صباح محسن
معضلة الانظمة المنقسمة بين شمال وجنوب، بين اشتراكية مغلفة بدكتاتورية مقبولة شعبيا، واخرى في الجنوب تعيش تحت نعمة الرأسمالية بتقليد فج ، يحدث ذلك بين انظمة ودول تتشابه في طباعها، وخُلقها ، والاكثر تأثيرا هو تشابه ساكنيها، ومن عرق أصفر بلا اضافة ألوان أخرى ! وتلك معضلة تعانيها بعض الدول المتجاورة، وبحدود متداخلة، وشواطئ مشتركة، وارض واحدة، تفككت بفعل صراع دولي، وعدم قبول البعض للبعض الآخر تحت ضغط مريب من قوة الأيديولوجيا .
جزيرة واحدة، لكنها مقسّمة بين شمال وجنوب، مثالا الكوريتين، ومثلهما تتشابه بالصراع والحذر والتشكيك وحتى الحرب دولا أخرى تتجاور في حدودها، ومياهها ، وبعض من تداخلات اجتماعية غير منفصلة .
وهي، بالتأكيد تُفيد بهذا الصراع، وعدم قبول بعضها لبعض شركات انتاج السلاح، وبعض المرتزقة واولئك العابثون بأمن الشعوب ساعة صراع
.انها معضلة الجغرافيا ، وهيمنة التسلط ، والايغال بفكرة الحرب تحت ضغط تاريخ تنتج العداء، وهذا ما يحصل بين الكوريتين، وبأساليب شتى، وفيلم الجاسوس يتجه شمالا ينشغل بتلك الأزمة المشتعلة منذ اربعين عاما، وكأن حالها يتجدد .
لكن الفيلم كرس إيغاله بفكرة إزالة الانفعال عن المتوارث عبر مطاحن من حروب مباشرة ، وصراع خفي لا ينتهي، يتجسد بمناوشات فكرية، وثقافية، واخرى تلبس رداء الحرب للحظة .
ولأنها حرب جارين متشابهين، فرقت بنهما السياسة والايديولوجيا وصراع المحاور، مما تسببت بإشعال حنين مُبيّت بين ثنايا شعبي البلدين، بحكم التفكك..؟
لم يأتي بجديد المخرج يون جونج بين، وهو ايضا كاتب السيناريو عن كتاب بنفس العنوان لكاتب كوري جنوبي، من حيث تناول الثيمة، اذ تم محاصرة موضوعة الفيلم بالصراع الاستخباراتي بين البلدين، عبر وكلاء مدججين بفكرة الاخلاص للوطن، ليمضي الفيلم على وتيرة واحدة من خلال استخدام كلا الطرفين لعملائه المخلصين بواعز وطني لزج، الكثير من الطروحات عبر حوارات مريبة ومحاطة بالشك والترقب، والمراقبة ، بعيون وأذان متواريتان بأجهزة تنصت غاية في الدقة والتسلل، مع ترقب مرعب من طرفي العملاء خوف انكشاف امرهم .
جاء الفيلم متشابها مع افلام امريكية انتجتها هوليوود واخرى شرقية كنموذج السينما المصرية في تناولاتها لفكرة الصراع العربي الاسرائيلي بطريقة سوبرمانية، وكما تفعلها السينما الهندية والباكستانية في انتاج افلام تتناول الصراع بينهما على كشمير .
ولأن عمر السينما الكورية الجنوبية ليس ببعيد، فهي تعتمد مناهج واساليب اخراجية من دول لها باع طويل في هذا المضمار، واقربها لذلك الافلام الهوليودية بما تتمتع به من تجربة ومران طويلين .
الفيلم بحث فكرة الصراع الاستخباري، وتمحور على طول وقته بتلك الثيمة، بإدارة محكمة لظروف وملابسات التعامل في هذا المجال المحفوف بالمخاطر، وخاصة الوضع الداخلي لكوريا الشمالية ونظامها المغلق بشكل يثير الخوف لدى كل من يفكر باختراق جانبه الامني .
الفيلم انتاج كوري جنوبي، وممثلين اغلبهم من نفس الجانب، باستثناء بعض النجوم الذين تم زجهم بنهاية الفيلم مثل المغنية الكورية الشمالية وهي تلتقي المغنية الجنوبية الشهيرة آي هيوري بأشراف رجال امن مشتركين بين الدولتين، وهذا المشهد يُذكرنا بفيلم بمشهد مماثل لكن بطريقة وزاوية نظر مختلفتين بفيلم الراعي الجيد الذي اخرجه روبرت دي نيرو وتمثيل مات ديمون، وموضوعة الصراع الروسي الامريكي استخباريا، وتطور العلاقة المتكافئة بين رجلي مخابرات البلدين وتقديمهما لكلٍ منهما هدية نهاية العمل.
ما يُحسب للفيلم هو التحكم المذهل بالانتقال من مشهد لآخر بسلاسة ووعي، ودوران كاميرا محكم، ومواقع تصوير تتشابه مع الاماكن التي بحثها الفيلم مثل قصر الرئيس الكوري الشمالي الاب، وطريقة الوصول اليه الصعبة والمحاط بالمنعة والمحكم امنيا، من خلال واجهات عسكرية منضبطة وحذرة، وفخامة القصر وتعدد ابوابه ومداخله .
جرت تلك المراسيم بعد اختراق عميل الاستخبارات الجنوبي « بلاك فينوس وهو اسم حركي اطلق عليه من قبل جهاز الاستخبارات الوطني الجنوبي، والذي يكشف الفيلم ضمن مجرياته خيانتهم للرئيس الجنوبي والذي سيخسر الانتخابات امام منافس يحبه الشعب لقلعة الاستخبارات الشمالية بالتعاطي مع فكرة اقناع الجانب الشمالي وللحصول على الاموال بابتكار شركة اعلانات عن البضائع الكورية في الجنوب والصين، ولتنفيذ ذلك المشروع يحتاج العميل الجنوبي لاختراق الاراضي الشمالية لتغطيتها بالصور على اساس تشجيع الجانب الجنوبي للاستثمار فيها، والهدف هو تصوير موقع بيرمنجون النووي ، وبالتعامل مع رجل الحزب الشيوعي لكوريا الشمالية الصارم والذي يشك حتى بأصابعه !
ليتنقل العميل الجنوبي بين اروقة الحزب الشيوعي الشمالي ويتناول الطعام والشراب وليصل حتى قلعة الشمال المرعبة والمحصنة الحاضنة للرئيس الاب، وليلتقيه بعد اجراءات امنية احترازية تقطع الانفاس ليكشف له عن مشروعه امام رضا وارتياح الرئيس الشمالي الاب، والمحب للويسكي الامبريالي كما اظهره الفيلم.
حفل الفيلم بالكثر من المشاهد المفتوحة على الداخل الكوري الشمالي واوضاع الشعب هناك، والاعدام لكل من تسول له نفسه خيانة النظام، ويسلط الضوء على تل من جثث الخونة يعبث بها مجموعة من اطفال متوحشين يأكلون بعض من اجزاء تلك الجثث المتكومة على ذاك التل المليء بجثث الخونة وعويل ذويهم عليهم برقابة مشددة من رجال امن لا يرحمون.
حصر الفيلم وقائعه بتاريخ منتصف التسعينات كبداية للأحداث وبعد تشكيل مشرع الاعلانات المزمع بين البلدين، من عام 1992 ولغاية 1997، لينتهي بعد كشف تلاعب وخيانة عملاء كبار من قبل الطرفين وصلت خيانتهم لدفع كوريا الشمالية وعبر عملاء متعاونين من الجهة الثانية لشن معركة على الحدود المشتركة بهدف اسقاط الرئيس الاكثر حظوظا بالفوز بانتخابات كوريا الجنوبية دفاعا عن الرئيس الحالي ، لكن اللعبة يتم كشفها بشق الانفس وبإشارة من رئيس كوريا الشمالية الاب وهي يحتسي الويسكي الامبريالي.
طاقم العمل ﺇﺧﺮاﺝ: يون جونج بين، ﺗﺄﻟﻴﻒ يون جونجبين، سيناريو كيون سونج هوي،
تمثيل هوانج يونج مين، لي سونج مين، شو جن، وونج جو جيجون