جاي سولومون
في الوقت الذي يتحدى فيه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو الضغوط الدولية للاستقالة، يضاعف حلفاؤه في الشرق الأوسط وروسيا ودول أخرى جهودهم الرامية إلى تحقيق نصر جيوسياسي آخر ضد الولايات المتحدة. وتوشك هذه الأزمة على أن تتحول إلى إعادة إحياء الوضع في سوريا، حيث تعاون الرئيس بشار الأسد مع تحالف مماثل من الدول والميليشيات لمواجهة مجموعة من العقوبات الاقتصادية والعمليات العسكرية التي قادتها الولايات المتحدة.
ووفقاً لمسؤولين أميركيين، ربما يعمل حلفاء مادورو على إيجاد سبل جديدة لدعم الرجل القوي. فإضافة إلى شراء النفط الفنزويلي الخاضع للعقوبات لدعم الموارد المالية لحكومته، يُعتقد أن روسيا نشرت حوالي 150 من أفرادها العسكريين والأمنيين في كاراكاس خلال الأشهر الأخيرة. كما بدأت إيران بتيسير رحلات أسبوعية إلى كاراكاس، ربما لنقل الإمدادات العسكرية إلى مادورو. ومن ناحية أخرى، نشر «حزب الله» اللبناني وكوبا شبكةً من مسؤولي الاستخبارات في فنزويلا لمساعدة مادورو على الحفاظ على سيطرته على الجيش والشوارع، وفقاً لمسؤولين فنزويليين وأمريكيين تمّ إطلاعهم على المعلومات الاستخبارية ذات الصلة.
وإذا صمد مادورو، ستحقق روسيا وإيران و«حزب الله» انتصاراً كبيراً آخر ضد الغرب، مما يكرر بنحو أساس دفاعهم عن الأسد في النصف الغربي من الكرة الأرضية بتكلفة أقل بكثير في الأرواح والأموال. وسيرسّخون لهم موطئ قدم في أميركا اللاتينية يتحدون من خلاله حلفاء الولايات المتحدة وسط استفادتهم في الوقت نفسه من الطاقة والثروة المعدنية الهائلة لفنزويلا. ويساور المسؤولون الأمريكيون القلق بشكل خاص من قدرة «حزب الله» على استغلال الدولة الضعيفة لتحقيق المزيد من العائدات من تهريب المخدرات.
الضغط على واشنطن لكي تفعل المزيد
من أجل منع مادورو من تحقيق هذا الانتصار، فرضت إدارة ترامب عقوبات إضافية على فنزويلا وحلفائها، وتعاونت في الوقت نفسه مع رئيس «الجمعية الوطنية» لفنزويلا خوان غوايدو من أجل فصل القيادة العسكرية والسياسية عن مادورو. واعترفت واشنطن بغوايدو كزعيم فنزويلا في كانون الثاني/يناير بعد اتهامها مادورو بتمديد فترة رئاسته عن طريق الاحتيال. وحذت 53 دولة أخرى حذو الولايات المتحدة على هذا الصعيد.
لكن المعارضة الفنزويلية تضغط على المسؤولين الأميركيين ليكونوا أكثر صرامةً. وتشمل الخطوات التي تدرسها الإدارة الأميركية حالياً فرض عقوبات ثانوية تستهدف أي شركة أجنبية أو شخص أجنبي يزاول الأعمال مع أي من الكيانات الفنزويلية الخاضعة للعقوبات. وتدرس وزارة الخزانة الأمريكية أيضاً ما إذا كانت ستستحوذ على الأصول الفنزويلية في الخارج، بحجة أنها تدعم الأنشطة الإجرامية لحكومة مادورو. إضافة إلى ذلك، تسعى واشنطن لتقديم حوافز مالية ودبلوماسية أكبر للزعماء السياسيين والعسكريين الفنزويليين الذين ينشقّون عن مادورو ويدعمون غوايدو، الذي فشلت محاولته للتحريض على الانشقاقات في صفوف الجيش في وقت سابق من هذا الشهر.
روابط مادورو بالمحور الإيراني – الروسي
إن مادورو، ومعلّمه الدكتاتور الراحل هوغو تشافيز، يتشاركان تاريخاً طويلاً من التحالف مع «محور المقاومة» الذي تشكّله كل من روسيا وكوبا وإيران ضد الولايات المتحدة وإسرائيل. وكان تشافيز يلتقي بانتظام بالرئيس الإيراني السابق محمود أحمدي نجاد المعروف بتطرفه الذي هدد بمحو إسرائيل عن الخارطة. كذلك، صنّفت الولايات المتحدة مسؤولاً رفيعاً متمرساً آخر هو وزير الصناعة والإنتاج الوطني الفنزويلي طارق العيسمي على أنه «ملك المخدرات» واتهمته باستقدام عملاء لـ «حزب الله» إلى فنزويلا. وفي وقت سابق من هذا الشهر، نشرت صحيفة «نيويورك تايمز» محتويات تقييم داخلي أجرته أجهزة المخابرات الفنزويلية خلُص إلى أن العيسمي ووالده السوري المولد قاما بتجنيد هؤلاء العملاء وتدريبهم «بهدف توسيع شبكات الاستخبارات في جميع أنحاء أمريكا اللاتينية و…العمل في الاتجار بالمخدرات».
وبسبب هذه الروابط، تمكّن حلفاء مادورو الأجانب من إسناده بسرعة بعد أن أطلق غوايدو ثورته بدعم من الولايات المتحدة في كانون الثاني/يناير. وبدأت موسكو بإرسال الإمدادات إلى كاراكاس، كما زادت شركة الطاقة الروسية «روزنفت» التابعة للحكومة من مشتريات النفط من شركة الطاقة العملاقة الفنزويلية «بتروليوس دي فنزويلا» الخاضعة للعقوبات. وتسيطر «روزنفت» عملياً على الشق المالي لـ»بتروليوس دي فنزويلا» منذ أن بدأت الشركة في التخلف عن الاستثمار في السندات الروسية. وتتماشى هذه الخطوات مع استنتاجات تقرير غير سري صدر عن «وكالة المخابرات الدفاعية» الأميركية في شباط/فبراير، والذي وصف كيف سعت روسيا إلى توسيع قدراتها العسكرية والاستخبارية في أميركا اللاتينية من خلال علاقتها بفنزويلا وكوبا ونيكاراغوا. واستشهد التقرير ببيانات مفتوحة المصدر تُظهر أن روسيا شحنت أسلحةً بقيمة 11 مليار دولار إلى فنزويلا بين عامَي 2001 و 2013، مما يجعل الكرملين أكبر مزوّد للأسلحة إلى كاراكاس بهامش كبير. كما وثّق التقرير أن جنوداً فنزويليين يحضرون بانتظام المناورات الحربية الروسية، وأن موسكو نشرت قاذفات بعيدة المدى في فنزويلا «لإظهار القدرات الروسية في منطقة خضعت تاريخياً لنفوذ الولايات المتحدة». ووفقاً لوزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، تتمتع موسكو بنفوذ كبير في البلاد لدرجة أنها تمكنت على ما يبدو من منع مادورو من الفرار من كاراكاس في وقت سابق من هذا الشهر بعد أن سعى غوايدو إلى التحريض على الانشقاقات في صفوف الجيش. وفي هذا السياق، قال بومبيو لقناة «سي أن أن»: «كان لديه طائرة على مدرج المطار، وكان مستعداً للمغادرة صباح اليوم كما نفهم الوضع، لكن الروس أوعزوا بأنه يجب أن يبقى».
وبالمثل، عززت طهران دعمها الدبلوماسي والمالي لمادورو هذا العام. فقد ذكرت وسائل الإعلام الإيرانية الرسمية أن وزير الدفاع أمير حاتمي زار كاراكاس في كانون الثاني/يناير لمناقشة قضايا أمنية، في حين سافر مسؤولون إيرانيون بارزون إلى موسكو في شباط/فبراير لمناقشة دعم مادورو. وذكّرت هذه الرحلات اجتماعات موسكو السرية التي عقدها مسؤولو الأمن الروس والإيرانيون في موسكو عام 2015، قبل فترة وجيزة من شن عملية عسكرية مشتركة لدعم النظام السوري.
علاوةً على ذلك، يساور الإدارة الأميركية القلق من استئناف إيران رحلاتها الأسبوعية إلى فنزويلا في نيسان/أبريل، مستخدمةً شركة الطيران الوطنية «ماهان إير». وكانت وزارة الخزانة الأميركية قد فرضت عقوبات على شركة الطيران عام 2011 زاعمةً شحنها أسلحة إلى حلفاء إيران في سوريا ولبنان واليمن بالنيابة عن «الحرس الثوري الإسلامي» الإيراني. ويشعر المسؤولون الأميركيون بالقلق من أن الرحلات الجوية إلى فنزويلا قد تكون لغرض مماثل – سيما أنها بدأت بعد أسبوع واحد فقط من زيارة وزير الخارجية الفنزويلي خورخي أرياسا إلى لبنان وسوريا للقاء اثنين من أقرب حلفاء طهران هما بشار الأسد والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصرالله.
الأنشطة العملياتية والأنشطة المتصلة بالمخدرات التابعة لـ «حزب الله»
أصبحت إدارة ترامب أكثر قلقاً بشأن «حزب الله» وسط استمرار أزمة فنزويلا. فالميليشيا الوكيلة لإيران تنشط في أميركا اللاتينية منذ عقود، وغالباً ما تتغلغل بين مجموعات المهاجرين العرب لتنفيذ العمليات. فعلى سبيل المثال، خلُص المحققون إلى أن الحزب قام بالتنسيق مع إيران لتفجير السفارة الإسرائيلية ومركزاً للجالية اليهودية في بوينس آيرس في أوائل التسعينيات، مع اتهام بعض كبار المسؤولين الأرجنتينين بالتواطؤ في الجريمة الأخيرة. ومؤخراً، أدرجت وزارة الخزانة الأميركية «البنك اللبناني الكندي» في عام 2011 على اللائحة السوداء بتهم تبييض مئات ملايين الدولارات من أموال تجارة المخدرات في أميركا اللاتينية عبر حسابات تابعة لـ «حزب الله» في بيروت.
واليوم، يزعم أبرز مساعدي غوايدو أن عناصر «حزب الله» كانوا يعملون مع حكومة مادورو والمخابرات الكوبية لمراقبة المعارضة الفنزويلية. كما أعربوا عن مخاوفهم من أن الحزب ربما يساعد قوات الأمن التابعة لمادورو على السيطرة على الحشود في أوساط الشعب الفنزويلي.
غير أن أكبر مخاوف واشنطن تتمثل في أن «حزب الله» سوف يستخدم الاضطرابات المالية والسياسية التي تشهدها فنزويلا لزيادة عائداته من الإتجار بالمخدرات في وقت تراجع فيه الدعم الإيراني للحزب إلى حدّ كبير. ووفقاً لأعضاء في حكومة غوايدو، ازدادت مبيعات الكوكايين من فنزويلا بشكل كبير هذا العام في ظل تفاقم المشكلات المالية لمادورو.
وكما حصل في قضية «البنك اللبناني الكندي»، فرضت الوكالات الأميركية عقوبات على عدد من كبار مسؤولي «حزب الله» والمسؤولين الفنزويليين في السنوات الأخيرة لتواطئهم المزعوم في تبييض أموال تجارة المخدرات (على وجه التحديد، الكوكايين الأمريكي اللاتيني الذي تم بيعه في أوروبا) عبر حسابات في لبنان.
الخاتمة
أخيراً، ما يزال كبار المسؤولين الأميركيين واثقين بأن مادورو لن يصمد حتى نهاية العام الحالي، معللين ذلك بالآثار المدمّرة للحرب المالية التي يشنها الغرب على حكومته واستمرار أزمة انقطاع الكهرباء في البلاد. ومع ذلك، لا يستبعدون استعمال القوة العسكرية للإطاحة به إن استمرت الأزمة، أو إذا أظهرت منظمات إرهابية مثل «حزب الله» علامات على كسب موطئ قدم أكبر لها في البلاد. وكما قال أحد كبار المسؤولين: «لنرى إلى أي نقطة وصلنا في هذه الهاوية».
جاي سولومون: زميل مساعد في معهد واشنطن.
معهد واشنطن