الربيع العربي الثاني في الجزائر؟

إسحاق ديوان

باريس

أظهرت ثورة شعبية مستمرة يخوضها الشعب الجزائري، أن ضعف السياسة الاقتصادية في مواجهة التحديات الوطنية الكبرى يمكن أن تشكل مخاطر جدية على بقاء النظام.
يتحمل نظام الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة المسؤولية عن الاقتصاد الضعيف في البلاد. منذ أواخر عام 2000، أدى الإنفاق الحكومي المُفرط، المُمول من إيرادات النفط المرتفعة، إلى تنشيط الاقتصاد في أعقاب الحرب الأهلية المدمرة في التسعينيات.
ولكن بعد الربيع العربي عام 2011، ارتفعت النفقات الحكومية بشكل أكبر، ثم زادت مرة أخرى في عام 2014، خلال الحملة الانتخابية الرابعة الناجحة لبوتفليقة.
جاءت رعاية الحكومة في وقت كانت تعاني فيه الميزانية من عجز حقيقي. ثم حدث انهيار في أسعار النفط. منذ ذلك الحين، تُكلف إعانات الاستهلاك السنوية ما يعادل ربع الناتج الاقتصادي، وارتفع العجز المالي والخارجي في الجزائر إلى 15 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي.
في ذلك الوقت، أدى انهيار أسعار النفط إلى إجراء حوار وطني، حيث دعت العديد من مؤسسات الفكر والرأي الجزائرية البلد إلى التخلي عن نظام الدولة النفطية شبه الاشتراكي المخطط مركزياً لصالح اقتصاد السوق المتنوع. وفي عام 2016، كشفت الحكومة عن «النموذج الاقتصادي الجديد»، مما مهد الطريق لعملية تدريجية للتحرر الاقتصادي. لكن البيئة السياسية لم تكن مواتية. بعد تراجع فوز بوتفليقة المثير للجدل في عام 2014، أصبحت النخب السياسية في البلاد مهووسة بالسؤال الحرج حول من سيحل محله. من المؤكد أن رئيس الوزراء عبد المالك سلال قام بتعديلات هامشية للاقتصاد الكلي بين عامي 2014 و2017، بما في ذلك انخفاض متواضع في قيمة العملة.
وفي صيف عام 2017، بدأ خليفته عبد المجيد تبون، في متابعة الإصلاحات لخفض الإنفاق الحكومي ومحاربة الفساد.
لكن النخبة الاقتصادية الجزائرية قاومت هذه الجهود بشدة، مما أدى إلى إقالة تبون.
وقد حل محله رئيس الوزراء الجزائري الحالي أحمد أويحيى، الذي كان من المتوقع أن يركز فقط على مسألة الخلافة.
في محاولة لتهدئة شعب مستاء بشكل متزايد، جمدت الحكومة الجزائرية العجز الداخلي والخارجي بحوالي 10 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي، عن طريق طبع النقود والإنفاق السريع لاحتياطيات العملة الصعبة (بمعدل 20 مليار دولار في السنة).
نظرا للأحداث الماضية، يبدو الآن من الواضح أن تردد النظام في مواجهة اختلالات الاقتصاد الكلي التي لا يمكن تحملها لم يكن أمرا صائبا. وفي آخر استطلاع للرأي أجراه الباروميتر العربي (في عام 2016)، لم ينخدع الجزائريون بإصلاحات حكومية جوفاء.
على العكس من ذلك، يبدو أن جهود النظام المكلفة لفرض استقرار مصطنع قد جاءت بنتائج عكسية.
بين عامي 2013 و2016، وبينما سعت الحكومة لتجنب المشكلات الداخلية، انهارت التصورات العامة للأمن الاقتصادي.
علاوة على ذلك، خلال الفترة نفسها، تراجعت ثقة الشعب في الحكومة، على الأرجح لأن الحاجة الملحة للإصلاحات أصبحت واضحة للجميع. بحلول عام 2016، صُنف النظام الجزائري من بين الحكومات الأقل ثقة في الشرق الأوسط، واستمر ذلك في السنوات الموالية.
على الرغم من تدهور الأمن الاقتصادي، فإن التزام الجزائريين بالديمقراطية ظل مرتفعًا نسبيًا، على غرار التزام المغاربة واللبنانيين والأردنيين. في الواقع، يقل تشبث الطبقة الوسطى بالديمقراطية -وهي الشريحة الاجتماعية المدافعة عن الليبرالية في المنطقة -عندما يزداد انعدام الأمن الاقتصادي. وفي الجزائر، ازداد شعور الشعب بالأمن الشخصي بين عامي 2011 و2016، والذي يعكس سياسة التهدئة الناجحة التي اعتمدها بوتفليقة في البلاد خلال العقد السابق.
مؤشرات الرأي العام في الجزائر، 2007-2016
2016 2013 2011 2007 النتيجة (0-100)
37 57 40 45 تصور الأمن الاقتصادي
60 56 50 62 تصور الأمن المادي
32 70 30 45 الثقة في الحكومة
57 65 58 52 الالتزام بالديمقراطية
مؤشر متوسط أجوبة نحو 1000 جزائري لاختيار أسئلة مقياس البارومتر العربي. تُشير الدرجة 100 إلى الأمن الاقتصادي والشخصي الكامل والثقة الكاملة في الحكومة والالتزام التام بالديمقراطية. المصدر: استطلاع الرأي العام العربي (أراب باروميتر) الذي أجري في الجزائر ومصر والأردن ولبنان والمغرب وفلسطين وتونس سنة 2016. آن أربور، ميتشيغن: الاتحاد المشترك بين الجامعات للبحوث السياسية والاجتماعية.

تُشير الاتجاهات في الرأي العام الجزائري إلى أن البلاد قد وصلت إلى لحظة شبه ثورية، حيث تفاقمت المظالم العميقة وفقدان الثقة بالحكومة وزادت التطلعات الشعبية لنظام سياسي أفضل. ولأن الجزائريين يشعرون بالأمن المادي، فهم لا يخشون تقديم مطالبهم للسلطات.
في الواقع، دفع هذا المزيج الفعال الاحتجاجات الضخمة التي اندلعت في 22 فبراير/ شباط، ردا على ترشيح بوتفليقة لولاية خامسة.
يُشير تزامن المظالم والتطلعات السياسية إلى أن هذه الانتفاضة تشترك مع ربيع عام 2011 أكثر من غيرها مع الأحداث السابقة من الاضطرابات الشعبية التي حركتها إلى حد كبير المظالم الاقتصادية، مثل أعمال الشغب التي اندلعت في أكتوبر/ تشرين الأول 1988، والربيع الأسود لعام 2001، وعشرات الآلاف من أعمال الشغب المحلية الصغيرة في الألفية الجديدة، والتي قدم خلالها المحتجون مطالب محددة للحكومة.
يفسح هذا المزيج المجال للعمل الشعبي بدلا من اليأس. في حين أن الربيع العربي الجزائري قد تلاشى بعد أن زاد النظام من الإنفاق الحكومي وسمح بإصلاحات دستورية محدودة، إلا أن المرء يأمل أن تكون هذه الأحداث فرصة جديدة للتغيير.
على الرغم من نقاط ضعفها الاقتصادية، لا يزال لدى الجزائر أصول قيمة تسمح لها بالانتقال السياسي إلى نظام أكثر انفتاحاً. إلى جانب الشعب المُثقف، وشبكات البنية التحتية الحديثة، والبيروقراطية المخصصة، وعائدات النفط الضخمة بحوالي 35 مليار دولار سنويًا، تمتلك البلاد احتياطيات بالعملة الصعبة تبلغ حوالي 80 مليار دولار، وديون قليلة. وبالتالي، فإن الجزائريين على أتم الاستعداد لخوض حرب استقلال ثانية، لكن هذه المرة لن يحاربوا ضد قوة استعمارية.
بدلاً من ذلك، سيقاتلون من أجل إبعاد النخبة السياسية الحاكمة التي استخدمت ثروة البلاد النفطية لضمان بقائها على حساب التقدم الاجتماعي.

إسحاق ديوان هو أستاذ زائر في كلية الشؤون الدولية والعامة بجامعة كولومبيا، وحاصل على شهادة التميز في جامعة باريس للعلوم والآداب.
حقوق النشر: بروجكت سنديكيت، 2019.
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة