طلال عوكل
بتسارع شديد، تتدافع التطورات، بشأن ملف الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي. الولايات المتحدة وإسرائيل تستعجلان استكمال ما يسمى «صفقة القرن». التاريخ يعيد نفسه بأسماء مختلفة، وقوى وآليات مختلفة.
العام 1917، يصدر بلفور وعده المشؤوم، وتتقدم بريطانيا ومن خلفها قوى الاستعمار القديم، نحو تنفيذ ذلك الوعد. ثلاثون عاماً فقط كانت كافية لتحقيق وعد بلفور، والجزء الأول من المخطط الصهيوني الذي لا يكتفي بإقامة دولة إسرائيل على 78% من الأرض الفلسطينية، مع ما استتبعه ذلك، من تدمير القرى وتشريد الفلسطينيين. ما زال العالم يئن تحت وطأة الاستعمار بأشكاله ومسمّياته الجديدة، وبعد سبعين عاماً، يطلق ترامب وعده الثاني للحركة الصهيونية، لكي تكمل الفصل الثاني من مخططاتها التوسعية. في الحالتين، لم يتم انتظار موافقة فلسطينية أو عربية، وفي الحالتين لم تجر مفاوضات، فثمة قوى قادرة على تنفيذ ما تقدمه من وعود للحركة الصهيونية. يخطئ من يعتقد أن المسألة تتعلق بإقفال، أو محاولة إقفال ملف الصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي لمصلحة الحركة الصهيونية ذلك أن المخطط يذهب إلى ما هو أبعد. الأحلام الاستعمارية الأميركية والصهيونية تذهب إلى تفكيك الوطنية العربية، كواحدة من آليات السيطرة على الثروات العربية، وتجفيف ما يملكه العرب من أموال، ومن كرامة وطنية.
ندوة البحرين تفتتح الفصل الثالث من «صفقة القرن» الأميركية، وتدخل في عمق تلك «الصفقة»، التي تقتضي أن يكتفي الفلسطينيون بمستوى معيشي أفضل، واستيعاب اللاجئين في أماكن إقامتهم العربية، تحت ضغط الحاجة، من قبل بعض الدول للأموال، وتحت ضغط التهديد بالوجود في حال الرفض.
حتى لو لم يعثر الأميركيون على بعض الشخصيات الفلسطينية الوازنة فإن ثمة غطاء عربيا يؤمنه حضور دول عربية ظهر منها حتى الآن البحرين والإمارات العربية وقطر، والحبل على الجرّار.
الحاضنة العربية لـ»صفقة القرن»، متوفرة، ولو بحدها الأدنى ولكن النشط، والأموال يمكن توفيرها، على حساب الأمة العربية أساساً. والغطاء العسكري والأمن يوفره التحالف الأميركي الإسرائيلي.
ماذا يستطيع المجتمع الدولي أن يفعل لتغيير الوجهة، وهو غارق في تحولات النظام العالمي الذي يتشكل، ولكن الذي لا يزال محكوماً للقوة الأميركية الطاغية في هذه الفترة، من الزمن؟
المواقف المعارضة والرافضة، والمحذرة من قبل عديد الدول الفاعلة في المجتمع الدولي، تنقصها الإرادة الجمعية، وتنقصها القناعة بتبني سياسة مضادة للسياسة الأميركية الإسرائيلية. الأمم المتحدة في سبات عميق، وهي ذاتها تتعرض لهجمة أميركية، تستهدف النظام الذي أقيمت عليه، والتوازنات التي حكمتها منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية.
قد لا يحتاج الأمر إلى حرب عالمية ثالثة، حتى تتغير القواعد التي نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وتشكلت على أساسها الأمم المتحدة، فالولايات المتحدة توظف كل إمكانياتها في هذه الفترة، لتحقيق أو فرض عملية التغيير.
مئات القرارات التي اتخذتها الأمم المتحدة، ويمكن أن تتخذها لصالح الحقوق الفلسطينية والعربية، لكن كل ذلك على أهميته التاريخية، لا يكفي لإنقاذ حق واحد من حقوق الفلسطينيين التي تتعرض للقرصنة والسلب. العرب يمرون في مرحلة هوان ما بعده هوان، لا كرامة من أي نوع للعرب، الذين تخدعهم الولايات المتحدة وتتلاعب بهم.
يدّعي جيسون غرينبلات، أن الفلسطينيين بارعون في تبديد الفرص، وأنهم يرفضون كل ما يقدم لهم، فيرد عليه عن حق، الدكتور صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية للمنظمة بأن شيئاً لم يقدم للفلسطينيين يستحق التفكير.
كل الخيارات والفرص التي يتحدث عنها غرينبلات، لا تنطوي على الحد الأدنى من الحقوق التي يسعى وراءها الفلسطينيون إذ إن كل ما تقدم حتى الآن لا يتجاوز الحكم الذاتي المحدود، أو السلطة بلا سلطة وتحت السيطرة الأمنية الإسرائيلية، وأخيراً السلام الاقتصادي.
لا مجال إذاً أمام الفلسطينيين للتفكير في مزايا لهذا السلام الاقتصادي فالأوطان والحقوق لا تباع ولا تشترى. مع كل هذه الحقائق الحاضرة، ثمة حقيقة أخرى حاضرة ولكنها مؤلمة إلى حد كبير: الفلسطينيون كل الفلسطينيين يدركون طبيعة الخطر الذي تتعرض له حقوقهم وشعبهم وقضيتهم لكنهم حتى الآن، لا ينجحون في امتلاك الحدّ الأدنى من القوة، التي تتمثل بإعادة توحيد صفوفهم، بينما الوقت ينفد من بين حساباتهم الفصائلية.
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية