سمير خليل
عادة ما تختلف المصادر بتحديد تاريخ ولادة الكثير من المفردات التراثية والفلكلورية بما فيها لعبة المحيبس، أبرز الانشطة الرمضانية الشعبية في العراق، والتي تعتمد على الفراسة والفطنة.
وكلمة محيبس، تصغير لكلمة محبس التي تعني الخاتم، وهو الخاتم الذي يتم البحث عنه خلال اللعبة والذي تضمه عادة قبضة واحدة من ايدي اللاعبين في الفريق والذي ربما بلغ عدد افراده في بعض الأحيان اكثر من عشرين مشاركا، وعلى الخصم معرفة تلك القبضة، وهنا تعتمد اللعبة على دراسة نفسية سريعة للفريق حامل المحبس من الرجل الذي يحاول اكتشاف مكانه، والذي يدعى بالعامية العراقية (الطاير)، والدراسة تعتمد على مدى قابلية الطاير على اكتشاف بعض اعراض الخوف والقلق التي تظهر على حامل المحبس، والخوف نابع من ان اكتشاف المحبس في يد حامله سيتسبب في خسارة فريقه.
ولعبة المحيبس تعود اصولها للعهد العباسي، بعد ان فقد خاتم الخلافة في احدى جلسات الخليفة مع ندمائه خلال ايام رمضان، وبعد صلاة التراويح وبقصد ممازحته اخفى أحدهم الخاتم في يديه، وشاركه بقية الاصدقاء حتى طلب الخليفة من أحد اصحابه ان يحاول معرفة مكان الخاتم وتكريمه في حال عثوره عليه.
وعادة ما تكون صواني الحلويات التي توزع على الفريقين والمشاهدين حاضرة، كما ترافق اللعبة مجموعة من الاهازيج والاغاني التراثية مثل المربعات والجالغي البغدادي، وتقام مباريات كبيرة بين فرق محال بغداد التي تشتهر باللعبة والمحافظات وحتى على صعيد الجاليات العراقية في الخارج.
وللحديث عن هذه اللعبة الشعبية التراثية يقول السيد شمسي كامل احد ابرز لاعبي المحيبس في منطقة الكسرة خلال عقود الستينيات والسبعينيات والثمانينيات: مع قدوم شهر رمضان يتم تشكيل الفرق الخاصة باللعبة بإيعاز من رئيس الفريق وهو عادة ما يكون اللاعب الافضل في الفريق، وفي منطقتنا الكسرة، كان رئيس الفريق، نصرت ابو ذيبة، الذي يقوم ايضا بالتنسيق مع المناطق الاخرى لإقامة المباريات، ويوم المباراة نتجمع بعد الإفطار، حيث تتهيأ الحافلات الخاصة بنقل اللاعبين والجمهور المرافق، بالمقابل يعمل الفريق المستضيف على تهيئة مكان المباراة الذي عادة ما يكون، احد المقاهي المعروفة بالمنطقة، وتهيئة الضيافة من شاي وحلويات.
ويضيف: المباريات فرصة للتعارف والصداقات والعلاقات الحميمية الصادقة بين ابناء مناطق بغداد المتعددة، وعادة ما تكون نقاط المباراة (21) نقطة، لكن المباراة قد تستمر لساعات خلال الليل، وربما لغاية فجر اليوم التالي، في بداية المباراة يمنح المحبس للفرق الضيف كتكريم له، وعادة ما تستعين الفرق بلاعبين معروفين من مناطق اخرى في المباريات الكبيرة، واللاعب الماهر يتميز بالذكاء والفطنة، اذ يراقب لاعبي الفريق الخصم وما يطرأ على وجوههم من انفعالات وخاصة حامل المحبس.
*وماذا عن أبرز المناطق واللاعبين الذين لعبتم ضدهم؟
-الكاظمية ولاعبها الشهير جاسم الأسود، والكرادة ولاعبها عدنان ابو راس، وفي الكسرة كان لدينا كاظم ابن الخبازة، بجانب نصر أبو ذيبة، لعبنا كذلك مع الفضل والكفاح والاعظمية والشعب وكذلك في المحافظات القريبة مثل الفلوجة وبعقوبة.
ومن ابرز بطولات المحيبس تلك التي اقيمت في بغداد خلال السبعينيات والتي شاركت بها جميع مناطق بغداد وجرت المباراة النهائية بين الكاظمية والفضل في شارع الكفاح الذي اغلق ليلتها لكثرة اللاعبين والجمهور، واستمرت المباراة لغاية الساعة التاسعة من صباح اليوم التالي بفوز فريق الكاظمية بكأس البطولة.
“المحيبس” في رمضان.. لوحة تراثية ألوانها المحبة واللحمة بين الناس
التعليقات مغلقة