لا تكون الدراسة الاكاديمية خصوصا تلك المعنية بالفنون المختلفة ذا نفع اذا تمسك استاذ مادة ما بمنهاج معين ، يعيده كل عام دراسي على طلبته ، دون الالتفات الى أهمية الفنون المجاورة، التي قد تشترك مع فن أخر بأواصر ووشائج معينة ، وكذلك عدم الاهتمام بالتطور المتسارع لتقنيات اشتغال بعض الفنون وأهمية معرفة الطلبة بها.
هناك أساتذة انتبهوا الى ذلك فأضافوا الكثير لطلبتهم، من ناحية ضرورة الاهتمام بالفنون المجاورة، فتركوا المنهج، واجتهدوا في تدريس بعض الفنون التي ليس من اختصاص ما يدرسه طلبتهم ، فكان ان وجد الطلبة أهمية ذلك، وتأثيره المباشر على ما يدرسون.
في المرحلة الثانية من دراسة البكالوريوس في قسم الفنون السمعية والمرئية في كلية الفنون الجميلة فرع السينما، أخبرنا أستاذ مادة السيناريو الدكتور طه الهاشمي بأننا سندرس وعلى مدى العام الدراسي، مادة أسمها فن الرواية، في بادى الامر أستغربنا الموضوع ، وتساءلنا ،لماذا ندرس فن الرواية ونحن ندرس في فرع السينما، والدكتور الهاشمي يدرسنا مادة السيناريو؟
هذا التساؤل لم يجيب عن الدكتور الهاشمي بذات اللحظة، لكن الإجابة جاءت تباعا بعد ان اطلعنا على أسرار كتابة الرواية وفنها، وعلاقة الخط الدرامي الأرسطي للرواية بفن السينما، وكيفية انتقال الكثير من فن كتابتها الى السينما، والزمنا الدكتور الهاشمي بقراءة روايات نختارها ونتناقش في تفصيلاتها، ليس من حيث الحكاية فيها فقط، بل من حيث الوقوف على كيفية كتابتها، وبمعنى أدق كيف يمكن ان نشرح رواية ما، من خلال تحديد الراوي العارف بكل شيء ، والراوي الثاني والثالث، والحديث الداخلي لشخصية البطل وعلاقة البطل بالشخصيات الثانوية ، والحبكة، وتصاعد الفعل الدرامي وصولا الى الذروة ، ومن ثم كيفية الحفاظ على حركة وفعل الشخصيات مجتمعة داخل المبنى الحكائي ، من خلال المحافظة على الخطوط العامة التي يفترض ان يكون الكاتب قد وضعها مسبقا قبل الشروع بالكتابة.
ما زال تأثير هذا الدرس الاكاديمي بالنسبة لي على الأقل يشكل عاملا مهما فيما أكتبه من نقد سينمائي لأفلام مختلفة ، فكل فلم يحوي حكاية، وبعض الافلام أخذت من روايات مهمة ، والسيناريو الأدبي للفلم لا يختلف كثيرا عن النص الروائي او القصصي ، الا من حيث اختلاف الوسيط التعبيري، الذي يفرض كتابته بطريقة تؤدي الى الرسم الأولي لمشاهد الفلم التي سيتم تصويرها لاحقا ، وبعد تحويل السيناريو الادبي الى سيناريو تنفيذي، وبدأت العديد من دور النشر تطبع سيناريوهات الافلام المهمة، وتوزع وتباع لكي يقرأها الجمهور، اضافة الى الكثير من العوامل الكثيرة المشتركة بين المحكي الفلمي والمحكي الروائي .
قبل ايام سألت أحد طلاب كلية الفنون الجميلة، هل تدرسون مادة عن فن الرواية، أستغرب سؤال ، وطرح ذات التساؤل الذي طرحناه يوم اخبرنا الدكتور الهاشمي باننا سندرس مادة اسمها فن الرواية .
كاظم مرشد السلوم