ادموند س. فيلبس
باريس
يعاني الغرب من أزمة شديدة – وكذلك الاقتصاد. وأصبحت معدلات العائد على الاستثمار ضئيلة للغاية. وأضحت الأجور – والمداخيل بنحو عام – راكدة بالنسبة لمعظم الناس. ليس هناك رضا عن الوظائف الحالية، سيما عند الشباب، والمزيد من الأشخاص في سن العمل الغير مستعدين أو غير القادرين على المشاركة في القوى العاملة.
في الواقع، قرر معظم الفرنسيون منح فرصة أخرى للرئيس إيمانويل ماكرون، وهم الآن يحتجون على سياساته. وبالمثل، قرر العديد من الأميركيين إعطاء فرصة ثانية للرئيس دونالد ترامب، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل مماثلة. وصوت الكثيرون في بريطانيا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتحسين حياتهم.
ومع ذلك، لم يرغب الاقتصاديون في تحديد الأسباب الكامنة وراء هذه الأزمة وما يمكن فعله لاستعادة النشاط الاقتصادي. يمكننا القول إن الأسباب غير مفهومة جيدا. ولن يتم فهمها حتى يشارك الاقتصاديون في النهاية في مهمة إعادة صياغة كيفية تدريس الاقتصاد وممارسته. على وجه الخصوص، يحتاج علم الاقتصاد إلى ثلاث ثورات لا تزال تقاومها.
الأولى تتعلق بالإهمال المستمر للمعرفة غير الكاملة. في سنوات ما بين الحربين، طرح فرانك نايت وجون مينارد كينيز إضافة مهمة للنظرية الاقتصادية.
يجادل كتاب نايت الذي يحمل عنوان «المخاطرة، وعدم اليقين، والربح» (1921)، ونظرية كينز العامة بشأن «العمالة والفائدة والمال» (1936) بأنه لا يوجد أساس – ولا يمكن أن يكون هناك أساس – للنماذج التي تعامل صناع القرار كأن لديهم نماذج صحيحة لاتخاذ القرارات. أدخل نايت مفهوم مستقبل غير مؤكد، وأضاف كينز فكرة غياب التنسيق. لكن الأجيال اللاحقة من المنظرين الاقتصاديين تجاهلت بنحو عام هذا الانقسام. وحتى يومنا هذا، وعلى الرغم من بعض الأعمال المهمة في إضفاء الطابع الرسمي على أفكار نايت وكينز (لاسيما من قبل رومان فريدمان وزملائه)، فإن عدم اليقين -عدم اليقين الحقيقي، وليس الاختلافات المعروفة -لا يتم تضمينه عادة في نماذجنا الاقتصادية. (على سبيل المثال، قام روبرت ج. بارو وجيسون فورمان، بالتنبؤ باستثمارات الشركات الناتجة عن تخفيض ضريبة أرباح الشركات من قبل ترامب من دون أخذ نظرية عدم يقين لنايت بعين الاعتبار). لم تحقق ثورة عدم اليقين أي نجاح بعد.
ثانياً، ما يزال هناك إهمال للمعلومات المنقوصة. فيما أصبح معروفًا باسم «كتاب فيلبس أسس الاقتصاد الجزئي للتوظيف ونظرية التضخم»، ألقينا الضوء على ظاهرة أغفلها الاقتصاديون. إن المبالغة في تقدير العاملين لمعدلات الأجور خارج مدنهم تؤدي إلى تضخم الأجور، وبالتالي ارتفاع معدل البطالة بنحو غير طبيعي، والاستخفاف بمعدلات الأجور من شأنه أن يجلب مستويات الأجور المتساوية، وبالتالي انخفاض معدل البطالة بنحو غير طبيعي. عندما يفقد العمال وظائفهم في منطقة أبالاتشي، على سبيل المثال، فإنهم لا يملكون أي فكرة – أو تقدير جيد – عن معدل أجورهم خارج عالمهم والوقت الذي سيستغرقه العثور على الوظيفة. لذلك قد يبقون عاطلين عن العمل لأشهر أو حتى سنوات. هناك نقص في المعلومات وليس «المعلومات غير المتماثلة».
علاوة على ذلك، يرى الكتاب أن كل فاعل في الاقتصاد يتعلق بأي مفهوم يمكن أن يتخيله، كما وصف بينتر، وبذل قصارى جهده، كما أشار فولتير. لكن الباحثين في جامعة شيكاغو ابتكروا انموذجًا ميكانيكيًا حيث تكون البطالة مجرد احتكاكية وبالتالي مؤقتة – ما يطلق عليه انموذج الجزيرة. ونتيجة لذلك، لم يتم استيعاب ثورة المعلومات حتى الآن.
يتمثل التحدي الكبير الأخير في إهمال النظرية الاقتصادية للديناميكية الاقتصادية. في الوقت الذي يدرك فيه الاقتصاديون أن الغرب قد عانى من تباطؤ اقتصادي كبير، فإن معظمهم لا يقدم أي تفسير لذلك. أما البعض الآخر، المتشبث بأطروحات شومبيتر المبكرة حول الابتكار في كتابه الكلاسيكي 1911 بعنوان «نظرية النمو الاقتصادي»، فيستنتج أن حجم الاكتشافات التي قام بها العلماء والمستكشفون تقلص إلى حد كبير في الآونة الأخيرة. عملت نظرية شومبيتر على فرضية واضحة مفادها أن معظم الفاعلين في الاقتصاد يفتقرون إلى الإبداع. (وقد أشار إلى أنه لم يلتق قط بأي رجل أعمال مُبدع).
كانت هذه فرضية غير اعتيادية. يمكن للمرء أن يجادل بأن الغرب كما نعرفه -أو العالم الحديث -بدأ مع العالِم الكبير بيكو ديلا ميراندولا، الذي أكد أن كل البشر لديهم إبداع. وقد دفعت مخاوف العديد من المفكرين الآخرين -طموح سيليني، وفردية لوثر، وحيوية سيرفانتس، والنمو الشخصي لمونتين -الناس لاستعمال إبداعاتهم. في وقت لاحق، أكد ديفيد هيوم على الحاجة إلى الخيال، وأكد سورين كيركيغارد على قبول المجهول. وقد اعتمد فلاسفة القرن التاسع عشر مثل وليام جيمس وفريدريك نيتشه وهينري بيرجسون نظرية عدم اليقين واستمتعوا بكل ما هو جديد. ومع وصولهم إلى فئة كبيرة من الناس، أنتجت هذه القيم الابتكار المحلي في جميع مجالات القوة العاملة. لقد كان المؤرخ الأمريكي والت روستو في عام 1952 أول من أدرك ظاهرة الابتكار على مستوى القواعد الشعبية من قبل جميع أنواع الأشخاص الذين يعملون في جميع أنواع الصناعات، وقد وصفها المؤرخ البريطاني بول جونسون بشكل واضح في عام 1983. قمت بتحليل أصولها في كتابي الذي يحمل عنوان «ازدهار الكتلة» لعام 2013.
لذلك لم يكن من الواضح على الإطلاق أن أطروحة شومبيتر ستدمج في النظرية الاقتصادية. ولكن عندما قدم روبرت سولو، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، انموذج النمو الخاص به، أصبح من الممكن افتراض أن «معدل التقدم التقني»، كما يطلق عليه، كان خارجيًا بالنسبة للاقتصاد. لذلك لم يتم النظر في فكرة امتلاك الناس -حتى الأشخاص العاديين الذين يعملون في جميع الصناعات -للخيال من أجل تصور سلع وأساليب جديدة. وكان يمكن استبعادها لو تم طرحها. تم وقف ثورة الديناميكية في النظرية الاقتصادية.
ومع الركود العظيم وعدم الرضا الوظيفي، يبدو أن هناك فرصة لإدخال الديناميكية في النموذج الاقتصادي. إن القيام بذلك أمر ضروري. لقد تطلبت أهمية فهم الاقتصادات الراكدة الجديدة جهداً لإدماج الخيال والإبداع في نماذج الاقتصاد الكلي. منذ حوالي عقد من الزمان، أشرت إلى أننا لا نستطيع فهم الأعراض التي ظهرت في الدول الغربية حتى نقوم بصياغة واختبار فرضيات صريحة بشأن مصادر أو أصول الديناميكية.
إن هذا التقدم النظري سيمنحننا الأمل في تفسير ليس فقط النمو البطيء لإجمالي إنتاجية العامل، ولكن أيضا تفسير عدم الرضا الوظيفي. لا يمكن جعل أميركا عظيمة مرة أخرى، ولا يمكن جعل فرنسا عظيمة مرة أخرى، ولا يمكن جعل بريطانيا عظيمة مرة أخرى إلى أن تشارك شعوبها مرة أخرى في التفكير في طرق أفضل للقيام بالأشياء ولخوض رحلاتها إلى المجهول.
تم اقتباس هذا التعليق من خطاب ألقي في جامعة باريس دوفين في 15 يناير / كانون الثاني 2019.
إدموند س. فيلبس حائز على جائزة نوبل في الاقتصاد عام 2006، مدير مركز الرأسمالية والمجتمع في جامعة كولومبيا
بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org