الحداثة في السينما الايطالية المعاصر

دائما هناك شيء حقيقي

حسين السلمان

ليس غريبا على بلد واكب كل تطورات السينما أن يقدم للعالم تجارب ذات أهمية كبيرة في حركة السينما العالمي، هذا هو واقع حال السينما الايطالية التي بدأت باكورة افلامها منذ العام 1903، هذه السينما كانت ولم تزل ورشة تجريبية للعديد من المذاهب والمدارس السينمائية، ويكفي أن نذكر عطائها الابداعي في الواقعية الجديدة والسينما السياسية وتجارب فلليني وفسكونتي وبازوليني ، وضمن هذه المسيرة المبدعة ظهرت العديد من الشخصيات الابداعية في الاخراج والسيناريو والتصوير والتمثيل التي دخلت بقوة في سياقات العملية الابداعية للسينما الحديثة .

منحنى جديد
من بين الاسماء المهمة في السينما الايطالية المعاصرة يظهر» اسم المخرج (جوزبيي تورناتوري) الذي يعد من اهم المخرجين العالمين المعاصرين، هذا المخرج الذي قدم لنا تحفا سينمائية مثل(سينما براديسو) و(مالينا) (اسطورة1900 )وفيلمه المثير (عرض افضل.(انه مخرج يميل في تقديم حكاية أفلامه باسلوب تاويلي، تاويل من طراز خاص كما قدمه في فيلمه(باريا) فهو نداء يساري يطل علينا عبر عرض مثير للتيارات السياسية في ايطاليا من الفاشية الى الشيوعية والى مرحلة الثمانينات والمرحلة الجديدة في الصراعات السياسية «.
ومن خصائص المخرج (تورناتوري) أنه قدم في افلامه قدرة كبيرة في الجمع ما بين الواقعية والرومانسية واشياء أخرى مما تبقى من سورياليات فلليني، ومثلما جمع ما بين المأساوي والكوميدي كما في فيلمه الجميل (الجميع بخير)، ومن قدراته الكبيرة هي التحكم والسيطرة على احاسيس و مشاعر المشاهد وجعله متماهيا مع الاحداث على الرغم من زمن اللقطات وزمن الفيلم (زمن العرض) هذا كله يأتي من قدرته في صنع المتعة عبر عرض صوري تميز بها المخرج عن بقية زملائه .

أفضل عرض
يقف فيلم( أفضل عرض) للمخرج ( تورناتوري) في مقدمة افلامه الكبيرة والمهمة في مسيرته السينمائية .لقد عرفنا هذا المخرج من خلال تحفته الصورية (كازينو براديسو)الذي شكل الانطلاقة الاولي في عالم سينمائي متميز .
في فيلم (أفضل عرض) يتوقف المخرج عن واحدة من إشكاليات الانسان وقدرته في اكتشاف لعبة الحقيقي والمزيف ليس فقط في مجال الفن التشكيلي ( وهو المحور الاساس لإحداث الفيلم )بل تصبح الفكرة شمولية الهدف والمعنى فتذهب الى الحياة الاجتماعية للشخصيات والى نظراتهم وتصوراتهم وأرائهم حيال تلك الحياة ، فمن فكرة الحقيقي والمزيف يقدم لنا الفيلم حكاية أشخاص تعيش في هذا المضمار الفكري للفيلم، لذا فان فكرة الفيلم أنطلقت من أحساس لدى الشخصية (اولدمان) بأداء مذهل للممثل الاوسكاري ( جيفري راش)الذي يعتمد الفيلم على ما يجيش في داخله من أفكار وأقوال ، فهذه الشخصية تؤكد نا يعتمده الفيلم كفكرة اساس وهو: (أن هناك دائما شيء حقيقي مخبأ في كل عمل مزور.(
بناء الفيلم ينتمي الى حالة انغلاق تام حيث الشخصية المحورية(أولدمان) تعيش حالة سرية خاصة جدا، بل هي في حلقة مغلقة يصعب اختراقها، متمثلة بتلك الصومعة المزينة بجمال لوحات ثمينة وحقيقية لنساء لا علاقة للشخصية بها لأنها شخصية مقطوعة الجذور الاجتماعية، فهي بلا علاقة عاطفية تعيش بمفردها في كل مفاصل الحياة العامة والخاصة الى أن يحدث التحول الكبير والمذهل للشخصية حيث يدب الحب متوثبا في جوانحها بعد لقاء غريب ( اجتماعيا وسينمائيا) مع فتاة تدعى (كلير) قدمتها الممثلة الرائعة( سيلفيا هوبكس( حيث تثيره بغموض شخصيتها وعزلتها التي تتقارب مع عزلته .
من تلك الاحداث المتداخلة تم بناء حبكة متماسكة استطاعت ان تشحن المشاهد بقدر كبير من المعلومات التي تدفعه لتحليل الاحداث اكثر من التعاطف معها، وهذا ما جعل صناعة المتعة اقرب الى المشاهد بحكم نوعية وسلاسة السرد الصوري، وعلى الرغم من الغموض الذي يكتنف الفيلم في بعض من أحداثه الا أنه يعد غموضا مثمرا يدفع بالعمل نحو خلق حالة مشاركة وترقب تلعب بها السياقات الدرامية والاثارة دورا نفسيا، حيث يشعر المشاهد بحالة من الحب القائم بين الشخصيتين منعكسة على مشاعره واحاسيسه الخاصة، هذا الحب يقدمه المخرج بطريقة متباينة عما ألفناه في حكايات الحب التقليدية، أنه حب الالوان واللوحات الى حب الجسد وعوالمه الغريبة .

أنه الممثل
من فضائية الحرية .جاء الممثل (جيفري راش) من المسرح ممثلا ومخرجا في اول خطواته في عالم المسرح وبدأ مشاركته في السينما حيث أثار أنتباه العديد من المخرجين ، وبتلك القوة أكد حضوره الفاعل في التمثيل .
قدم (راش) في فيلم (عرض أفضل)شخصية مركبة ذات تحولات كثيرة ضمن مسارات الاحداث وبتلك الطريقة التعبيرية الخاصة به جعل الشخصية متحولة من تمثيل الى نمطية حياة، فلا احد يستطيع القول انه هنا يمثل وهنا يعيش الدور، لذا يمكن القول أن فيلم (أفضل عرض) هو فيلم ممثل، مثلما يمكن القول هذا فيلم مخرج وهذا فيلم كاتب، الممثل هنا هو العنصر الدرامي المتحرك والمتجدد الذي استطاع أن يرسم بأدائه التمثيلي كل التحولات الخاصة والعامة في الفيلم .لقد سبق وأن شاهدنا الممثل ) جيفري راش) مبدعا كبيرا في افلام ( خطاب الملك)الذي ترشح عنه لجائزة الاوسكار وفيلم (لصة الكتاب) وفيلم ( قراصنة الكاريبي وفيلم (شاين).

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة