَ بأن المسلمين مسؤولين عن تحسين صورة الإسلام، وعن إعادة تأهيل البيئة غير الآمنة بالنسبة لليهود والآخرين من غير المسلمين عند منحهم تأشيرات دخول إلى الأراضي الإسلامية. فقال: «مَن لديه غضاضة في رؤية كنيسة يجب أن يفتّش في كمال إيمانه» – وهو أمرٌ بعيدٌ كل البُعد عن الرسائل غير المتسامحة التي يتم إيصالها عبر موجات الأثير التي تسيطر عليها الدولة.
استعادة عصر
أفلام الحرب
في اليوم الأول من عطلة عيد الفطر هذا العام، تم إطلاق فيلم «الممر» في المسارح المصرية. ويبجّل هذا الفيلم الإجراءات التي اتخذتها «قوات الصاعقة» المصرية ضد إسرائيل في «حرب الاستنزاف» التي تطورت أحداثها بعد عام 1967. ولم يتم عرض سوى خمسة أفلام من الإنتاج المحلّي في المسارح المحلّيّة في هذا العيد، وبلغت الميزانية المكرَّسة لفيلم «الممر» 100 مليون جنيه مصري – وهو رقمٌ مذهل مقارنةً بـ 20-30 مليون جنيه تم إنفاقها على كلٍ من الأفلام الأربعة الأخرى. وساعدت على الإنتاج «إدارة الشؤون المعنوية» المسؤولة عن القسمين الإعلامي والنفسي للقوات المسلَّحة.
ومن المحتمل أن ينبع هذا المستوى من الاستثمار والانخراط من هواجس بعض معدّي الأفلام المصريين ذوي التوجهات الأمنية -أي شخصيات الصناعة التي تعتنق معتقداتٍ قومية شديدة الحماسة، و/أو تتعاطف مع قوات الأمن، و/أو تحثّها الحكومة/القوات العسكرية على وجه التحديد على إعداد مضمونٍ مشابه (أو يتم تشجيعها بنحو غير مباشر على فعل ذلك من خلال واقع تدفق المزيد من الأموال الحكومية في ذلك الاتجاه). ويعتقد العديد من هذه الشخصيات أن هناك نقصاً في الأفلام التي تدور بشأن الانتصارات التاريخية لبلادهم التي سبقت نزاع عام 1973 مع إسرائيل وخلاله. فلم يتم إنتاج أفلام حرب رئيسة منذ عام 1999، مما جعل هذه الشخصيات تشعر بالقلق من أنه لن يكون للمصريين الأصغر سنّاً أي صلة بهذا الجزء من تاريخهم.
التداعيات على
السياسة الأميركية
وفقاً للملحق 3 من المادة 5 من معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل لعام 1979، «على الطرفيْن أن يسعيا إلى تعزيز التفاهم والتسامح المتبادلين، وبالتالي، سوف يمتنعان عن الدعاية العدائية ضد بعضهما البعض». وبناءً على هذه المادة، يتعيّن على الكونغرس الأميركي تفويض وزارة الخارجية الأميركية بتقديم تقريرٍ سنوي عن الصور المعادية للساميّة في وسائل الإعلام المصرية والجهود التي تبذلها واشنطن لمكافحتها.
علاوةً على ذلك، ستؤدّي أي تغريدة رئاسية أو صادرة عن البيت الأبيض والتي تشجع الرئيس السيسي على تخفيف حدّة الدعاية المعادية للساميّة ولإسرائيل إلى وضع الحكومة المصرية في موقفٍ صعب وستُظهر أن الحكومة الأميركية لا تزال تهتم بهذه المسألة. كما يجب أن ينظر البيت الأبيض في استضافة اجتماعٍ مع السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عند وصولهما إلى اجتماعات «الجمعية العامة للأمم المتحدة» في شهر أيلول/سبتمبر هذا العام.
إضافة إلى ذلك، على الحكومة الأميركية أن تشجّع السلطات الدينية اليهودية في إسرائيل والولايات المتحدة على الانخراط مع «الأزهر» في افتتاح حوارٍ بين الديانتين اليهودية والمسلمة، على غرار الحوار الذي أنشأته المؤسسة المصرية مع الفاتيكان. يجب أن يتناول هذا الحوار الأفكار النمطية وخطاب الكراهية الذي يُنشر ضد اليهود في الخطب والصور الإعلامية المصرية.
أخيراً، تحتاج القاهرة إلى إصدار المزيد من الرسائل بشأن التسامح على غرار خطاب السيسي في الثاني من حزيران/يونيو. يجب على الرئيس المصري أن يفكّر أيضاً بإمعان في التبعات التي تحملها رسائله لوسائل الإعلام التي تديرها الدولة -ما يعني تحمله المسؤولية الكاملة عن الرسائل الضارة التي ما زالت الحكومة المصرية تبثّها حتى اليوم.
هيثم حسنين كان زميل «غليزر» في معهد واشنطن
معهد واشنطن