للمخرج جون ليونتي
إحسان العسكري
في عديد أشتغالاتها اجتهدت السينما الامريكية في انتاج افلام تتشابه من حيث الفكرة، لكنها تختلف من حيث التناول الفني ، وهذا ما ينطبق على فلم « الصمت» للمخرج جون ليونتي،حيث يأخنا في رحلة فلمية ممتعة رفقة علماء جيولوجيا ينقبون في كهوف بنسيلفانيا و يتعمقون في ذلك الى حدود بعيدة، حتى تصل احدى العالمات رفقة أحد العاملين لعمق غير مسبوق لكهف مغلق منذ ملايين السنين ليفجرا جداره معلنان بدء احداث فيلم من افلام الخيال العلمي الممزوج بمشاهد الرعب والتشويق ، عائلة تصارع الموت لتعيش وسط اجواء مرعبة وخطر بأجنحة قاتل يحلق في سماء الولايات المتحدة الأمريكية.
آلي ( كرينان شيبكا ) فتاة فقد جدها وجدتها لأبيها واصيبت بالصمم، نتيجة حادث سير تعرضوا له ، علمها ابوها ( الذي أدى دوره الفنان الامريكي ستانلي توتسي) كيف تشعر بالأشياء من حولها دون ان تسمع الاصوات وتعتمد على لغة اشارة المتحدث وتحريك شفتيه، احداث الفيلم تشد المشاهد وتجعله يترقب حدوث مفاجأة ما، فكاريزما هذه الشابة ذات امكانية رائعة في جذب انتباه المشاهد وذكاءها المتزن غالباً يتفوق على خجلها كمراهقة من عائلة أرستقراطية تعيش في الولايات المتحدة حتى انها خجلت عندما سألتها امها ( ميرندا اوتتو – الاسترالية) و افراد عائلتها عن الشاب فيليب الذي رافقها في طريق خروجها من المدرسة وهل قبلها او فعلا شيئاً معاً غير التقبيل ؟ .
في خضم هذه الاحداث تعود حركة الفلم لتيمته الاولى وهي أيقاظ كائنات طائرة كانت محتجزة في الكهف الذي نقب فيه العلماء، هذه الكائنات التي شاهدت «آلي « تجمعها على اسلاك الكهرباء قبالة الشارع المؤدي لمدرستها ولم تكترث الا حينما ارسل لها صديقها مقطعا فيديو عبر الانترنت ليبدأ بالاهتمام بالأمر و تنهي جلستها السريعة مع جدتها لامها بعد ان وعدتها انها لن تخبر احد عن قيام الجدة بالتدخين . لتعود للمنزل وتخلد للنوم لتصحوا بعد ذلك على تحريك جسدها من قبل والدها لتتفاجأ بالأخبار التلفزيونية التي تعرض اشلاء من جثث ضحايا تقول انهم تعرضوا لهجوم ارهابي وقنوات اخرى تقول هجوم كيماوي الا» آلي» فقد ربطت بين ما رأته في الاخبار وما شاهدته في الواقع .
احداث كثيرة و مثيرة للجدل منها تخلي ركاب القطار عن ام وطردها لأن طفلتها اخترقت جدار الصمت الذي اوصت به السلطات وتركتها تواجه خفافيش بدائية عدوانية جائعة اتيحت لها وجبة مجانية، ام وطفلة رضيعة تم انزالهما من القطار فقط لأن الطفلة بكت قليلاً وهذا البكاء هو صوت قد يجذب هذه الكائنات التي تهاجم فريستها عبر نظام ترددات صوتية لأنها لا ترى، وأيضاً خروج ثلة من المجرمين للشوارع والقيام بعمليات سلب وقتل وهذا ما حدث مع عائلة «آلي « حين طلب منهم احد المسلحين تسليمه مفاتيح سيارته قبل ان يرديه احدهم ويتركه جريحاً يواجه ذات المصير الذي واجهته المرأة وطفلتها في نفق القطارات.
حين قررت عائلة آلي وعائلة صديق العائلة ( السيد غلين – المغني جون كورفيت ) ان يغادرا بنسلفانيا والاتجاه شمالاً هروباً من مخلوقات الفيسبا والتي تعني بالاسبانية الدبابير ، صديق العائلة ذو السمعة الطيبة ،هو رجل المواقف الصعبة قرر ان يقود الجميع عبر الادغال بسبب الزحام على الطريق العام .
ميلودراما الفيلم كانت متذبذبة بين الجد و اللامعقول سيما وان ابطاله هم من اهم ابطال المسلسلات و افلام الخيال العلمي مما جعل الدراما اكثر تشويقاً واعمق توصيلاً الا ان بطلة الفيلم اراها شخصياً رائعة اذا ما نظرنا لعمرها و صعوبة الدور الذي تؤديه ،
تزاد الامور سوءاً حين فاجأ قطيع من الغزلان السيد غلين و تسبب في تحطم سيارته واصابته وطلبه من صديقه ان يتركه ويأخذ ابن اخيه وعائلته ويهرب قبل وصول مخلوقات الفيسبا ، وهنا تبدأ الإنسانية و الصداقة لعب الدور الأهم برفض والد «آلي» ترك صديقه ،الذي ضحى بنفسه لينقذ عائلة «آلي»عبر اطلاق النار وجذب المخلوقات اليه بعد أن اضطرت العائلة للتخلي عن كلب ابنتها بسبب النباح الذي تسبب بقيام المخلوقات بمهاجمتها .
الفضيلة ، النبل ، التضحية ، الذكاء ، الادراك و الخوف كانت هي محور التحدي للظلم و التخلي عن القيم في المشاهد الاولى من الفيلم و أيضاً اراد المخرج( جون لينوتي) والكاتبين (كيري و شان فان داكي ) ان يبنوا عبر تيمة معينة ما قد يفعله رجل الدين يائس كي يبقى حيا ، فرغم كل حالة الرعب التي تعيشها العائلة ظهر رجل الدين هذا في الصيدلية التي ذهب الاب وابنته لجلب ادوية منها لمعالجة الام التي تعرضت للإصابة وكيف عمد هذا القس لقطع لسانه والسنة من حاول اقناعهم مؤسساً بذلك جمعية ما اسمها الصامتون، ومن يرفض الانضمام اليه سيستخدم الكائنات لقتله سيما وانه عقد العزم على اختطاف آيلي وفعلاً داهم البيت الذي سكنته العائلة بعد موت صاحبته واختطف الفتاة وهنا تجلت التضحية باندفاع جدتها والعراك مع المختطفين والصراخ لجذب مخلوقات الفيسبا ثم يخرج الجميع ويقاتلون بشراسة فالقضية قضية حياة انتصروا بمعركتهم وقرروا التوجه للمناطق الباردة بعد ان علموا ان هذه المخلوقات تموت في البرد .
تساؤلٌ اطلقته «آلي « وهي تصطاد برفقة فيليب بعض الكائنات البدائية بسلاح بدائي وهو القوس ، تساءلت هل يمكن ان تطور هذه الكائنات نفسها لتعيش في المناطق الباردة ؟ وهل سيطور الانسان وسائله الدفاعية ؟ اعتقد ان الاجابة كانت واضحة عبر استخدام القوس والسهم وهي ان بعض المشاكل لا تحل الا بما يلائمها .