رجب أبو سرية
لم يمضِ على مؤتمر القمة العربية سوى بضعة أسابيع، هي أقل من شهر بالضبط، وانعقد مؤتمر وزراء الخارجية العرب بالقاهرة، ذلك المؤتمر الذي وجدت فيه القيادة الفلسطينية «قشة» الغريق التي يتشبث بها عادة، لأنه لا يجد ما هو أفضل منها، لدرجة أن يحضر الرئيس محمود عباس الاجتماع شخصيا، ليشرح بالتفصيل للسادة الوزراء درجة الخطر الداهم على القضية الفلسطينية، إن كان في مدى الأسابيع القليلة المقبلة، وبالتحديد بعد تشكيل الحكومة الإسرائيلية الجديدة وإعلان واشنطن المرتقب عن خطة صفقة القرن، أو كان على صعيد ما هو متحقق على الأرض فعلا، من تصعيد إسرائيلي على كافة الأصعدة بما في ذلك الصعيد المالي، حيث تواصل الحكومة الإسرائيلية، احتجاز أموال المقاصة التي تشكل أكثر من نصف ميزانية السلطة، للشهر الثالث على التوالي. أما لماذا انتظرت السلطة مؤتمر وزراء الخارجية، حيث كانت مناسبة انعقاد القمة في آخر آذار الماضي في تونس، أهم وأفضل بسبب من وجود قادة الصف الأول القادرين على اتخاذ القرار مباشرة وفوراً، خاصة أن الفارق الزمني بين المؤتمرين – كما أشرنا قبل قليل، لا يتجاوز الثلاثة أسابيع فقط، فالإجابة عن ذلك السؤال برأينا تستند إلى أكثر من اعتبار، ولا تعود لسبب وحيد فقط. فالقمة العربية وهي اجتماع دوري سنوي، عادة ما تبحث القرارات السياسية العامة، وتناقش أكثر من ملف، وتغطي مدة عام كامل، واجتماع وزراء الخارجية العرب ينعقد في فترات أقل، وتحضيراً للعديد من المؤتمرات ومنها مؤتمر القمة نفسه، كذلك فإنه إذا كانت القمة لا يتسع وقتها لمناقشة التفاصيل العملية أو القرارات ذات الطابع التنفيذي الإجرائي، فإن اجتماع الوزراء يفعل هذا، ثم لابد من الإشارة أيضا إلى أنه ربما كان هناك اعتقاد لدى القيادة الفلسطينية، ولو بنسبة قليلة بأن احتمال حدوث الانقلاب في الانتخابات الإسرائيلية أمر ممكن أو وارد، حيث لابد من الإشارة إلى أن الانتخابات الإسرائيلية جرت ما بين مؤتمري القمة العربية ومؤتمر وزراء الخارجية العرب.
أيا يكن من أمر فإن القمة أكدت الثوابت السياسية بما في ذلك رفضها الإعلان الأميركي الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، فيما خرج من اجتماع وزراء الخارجية قرار ذو طبيعة تنفيذية أو عملية ينص على توفير شبكة أمان مالية للسلطة الفلسطينية محددة بمبلغ قدره مائة مليون دولار شهريا للرد على القرصنة الإسرائيلية المتمثلة باقتطاع بعض من أموال المقاصة والرد الفلسطيني برفض استلام أموال المقاصة منقوصة فاتورة أسر الشهداء والأسرى . حسن، هذا جيد، فأن تلقي القيادة الفلسطينية بثقلها كله ممثلا بالرئيس شخصيا، قد أتى أكله، ولكن كل هذا يبقى على مستوى النص، أو على الورق، وكم ينطوي التاريخ القريب على قرارات مشابهة إن كان من القمة أو من وزراء الخارجية العرب أو حتى من مجلس الجامعة العربية، ولم تنفذ إلا بشكل جزئي ومنقوص، حيث عادة ما يلتزم بعض الدول العربية بدفع ما يستحق عليها، فيما تهز دول أخرى أكتافها، وتماطل في الدفع. ولعل الرد من المستوى الأعلى كان متوجبا على القادة العرب، من خلال الإقدام على تهديد إسرائيل والضغط عليها لتدفع أموال المقاصة – كما فعلت فرنسا وذلك أضعف الإيمان – وهي حق فلسطيني، وإلا وقف كل إجراءات التطبيع، أو استدعاء ما لإسرائيل من سفراء في بعض الدول العربية، وما إلى ذلك من إجراءات حتى تجاه الطرف الأميركي نفسه، لكن الضعف العربي في مواجهة إسرائيل وأميركا، يظهرها في أحسن أحوالها كمن يدفع «الجزية» أو الإتاوة، فحتى لو دفعت الدول العربية المال الكافي لدوران عجلة اقتصاد الخدمات الفلسطيني، فإن ذلك يكون على حساب تغطية القرصنة الإسرائيلية. الجميع يعرف إذا واقع الحال العربي الذي لا يسر صديقا ولا يغيظ عدواً، ولعله من جور الزمان على الشعب الفلسطيني أن تضطر قيادته إلى التوجه للعرب وهذا هو حالهم، وأن يكون جدار العرب المهزوز والمهلهل حائطا تستند إليه، حيث يحذرنا المثل الشعبي بقوله: «يا مسنود على حيطة مايلة»، وهنا لابد من تساؤل آخر، حول ما الذي يوجب على القيادة الفلسطينية أن تذهب للعرب، وهم ينفضون أيديهم تباعا من القضية الفلسطينية، بل حتى الأغنياء منهم وبخاصة يهرولون للتطبيع مع إسرائيل. فقبل اجتماع وزراء الخارجية العرب، وحتى قبل القمة بحثت القيادة الفلسطينية، موضوع القرصنة الإسرائيلية لأموال المقاصة مع فرنسا، لكونها راعي الاتفاقية الاقتصادية المسماة على اسم العاصمة الفرنسية، اتفاقية باريس، ولكن على ما يبدو لم يخرج من فرنسا المنشغلة جداً بانتفاضة السترات الصفراء، ما هو أكثر من التأكيد على أن أي إجراء اقتصادي يتطلب موافقة ومناقشة الطرفين، ومن ثم الطلب الرسمي من الحكومة الإسرائيلية تسليم السلطة أموال المقاصة غير منقوصة. السلطة الفلسطينية بكثير من الأنفة والكبرياء طلبت أموالاً على شكل قروض، ولا شيء يمكنه أن يؤكد أن حلا سيكون في متناول اليد، خاصة والجميع يعلم أن أميركا وإسرائيل تمارسان من خلال حجز الأموال سياسة الضغط من أجل قبول صفقة العصر، وما يؤكد هذا هو الوعود الأميركية نفسها بضخ الأموال والمشاريع على الشعب الفلسطيني إذا قبل الصفقة، التي تتضمن مشاريع تنمية خاصة مع العرب أنفسهم، أي الأغنياء منهم، لذا فإن حالة التقشف ستبقى قائمة ومعمولاً بها، والجميع لا يريد أن يحدث انهيار السلطة، وكما أعلن غير مسؤول فإن الرواتب ستكون بنسبة الشهر الماضي وكان الأكثر تقشفا، لأنه ليس متوقعا أن يشكل نتنياهو حكومته الجديدة خلال أيام قادمة، وإلى ما بعد رمضان، سيبقى الحال كما هو في انتظار «فتح الدمل»، حيث لن يكون هناك ما هو أكثر جدوى من تماسك ووحدة الشعب الفلسطيني فهي جداره الاستنادي القوي والمتين، والذي يمكنه أن يغني القيادة عن كل الجدران المائلة أو الآيلة للسقوط، لكن هل يدرك قادة الانقسام خطورة اللحظة، فيتداركون الأمر في اللحظة الأخيرة ؟
ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية