آية عبد العزيز
تسعى القيادة الأوروبية إلى تحقيق التوازن والاستقرار داخل عواصمها، بالتزامن مع تنامي التهديدات والتحديات المُحيطة بها، من خلال التنسيق والتعاون المشترك في الملفات محل الاهتمام، ما تجلى في تولى ألمانيا العضو غير الدائم في مجلس الأمن، رئاسة المجلس للمرة السادسة خلال أبريل/ نيسان 2019 كجزء من «رئاسة مزدوجة» مع فرنسا العضو الدائم. إلى جانب مساعدة هيئة الأمم المتحدة في أداء دورها في إدارة الأزمات والنزاعات، وقد استوفى البلدان «ترتيبات التوأمة» – التي تعد خطوة رمزية إلى حد كبير تهدف إلى إظهار موقفهما المشترك كفاعلين رئيسين في الاتحاد الأوروبي.
ويدعم ذلك جزئيًا انتخاب ألمانيا كعضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال الفترة 2019-2020، كما قامت فرنسا وألمانيا بالتنسيق الوثيق مع أعضاء الاتحاد الأوروبي الآخرين في مجلس الأمن، بما في ذلك المملكة المتحدة وبلجيكا وبولندا، فيما يتعلق بالقضايا المرتبطة بأطر التعاون والدفاع المتعدد الأطراف.
وعليه تسعى برلين إلى توظيف مدة رئاستها « لتعزيز منع الصراع على المدى الطويل». وتركز على إثارة بعض القضايا الخاصة على جدول أعمال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة خلال مدة رئاستها التي تستمر شهرًا، التي تتجسد في منع نشوب الصراعات، وحماية العاملين في المجال الإنساني، وحماية المرأة في النزاعات بالإضافة إلى نزع السلاح. (1)
القضايا المطروحة على الأجندة
تتبع الرئاسة الألمانية رئاسة فرنسا، لتعزيز السياسات القائمة على التنسيق المتعددة بين الجهات الفاعلة والرسمية، وتحاول كل من فرنسا وألمانيا تبني سياسة جديدة في تاريخ مجلس الأمن الدولي الذي تأسس عام 1946، ستُعرف باسم «Jumelage». فلم تعد ترغب دول الاتحاد الأوروبي في انتهاج استراتيجية تكثيف التعاون في مجلس الأمن، فحسب ولكن أيضًا تسعى إلى إرسال رسالة حول التعاون متعدد الأطراف في السياسة الدولية. هذه الأهداف هي أيضًا من بين أولويات معاهدة «آخن»، التي تم توقيعها في 22 يناير/ كانون الثاني 2019 التي تستند إلى تقليد معاهدة الإليزيه لعام 1963.
وفي هذا الإطار أعدت ألمانيا وفرنسا جدول أعمال شاملًا لرؤساء مجلس الأمن المتتاليين يهدفان إلى تعزيز السلم والأمن العالمي، يستند إلى تعزيز القانون الدولي الإنساني والمبادئ الإنسانية. على سبيل المثال، يستكشف مجلس الأمن كيف يمكن للعاملين في مجال المساعدات الإنسانية أن يتمتعوا بحماية أفضل من العنف في جميع أنحاء العالم.
كما ستقدم ألمانيا القضية الرئيسة لها إبان رئاستها عدد من القضايا التي تتمثل على النحو التالي:
1- قضايا المرأة. من المقرر عقد عدد من المناقشات المفتوحة حول حماية المرأة في بعثات السلام التابعة للأمم المتحدة، وسبل تعزيز مكافحة ومنع العنف الجنسي في النزاعات. كما تعمل الحكومة الألمانية على ضمان زيادة مشاركة السياسة للمرأة، والرغبة في تمكينها، وحمايتها بشكل أفضل من العنف الجنسي في مناطق النزاع، وتوفير سبل الدعم والحماية الكاملة لها بشكل عام.
2- نزع السلاح. أثارت برلين قضية نزع السلاح للتصدي لسباق الهيمنة الجديد، الذي تحاول الدول الكبرى استنساخه مرة أخرى، من خلال إدراجه في جدول الأعمال. وسيترأس «هايكو ماس» وزير الخارجية الألماني جلسة مجلس الأمن المعنية بمناقشة عدم الانتشار النووي ونزع السلاح. (2)
3- مواجهة الأزمات في أفريقيا. تتشارك ألمانيا وفرنسا في دعم السلام في أفريقيا بصفة عامة، ومالي بصفة خاصة من خلال بعثة الأمم المتحدة في مالي، فضلاً عن تعزيز التعاون الوثيق في على الصعيد الأمني لضمان الاستقرار السلمي في بوركينا فاسو.
4- حماية العاملين في مجال المساعدات الدولية. تُثير الدولتين قضية البعثات الخاصة بتقديم المساعدات الخارجية، ودعم وحماية العاملين بها من الانتهاكات التي من الممكن التعرض لها إبان عملهم في جميع أنحاء العالم، وعليه يعتزم وزير الخارجية الألماني تقديم مبادرة خاصة بهذا الشأن.
5- مكافحة تجارة الأسلحة الصغيرة في البلقان. ترغب البلدين في تقديم رؤية تعاون أفضل مع السلطات في هذا المجال، ليكون مثالاً للمناطق الأخرى، لدعم الاستقرار في هذه الدول.
6- الترويج للتعاون متعدد الأطراف. تهتم ألمانيا بالترويج لفكرة التعاون الدولي المتعدد الأطراف، كما تبنت ألمانيا وفرنسا مقاربتها المتعددة الأطراف في معارضة القومية، والحمائية المتنامية للقيادات السياسية مثل الرئيس الأميركي «دونالد ترامب». وقد بدأت فرنسا وألمانيا بالفعل بتطبيق هذه السياسة التي يمكن أن نرمز إليها من خلال «الرئاسة المزدوجة»، وبرزت أيضًا بتنسيقهما مع الأعضاء الأوروبيين الآخرين في مجلس الأمن مثل (المملكة المتحدة وبلجيكا وبولندا).
7- الالتزام بقرارات الأمم المتحدة. تُصر ألمانيا وفرنسا على ضرورة الالتزام بقرارات الشرعية الدولية، لضمان لتحقيق الأمن والسلم العالميين، ما تجسد في تنديد الممثل الدائم لألمانيا لدى الأمم المتحدة «كويستوف هوسجن» بقرار الولايات المتحدة الخاص بالاعتراف بالقدس كعاصمة لدولة إسرائيل، ومنحها حق السيادة على هضبة الجولان. (3)
الجدير بالذكر، أن دول الاتحاد الأوروبي تعمل معًا لتفعيل هذه السياسة للحفاظ على الاتفاقيات والمعاهدات الدولية، مثل اتفاقية باريس للمناخ ومعاهدة الوقود النووي المشعة.
ملامح التنسيق المشترك
يشغل كل من دول الاتحاد الأوروبي مقعدًا لمدة شهر واحد، كرمز لتعاونهم الوثيق معًا، قرروا دمجها في «رئاسة مزدوجة» أولى -ووصفتها فرنسا بأنها «ترتيب توأمة». ستنتقل الرئاسة رسميًا من فرنسا إلى ألمانيا حلال هذا الشهر، ولكن في الممارسة العملية لن يكون هناك أي تغيير، حيث سيستمر كلا البلدين في شغل المقعد بشكل مشترك. هذا التعاون الوثيق للأمم المتحدة تم الاتفاق عليه بين برلين وباريس كجزء من معاهدة «آخن».
وتكمن أهمية هذه الرئاسة في إدارة أهم هيئة تابعة للأمم المتحدة، والمكلفة بصون السلام والأمن الدوليين. كما يمكنه إرسال قوات حفظ السلام، وفرض حظر اقتصادي، وحظر أسلحة، واختيار العمل العسكري الجماعي في نهاية المطاف، لذا فإنه يعد الهيئة المعنية بحفظ السلام وإدارة الملفات الأمنية في العالم. (4)
وهنا لابد من توضيح نقطة مهمة وهي أن عملية التنسيق بين ألمانيا وفرنسا لم يكن وليدة اللحظة، ولكنها تم تفعيلها وتحررها مع تولي الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» رئاسة الإليزيه في مايو/ أيار 2017، وانتهاجه سياسات قائمة على التعاون المتعدد وفقًا لميثاق الاتحاد الأوروبي والداعم للأمن الأوروبي، وإصلاح منطقة اليورو علاوة على اتباعه سياسات تعاونية ومشتركة مع الدول الأعضاء لتصدي لتحديات الأوروبية المتلاحقة، بالتزامن مع تنامي موجات الحمائية والقومية، من قبل القوى اليمينية المتطرفة، والشعبوية والداعمة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
تجسد التنسيق المشترك في إبرام معاهدة مشتركة ما بين فرنسا وألمانيا، لدعمها في مجلس الأمن وحصولها على مقعد دائم، خاصة محاولة بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي، لتكون فرنسا العضو الدائم في مجلس الأمن من داخل الاتحاد الأوروبي، وهو الأمر انتقدته بعض القوى الأوروبية وفي مقدمتهم إيطاليا، الرافضة لبعض السياسات الأوروبية الخاصة بالهجرة واللجوء، معدة أن الأولى أن يكون للاتحاد الأوروبي مقعد دائم وليست ألمانيا كدولة.
وعلى الجانب الأخر؛ تسعى ألمانيا إلى الحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن منذ توحيدها في عام 1990 باعتبارها من أهم المساهمين في ميزانية الأمم المتحدة، وأكبر مزود للقوات في إطار الأمم المتحدة، وتنشط في جميع أنحاء العالم في المناطق التي تهم الأمم المتحدة، وتتبنى سياسات داعمة لها مثل سياسة المناخ وحقوق الإنسان ونزع السلاح. (5)
إجمالاً؛ هناك العديد من الدول التي تطمح في الحصول على مقعد دائم داخل مجلس الأمن مثل الهند، واليابان، والبرازيل، وذلك في إطار الحملات المُروجة لإعادة هيكلة، وإصلاح مجلس الأمن لكي يتناسب مع التهديدات والتحولات الدولية والإقليمية المتلاحقة التي يشهدها النسق العالمي. لأن منظمة الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها هي جزء من سياسات وترتيبات مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية، ووجود نظام عالمي متعدد الأقطاب، لذا فعلى ألمانيا أن توظف هذه المرحلة بما يتناسب مع مصلحتها الوطنية، والأمن الإقليمي الأوروبي بكفاءة وفعالية. (6)
الهوامش
1- « Germany takes over UN Security Council presidency», DW.https://www.dw.com/en/germany-takes-over-un-security-council-presidency/a-48151154
2- “Germany’s Security Council Presidency: Heiko Maas in New York”, 1/4/2019. https://www.auswaertiges-amt.de/en/aussenpolitik/internationale-organisationen/vereintenationen/security-council-presidency/2205172
3- “UN Security Council: Germany, France share presidency”, DW.https://www.dw.com/cda/en/un-security-council-germany-france-share-presidency/a-48136912
4- “GERMANY Takes Over United Nations Security Council Presidency”, Diplomatic Times, 1/4/2019. https://diplomatictimes.net/2019/04/01/germany-takes-over-united-nations-security-council-presidency/
5- “Germany and France begin joint UN Security Council Presidency”, New Europe, 3/4/2019. https://www.neweurope.eu/article/germany-and-france-begin-joint-un-security-council-presidency/
6- “UN Security Council: Germany, France share presidency”, Ibid.
المركز العربي للبحوث والدراسات