عبد الناصر النجار
قبل ثلاثة أيام التقيت خلال دخولي مركز تسوق في ضاحية جديدة غرب رام الله، أحد طلابي الخريجين يعمل بائعا. لم يجد هذا الخريج فرصة عمل في مجال الإعلام أو في مجال آخر قريب حتى من تخصصه برغم تخرجه منذ خمس سنوات، وبعد دردشة قصيرة أحسست بكم الوجع الذي يعاني منه، حتى إن كل حلمه الآن بات هو الهجرة.
فبل ذلك بأيام دخلت فرناً في بلدة بيرزيت لأتفاجأ أيضاً بخريج إعلام منذ عدة سنوات، يعمل على العجانة.. هو أيضا لم يترك مؤسسة إعلامية إلا وتقدم للعمل بها، ولكن جهوده لسنوات باءت بالفشل.
قبل ذلك وفي محطة للوقود شمال رام الله كان العامل على التعبئة خريج إعلام أيضاً.. وفي بنك في الماصيون التقيت خريجتي إعلام تعملان على صناديق السحب والايداع. وفي فرع بنك في بيرزيت كان هناك خريج إعلام يعمل على ديسك الزبائن… كل ما سبق دفعني للكتابة حول هذا الموضوع.
ففي الوقت الذي خفضت فيه وسائل الإعلام المحلية عدد العاملين لديها نظرا لأوضاعها المالية الصعبة فإن أعداد خريجي الاعلام في تزايد.. وحسب اتصالات مع عدة وسائل إعلام محلية فان متوسط حاجة سوق العمل الحقيقية للخريجين لا تزيد على 50 فرصة عمل سنوياً، يضاف إلى ذلك الحاجة إلى موظفي مكاتب في أقسام العلاقات العامة والإعلام في المؤسسات الحكومية أو الاهلية إضافة إلى القطاع الخاص.
كشف تقرير لجهاز الإحصاء المركزي بشأن بطالة الخريجين صدر في العام 2018 عن أن تخصص الصحافة والاعلام سجل أعلى معدلات البطالة حيث وصلت النسبة إلى 5ر52% من المجموع الكلي للخريجين المشاركين في القوى العاملة، ومقارنة مع تخصص القانون الذي ناشدت نقابة المحامين الجامعات تقنين عدد الطلبة في هذا التخصص جراء تشبع سوق العمل، ومع ذلك فإن نسبة البطالة بين خريجيه لا تزيد على 5ر14%، علماً أن نسبة البطالة بنحو عام بلغت 6ر17% ما يعني أن نسبة بطالة خريجي الإعلام هي 300% بالمقارنة مع مؤشر البطالة العام.
الحقيقة المرة الأخرى هي أن نسبة الـ45% العاملة من خريجي الإعلام غالبيتها لا تعمل بمجال التخصص بل في مجالات خدمية لا تحتاج إلى مؤهل علمي.
وهنا نتساءل عن التخطيط الاستراتيجي للتعليم العالي للحد من هذه الكارثة اذا صح التعبير، ولماذا لم تقم الوزارة بتقنين هذا التخصص والحد من الهدر المالي المنفق على طلبة هذا التخصص بلا جدوى أو منفعة اقتصادية.
ونتساءل أيضا لماذا وافقت وزارة التعليم العالي على اعتماد التخصص في 17 جامعة وكلية في الضفة الغربية وقطاع غزة وهذا الرقم هو الأعلى عالمياً مقارنة بالعدد الإجمالي للسكان.
وعودة إلى لغة الأرقام فإن عدد طلبة الإعلام في جميع الجامعات والكليات يصل إلى 11900 طالب وطالبة بمعدل 700 طالب وطالبة في كل كلية، علماً أن العدد في بعض الجامعات يزيد على الألف. أي أن هناك جيشاً كاملاً من الخريجين خلال السنوات الأربعة القادمة، فمن سيتحمل المسؤولية عن إلقائهم في مطحنة البطالة .
من المشكلات الرئيسة في هذا التخصص أن الغالبية العظمي من كليات الإعلام لا تمتلك التقنيات والأجهزة الحديثة لمسايرة التطور في مجال الإعلام، مع ظهور صحافة المواطن ووسائل التواصل الاجتماعي.. إضافة إلى عدم وجود مراكز تدريب حقيقية أو اتفاقات للتدريب في وسائل الإعلام القائمة.. إضافة إلى غلبة الإطار النظري وعدم وجود الخبرات العملية الكافية لدى المدرسين حيث إن أكثر من 90% منهم لم يمارسوا الإعلام الحقيقي ولو لأسبوع في حياتهم.
في حديث مع عميد كلية إعلام يؤكد أن النخبة من الخريجين تضطر للهجرة للعمل في الخارج مع سيطرة التوظيف الحزبي غير القائم على الكفاءة.
أمام هذا الواقع المر مطلوب من التعليم العالي التدخل العاجل لوقف الهدر المالي والحد من الأمراض النفسية التي يعاني منها المتعطلون. وسحب التراخيص من معظم هذه الكليات أو دمجها مع قبول عدد محدود وبشروط للطلبة الجدد، خاصة أن الإعلام في الأساس هو شكل إبداعي أكثر من كونه أكاديمي، ويجب ألا يزيد عدد الطلبة المقبولين في كل عام عن ثلاثة أضعاف حاجة السوق.. بعد دراسة حقيقية لحاجة السوق.
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية