شتان بين السرقتين

-1-

قد يسطو السارق على بعض أموالك الخاصة سواءً كانت من النقود او الأعيان فيكون قد اجترأ عليك .
ويستحق بهذا العقاب الصارم على جنايته وتطاوله ولكننا قد نشهد انساناً يتمتع برحابه صدر كبيرة ، وسمّو اخلاقي رفيع ، فيتنازل للسارق عما اخذ من ماله الخاص ويعفو عنه ، منطلقاً من احتمالات تفاقم حاجته الى ما سرق ..!!
وهكذا هي النفوس الصافية في آفاقها المشرقة …
المثال التاريخي :
قالوا
” سُرقتْ دراهمُ الصحابي الكبير عبد الله بن مسعود ،
فجعلَ الناسُ يدعون على مّنْ أخذها فقال عبد الله :
” اللهم إنْ كان حَمَلَتْهُ على أَخْذِها حاجةٌ فبارك له فيها ،
وإنْ كان قد حَمَلَتْهُ على سرقتها جرأةٌ على الذنب فاجعله آخر ذنوبه “
انّ هذا السلوك الملائكي المترفع عن حُطام الدنيا جديرٌ بأنْ يكتب بماء الذهب .
والمهم :
انّ ابن مسعود دعا للسارق أنْ تكون جريمته آخر ذنوبه إنْ لم تكن الحاجة هي التي دفعته للسرقة
وهنا يثور التساؤل :
هل تستوي سرقة المال الخاص مع سرقة المال العام في كل الحثيثيات ؟
والجواب :
لا
انّ المال الخاص يملكه صاحِبهُ وبمقدوره أنْ يتنازل عنه ،
أما المال العام فهو للمواطنين جميعاً وليس من حق أحد أنْ يتنازل للسُراق عنه ..!!

-2-
وقدّرت عمليات السرقة للمال العام ( في العراق الجديد ) بمئات المليارات من الدولارات ..!!
وهي كافية لاعمار البلاد وتغطية احتياجاتها، بل لجعلها تتبوأ المواقع العاليّة من الرقي والتقدم ، في حين اننا اليوم نتصدر قوائم الدول الأكثر فساداً في العالم …

-3-
انّ المرجعية الدينية العليا لا تُجيز سرقة فلس واحد من المال العام ، فضلاً عما فوقه، ومن هنا فان المسألة محسومة شرعاً ،
كما انّها محسومة على وفق القانون، ولكنها ليست محسومة عند باعة الضمائر والأوطان من قراصنة الفساد والافساد …
-4-
انّ لي جاراً – رحمه الله – دفع حياته ثمناً لموقفه الصلب في ملاحقة سرّاق المال العام ، وحين عجزوا عن إغرائه بالكف عن ملاحقتهم بما عرضوه عليه من مغريات ، لا حقوه حتى أردوه قتيلا وهو يهم بالرجوع الى منزله .
-5-
ان مافيات الفساد لا تقل خطراً عن عصابات جنود (الخرافة) من الداعشيين التكفيريين الأوباش ، الذين عاثوا فساداً في الارواح والأموال والاعراض ،
فالارهاب والفساد توأمان .
-6-
ومع ازدياد الحاجة الى الاعمار والبناء والتنمية في كل المرافق العامة ومع تراكم الديون والعروض وازديادها يوماً بعد يوم ،
لا مناص من مواجهة الحيتان الكبرى بارادة صلبة لاتلين ، وعزم صارم لا يتزعزع ، لاسترداد تلك الاموال وانتزاعها من يد السرّاق الذين خانوا الشعب والوطن وظنوا انهم بمنجى من الملاحقة والعقاب .
انهم معروفون ويشير اليهم الناس بأسمائهم، وقضاياهم مشهورة، ولكنّ هناك من يخاف منهم أو يتستر عليهم ..!!
-7-
انّ الدليل الوحيد الذي يمكن ان يُقنع المواطنين بالجديّة في مكافحة الفساد ، هو أن يروا كبار الفاسدين وهم يقفون أمام القضاء لمحاسبتهم عن جرائمهم ، بعيداً عن كل المجالات الشخصية والحسابات التي ما أنزل الله بها من سلطان .
وعندها ستكون الانعطافة الكبرى نحو التفاعل الايجابي مع الحكومة وهو ما سيقود الى التغيير المنشود للأوضاع الفاسدة .

حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة