ثورة الجوع ضد «حماس»

رجب أبو سرية

اثنا عشر عاما بأيامها ولياليها، بقضها وقضيضها، بمرها ومرها ومرها، عاشها الشعب الفلسطيني العظيم في قطاع غزة، صابرا مرابطا، محتملا لأن الجرح هذه المرة كان في الكف، والظالم/ المستبد من أهل الدار، وكما الجمال كان شعبنا يحتمل ولا يظهر وجعه خشية أن يدفع ذلك العدو لأن يتجرأ عليه، ورغم الألم الرهيب الذي احتمله شعبنا في أيام الانقلاب الأسود، جراء سقوط المئات من أبنائه شهداء على عرش «سلطة حماس»، التي اندفعت فجأة مثل الوحش الكاسر تسعى للسلطة بأي شكل، بل بأسوأ شكل وأسلوب وأداة، وهي أداة الانقلاب العسكري، ألا أن شعبنا وعلى هدي قيادته، كتم غيظه وعض على شفتيه، واحتمل الألم وصبر على سنّة النبي أيوب، من أجل معالجة الجرح الذي بالكف بالتي هي أحسن.
تواصلت المغامرة الحمساوية، في سبيل الحفاظ على «مغنم الانقلاب» وجرّت ثلاث حروب إسرائيلية طاحنة على قطاع غزة الصغير بمساحته، الرخو بجغرافيته والمكتظ بسكانه، ثم دخلت في تحالفات إقليمية خاسرة، نظرا لما تفتقده من خبرة ومن اتزان سياسي أو عقلانية، فتحالفت مع محور الممانعة، بحيث رهنت قطاع غزة الذي تسيطر عليه لصراعات هذا المحور الإقليمية، وكان من نتيجة ذلك أن تم الزج بالقطاع بين مدة ومدة أخرى كبيدق لعبة الشطرنج، في أتون ذلك الصراع، «لجر شكل إسرائيل» حتى تظهر إيران و»حزب الله»، بأنهما موجودان في جنوب إسرائيل، حتى يشكل ذلك رادعا لها حين تفكر بالهجوم على احدهما أو كليهما، ثم تحالفت «حماس» مع اندلاع «الربيع العربي» بحماقة ومراهقة سياسية، مع قطر التي قادت ذلك الفعل الشيطاني، ومع الإخوان المسلمين الذين أغراهم بريق السلطة حين لاح لهم في تونس ومصر، حتى نسوا أنفسهم، وحين سقط الإخوان في تونس ومصر وانحسر دور وتأثير قطر وحتى تركيا، باتت «حماس» لا حليف لها، لكنها ظلت تصد البوابة الداخلية التي تكفيها ذل الآخرين، وترفض ارتداء العباءة الوطنية لأن ذلك يعني تخليها عن طموحها الذاتي وعن نتائج انقلابها، ونقصد نظام حكمها المستبد لقطاع غزة.
لم تهتم «حماس» في سبيل الإبقاء على إمارتها، لا بكل ما جرّته على الناس من حروب ومن حصار ومن ثم فقر وجوع ومرض وبطالة، ولا على جملة المخاطر التي وضعتها على طريق المشروع الوطني الفلسطيني، ولا بما أحدثته من انقسام داخلي بغيض لم يقتصر على الانقسام السياسي، بل جرّ معه انقساما جغرافيا، لولا أن الشعب الفلسطيني يمتلك الخبرة الكفاحية الكافية لأصابه اليأس من جرائها.
ولم تهتم أبدا إلى حقيقة أنها تقدم أسوأ نموذج للحكم، بل والأنكى من كل هذا أنها واصلت سياسة «استعباط الناس والاستهبال عليهم» من خلال الاستمرار في ممارسة دور المعارضة وليس السلطة، بل وأكثر من ذلك انعدم لديها الخجل الأخلاقي، فهي ظلت تقوم «بابتزاز» ما تبديه السلطة من مسؤولية وحكمة عبر المطالبة بأن تستمر السلطة بتمويل نظام حكم الانقلاب وتقديم كل ما يحتاجه قطاع غزة من خدمات!
لم تختلف «حماس» كثيرا في أول حكمها عن نظام حكم طالبان في أفغانستان الذي سبقها في الحكم، وقدم لها نموذجا من حيث فرض التزمت على المجتمع، دون منظومة قانونية، بل ظلت «حماس» تحكم غزة كما لو كانت «حزب اللهو الخفي» خاصة بعد أن اضطرت لحلّ حكومتها، بعد اتفاق الشاطئ، عبر ما سمي اللجنة الإدارية، وعبر الجهاز الأمني أو العسكري الذي يحكم من تحت الأرض ومن وراء الكواليس بالقوة العسكرية.
كل مظاهر العمل المدني أو الديمقراطي اختفت من قطاع غزة، فلا انتخابات لنواد أو بلديات أو جامعات، وانتشرت الشعوذة والدجل مترافقة مع الجهل والفقر والمرض، وظلت «حماس» تواصل وهمها الديماغوجي المتمثل بإمكانية كسر الحصار عبر الطريق التركي، أو الصمود عبر المال القطري، ومشكلة «حماس» الأزلية أنها «صم بكم» لا تسمع من احد ولا تتقاطع مع احد، وهي حركة لا تثق بأحد ولا يناسبها إلا عالم على هواها.
في الحقيقة، كان الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على استعداد لإسقاط نظام حكم «حماس» بعد أشهر قليلة من حدوث الانقلاب، حين سار على الأقدام أكثر من نصف مليون إنسان من كافة مدن القطاع للتجمع في ساحة الكتيبة في الذكرى السنوية الثالثة لاستشهاد الزعيم الخالد ياسر عرفات في تشرين الثاني 2007، لكن حكمة وتعقل القيادة الفلسطينية التي كانت تعرف جيدا بأن «حماس» في سبيل الحفاظ على حكمها البائس على استعداد لارتكاب مجزرة يقضي فيها عشرات الآلاف من أبناء شعبنا، تدخلت ومنعت حدوث ذلك، ورغم هذا فقد نجم عن الاحتكاك الأولي سقوط عشرات الضحايا.
لم تتوقف «حماس» طوال اثني عشر عاما عن ممارسة كل أشكال التنكيل والقهر بحق أبناء شعبنا الفلسطيني في قطاع غزة. لكن شبعنا وقيادته احتملا وصبرا لعل وعسى تعود «حماس» يوما ومع مر السنين إلى رشدها وتقبل بإنهاء الانقسام على قاعدة تحقيق المصلحة الوطنية، لكن بعد أن أغلقت «حماس» أبواب إنهاء الانقسام تماما، وبعد أن مرت كل هذه السنين، فقد احتقن الشعب بما يكفي ويزيد وكان لا بد للمارد أن ينطلق وللعنقاء أن تعود للحياة.
ولأن «حماس» اكتفت بهز أكتفاها للمواطنين واهتمت فقط بحياة الرفاهية لقيادتها وكوادرها، حيث تتوفر الكهرباء والسيارات لبيوت ومقرات تلك القيادة فيما الشعب جائع.
وحين اضطرت حتى قطر لتحويل أموالها للمشاريع الصغيرة، لم تجد «حماس» من بديل إلا السطو على لقمة الجائع، فكان أن رفعت أسعار المواد الغذائية والسلع الأساسية وفرضت الضرائب، فخرجت الاحتجاجات بشكل سلمي وطبيعي ومشروع، بشكل عفوي ومستقل ومطلبي، لكن نظام الحكم العسكري لا يقبل أدنى الحقوق الطبيعية للبشر، ولا يعرف سوى القمع، لذا فإننا نعتقد جازمين بأن حماقة «حماس» ستذهب بالاحتجاجات الشعبية إلى ثورة ضدها لن تتوقف إلا بعد الإطاحة بحكمها، وأن ما هو مطلب معيشي اليوم، بسبب رد فعل سلطة اللصوص والقتلة، سيتحول إلى مطلب سياسي، غدا، حيث علينا ألا نتفاجأ إذا ما رأينا شعار «بدنا نعيش» المرفوع اليوم قد تم استبداله بشعار «الشعب يريد إسقاط حكم (حماس)» غدا.

ينشر بالاتفاق مع جريدة الأيام الفلسطينية

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة