غير القليل من المتنطعين للكتابة بالمجال السياسي والتاريخي من شريحة الشباب، يتطرق الى أحداث وقعت قبل ولادته، وتعرضت كما هي العادة في مضاربنا المنكوبة بالعبودية والأكاذيب؛ الى مسخ وتشويه وبما ينسجم ومشيئة القوى والمصالح المهيمنةٍ؛ ليعيد اجترارها كما ضخت اليه من دون أدنى وجع من قلب أو ضمير. انه شيء مؤسف حقاً ان يبدأ هؤلاء الشباب مشوارهم بمثل هذا المنهج اللامسؤول تجاه ما جرى ويجري في بلدهم من وقائع واحداث هي بأمس الحاجة الى البحث والتنقيب وإعادة التدوين. مثل هذه الخفة في الكتابة والنشر تجهض كل إمكانية لتطور ونضج هذا النوع من الكتاب الشباب، وتجعل منهم وقوداً رخيصاً في محرقة وعاظ وكتبة السلاطين وورثتهم من أنظمة اللصوصية والتخلف. وعند تقصي ابعاد هذه الظاهرة السلبية “استسهال الكتابة والنشر” حول ملفات واحداث لم تتجرأ الاكاديميات ومراكز البحوث والعقول (افرادا وجماعات) من التقرب اليها بشكل نقدي وجريء؛ نجدها تعود بالأساس الى ما تلقوه من تعليم بائس ومنحط، والى كم السرديات المظللة والاكاذيب التي تناقلناها جيلاً بعد جيل، حيث التمترس العقائدي والمصالح الفئوية الضيقة وغير ذلك من الحنديريات المانعة للفهم؛ والتي تحكم قبضتها على القول الفصل فيما يدبجون وينشرون.
يقول روسو: “عليك أن تقرأ أي نص عدة مرات، حتى تجرده من هيبته وتستطيع نقده أو فهمه” مثل هذه الوصايا يمكن أن تقدم أفضل العون للكتاب الشباب في مشوارهم من اجل فهم أنفسهم أولاً ومن ثم ما يحيط بهم من عالم وأحداث، كما أن حريتهم مرتبطة بهذا الفهم الواعي والمسؤول، لا إعادة تدوير ما سطر لهم من أكاذيب وأضاليل وما تتضمنه ترسانة الاستبداد والخنوع من مدونات تحتفي بالقتلة واللصوص على حساب المفكرين الأحرار والثوار. عليهم التعاطي بحذر مع ما تم ضخه لهم من “الكذب المصفط” وبنحو خاص زمن النظام المباد، ذلك الإرث الذي وجدته الطبقة السياسية الحالية متوافقاً وما كشفت عنه من مواهب وتطلعات. ان توجه “اولي الامر” الجدد لإعادة تدوير ذلك الحطام من البشر والتقاليد والعقائد والمنقولات المزيفة، سيحتاج الى تجنيد أجيال جديدة من العاملين في هذا المجال الحيوي (الاعلام). وهذا ما لم تتأخر في الاستثمار به؛ حيث تم ضم قطاعات واسعة الى طفح مؤسساتهم الإعلامية والتعبوية، والتي انعكس نشاطها بشكل واضح في نوع اختيار العراقيين لممثليهم في البرلمان والمجالس المحلية لعدة دورات انتخابية.
أمام الكتاب الشباب مهمات عديدة، تتصدرها مهمة امتلاك وتطوير ملكة العقل النقدي، واكتساب المعرفة والمهارات الكفيلة بوضعهم بالمكان المناسب في المواجهات الاجتماعية والسياسية والقيمية والتي يراد لها أن تبقى متخبطة عند القشور وبما يتفق ومشيئة حيتان الخراب الراهن، وهذا يتنافر وروح الاقتحام والتي غالباًما تميز شريحة الكتاب والعاملين في مجال الفكر والثقافة والاعلام. ان انجراف عدد منهم الى منهج إعادة اجترار ما تم تدوينه من قبل مرتزقة التدوين وحبربش أنظمة الاستبداد والتخلف، يزيد من عتمة المشهد الراهن حيث “العملة السيئة تطرد العملة الجيدة” وسط شروط ومناخات معادية لكل ما يمت الى العقلانية والفضول المعرفي بصلة.وهذا ما يمكن التعرف عليه بوضوح لدى غالبية المؤسسات العاملة في هذا المجال الحيوي (الحكومي منه والأهلي)، حيث المعايير الطاردة لكل من يصر على وضع حاجات عقله ووجدانه فوق مشيئة وحاجات قوى ومصالح تحتفي بممثلي الضحالة والرثاثة وما يرافقهما من مواهب…
جمال جصاني