علي لفته سعيد
وضعت القاصة المصرية أمل رفعت تحت عنوان مجموعتها القصصية التي تحمل عنوان ( أريج الرماد ) جملة متوالية قصصية لتشكّل مع ما يحمله العنوان من دلالات تعارضية وإيحاءات تأويلية وبالتالي عملية البحث عن الدلالة فيما يمكن أن يمنحه العنوان والجملة المتبوعة بالعنوان.. فلو أخذنا العنوان فانه سيكون على المتلقي فكّ معضلة التشابك المضاد ما بين مفردة أريج وما تعطي معناها الاقرب الى العطر والورد والجمال والحياة وبين مفردة الرماد وما يفضي معناها الى الموت والانفلات والتطاير والحريق والاشتعال خاصة وان العنوان ليس عنوان قصة من قصص المجموعة البالغ عددها 24 نصا قصصيا يحملن هذه النصوص عوالم مختلفة ومتشعبة ومتداخلة ومتصارعة لتكوين هذه المتوالية التي نوّهت عنها ما بعد العنوان، وحسنا فعلت حين وضعت عنوانا أكبر للمجموعة ولم تختر عنوانا فرعيا، وإلا فان هذا سيفقد مركزية العنونة الجامعة من جهة ومركزية المتوالية وقصديتها. لكن ما يشبه الدليل أو المقدمة التي وضعتها القاصة رفعت تزيل بعض الشكوك ايضا لماهية جمع الأريج والرماد معا، وكأنها تريد للمتلقّي أن يقشّر الدلالة للوصول الى الدليل المعني والمقصود ( هالة القمر خارج دائرة الضوء تبعثر مشاعري بين صفحات ذكرى، عتقت رمادها في قارورة، حينما اكتمل القمر، وافح اريجها، سطرت الكواكب قصتي على تعاريج الظلام بحروف من نور………) ولتكون هذه المقدمة او الخطوة التوضيحية التي تشرحها فيما تبقى من هذه المقدمة الاولى هي المهاد الذي سيتّكئ عليه المتلقّي في معرفة ماهية العنوان ودلالة المتوالية وبالتالي الى دخول عوالم النصوص القصصية بحالة من الاريحية التي تعطيها لحظة اختيار العنوان الذي يعد بوابة الدخول الى مدينة الكتاب.
تعتمد النصوص القصصية لرفعت على ما تعطيه المفردة من عملية شدّ الفكرة على وجه الطريقة السردية التي تتبعها في هذه المجموعة.. كونها طريقة بناء تدويني تعطي دلالة العنوان لكلّ قصة، من خلال ما يمكن استخلاصه من تأويل للقصة ذاتها، ومن ثم ربطها بالعنوان.. وهو أمر ليس باليسير أو الهيّن أن يعطي القاص دلالة العنوان من خلال جمع اتصال الفكرة وطريقة التدوين وهو الأمر الذي نراه في قصة ( ايلات ) على سبيل المثال وما يمكن أن يعرفه المتلقّي العربي عن هذه اللفظة أو العملية الحربية أو أية تسمية يمكن ان يكون قد تلقّفها في الخارطة العربية وما تمثّله الطفلة في وعي استدراكي لأهمية أن يكون الغياب الذي جرّته الحرب في ( ايلات ) على استشهاد الأب وكلام الناس.. وهو ما يعني لا يمكن ربط العنوان كمدلول ليكون دليل النصّ القصصي إلّا بعد الانتهاء من التلقّي وبالتالي يكون المتلقّي أمام محاولة ربط بين ثلاثة علامات، الأولى هي اللغة الجميلة البسيطة الموحية الدالة.. والثانية طريقة التدوين التي تبدأ بمتوالية تصاعدية مراوغة بفنية البناء القصصي الذي لا يعتمد على الفذلكة التي تمنحها المفردة في تغليبها على القصدية.. والثالثة هي العنوان الذي سيكون هو الخطوة الثالثة بعد الانتهاء من التلقّي، لأنه سيكون المحمول التأويلي الجامع لكلّ عناصر النصّ القصصي ليكون الجسد كاملا معطيا دفعاته التشويقية، فضلا عن المعاني الدالة على رسالة النصّ ذاته الذي تريد القاصة رفعت بثّه.
ان ما يميز المجموعة كونها متوالية قصصية ليس على أساس التطوير العام لشخصيات النصوص وانها محاولة لجمع أكبر قدر ممكن من العلامات الزمانية والمكانية في مكانٍ واحد وجعلها طريقةً سردية للنصوص القصصية، بل هي متوالية لإعطاء معنى العنوان العام المحصور ما بين المقدمة التي ذكرناها والمؤخرة التي وضعتها القاصة كختامٍ دلالي مرتبطٍ بين الحالتين المرتبطتين سيكولوجيا بما يمكن أن يشكّل علامةً إشارية للقاصة نفسها، خاصة وإن الأسلوب الذي دوّنت فيه نصوصها القصصية بطريقة المتكلم ( أنا ) لغرض الإيحاء من أن المتوالية هي مجموعة نصوص يجمعها رابط ( الأنا ) في ما يمكن ان يوزّع الأفكار بطريقة التدوين القصصي ..بمعنى إن النصوص لا يربطها رابط التوالي لتصاعد الفكرة أو الشخصية، بل لارتباطها بطريقة التدوين وما يمكن أن يشكّله المعنى الموحي المرتبط بالذاكرة على إنها خارجة من قارورة الذكرى كما قالت في المؤخّرة ( تتناثر أريج الارواح الطيبة حولنا عندما تفتح قارورة الذكرى)
إن المجموعة برمّتها تستخدم طريقة التدوين المتصاعد للحدث الذي تحوّله من كونه حكاية خاصة الى سردٍ قصصي يراد له أن يكون بمحمولٍ يحمل فلسفته كمستوى عال، ولهذا فان اللجوء الى الاعتماد على المستوى الإخباري في النصوص هم الأهم، يزاحمه المستوى التصوري الذي يعطي علامات الوصف دلالته، وبالتالي فان حاصل الجمع سيكون المستويين المهمين في كلّ نصّ إبداعي، هما القصدي والتأويلي.. وقد نجحت أمل رفعت في إعطائنا نصوصا تحمل غائيتها الجميلة كفكرةٍ رمزيةٍ وكنصٍّ قصصي ماهر عبر الاعتماد على الثلاثية الموزعة في كلّ النصوص القصصية.