خلط مربك… معاداة الصهيونية جزء من معاداة السامية في فرنسا

آية عبد العزيز

مع استمرار احتجاجات «السترات الصفراء» لما يقرب من ثلاث أشهر، ومحاولة القيادة الفرنسية احتواءها على جميع الاصعدة، تمهيدًا لاستعادة الاستقرار في البلاد، والتغلب على حالة الفوضى التي أحدثها المتظاهرين في البلاد.
أصدر الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» خلال الحفل السنوي للمجلس التمثيلي للمؤسسات اليهودية بالعاصمة الفرنسية قرارًا أن «معاداة الصهيونية هي شكل حديث من معاداة السامية». وذلك يوم الأربعاء المصادف 20 فبراير/ شباط 2019.
موضحًا أن فرنسا ستعتمد في مراجعها ونصوصها التعريف الجديد لمعاداة السامية ليشمل معاداة الصهيونية، ولكنها لن تدخل في سياق قانون العقوبات، حيث طالب «ماكرون» في إطار حملة التصدي لمعاداة السامية بحل ثلاث جمعيات –(باستيون سوسيال، بلود آند هونور إيكساغون، كومبا18) – تابعة لقوى اليمين المتطرف، بوصفها جمعيات عنصرية، ومعادية للسامية، تسهم بتنشر الكراهية والعنف.
كما أعلن عن اقتراح مشروع قانون جديد في مايو/ أيار 2019، لدعم حملة التصدي لجميع أنماط الكراهية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عبر فرض عقوبات قضائية ومالية على الأفراد والمنصات التي يتم من خلالها الترويج لكل أشكال العنصرية والكراهية. (1)
في المقابل، رحب المؤتمر بإعلان «ماكرون»، مُعدين إنها البداية لطريق طويل لتحويل المفهوم إلى قانون ملزم لكل الأطراف المعنية، وعليه يجب أن يُتبع القرار إجراءات ملموسة لضمان تنفيذه بكفاءة وفعالية. (2)
محفزات القرار الفرنسي
جاء قرار توسيع مفهوم معاداة السامية ليشمل معاداة الصهيونية، كرد فعل على ما تعرض له فيلسوف يهودي فرنسي «آلان فينكلفروت»، إبان مظاهرات السترات الصفراء لإهانة تضمنت وصفه بـ»الصهيوني القذر». بجانب قيام مجهولين باقتحام ما يقرب من ثمانين مقبرة يهودية في شمال شرق باريس في منطقة الألزاس.
وعليه فقد خرج عشرات الآلاف من الناس إلى الشوارع في جميع أنحاء فرنسا للاحتجاج على الارتفاع الأخير في الهجمات اللاسامية، مع بعض القوى السياسية والحزبية بما في ذلك الرؤساء السابقين «فرانسوا هولاند» و»نيكولا ساركوزي»، ورؤساء مجلس الشيوخ والجمعية الوطنية لشجب الأعمال المعادية للسامية، وما ينبثق عنها من سلوكيات عدائية تجاه الفرنسين من أصول يهودية.
والجدير بالذكر، إنها لم تكن المسيرات الأولى المنددة بجرائم اللاسامية فقد كانت هناك مسيرات أخرى وعلى الأخص في ربيع عام 2018 بعد مقتل اليهودية «ميراي نول» البالغة من العمر 85 عامًا في باريس. وفي عام 2006، تسبب مقتل اليهودي «إيلان حليمي» الذي تعرض للتعذيب حتى الموت من قبل جماعة سرية، في موجة احتجاج وطنية. (3)
وذلك بالتزامن مع تنامي حالات الجرائم المعادية للسامية في فرنسا التي بلغت نسبتها حوالي 75% في عام 2018، بعدد إجمالي 531 حالة. بالرغم من كونه رقمًا مرتفعًا إلا إنه يعبر عن تراجع كبير في عدد الجرائم المرتكبة ضد اللاسامية فقد بلغ في 2014 ما يقرب من 851، متراجعًا عن أيضًا عن عام 2004 الذي شهده رقمًا كبيرًا بلغ 974. (4)
فيما اقترح بعض النواب بإصدار قانون يُجرم معاداة الصهيونية نتيجة تزايد حدة الجرائم في فرنسا الصادرة من بعض القوى المنُضوية تحت مظلة اليمين المتطرف، وبعض الإسلاميين الفرنسين، علاوة على اليسار المتطرف الذي ينادي بمعاداة السامية تأييدًا للقضية الفلسطينية. (5)
الحصانة الإسرائيلية داخل المجتمع الفرنسي تكمن دلالات القرار الفرنسي في حماية اليهود والإسرائيليين داخل المجتمع الفرنسي الذي يعاني من جذور عميقة لمعاداة السامية ليس هذا فحسب، ولكنه يحمل في طياته رفض انتقاد السياسات الإسرائيلية بنحو عام، ويرفض أي نشاط شعبي موجه لها أو معادي مثل حملات مقاطعة منتجات المستوطنات التي تمثل رسالة رفض ضمنية من الشعوب على مستوى العالم لسياسات إسرائيل العدائية وجرائمها ضد الشعب الفلسطيني.
جسد القرار انتصار لدولة إسرائيل يوازي قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس واعتبارها عاصمة لها، الأمر الذي سينعكس بنحو سلبي على القضية الفلسطينية وحق العودة، علاوة على نجاح إسرائيل في الخروج من حالة التضيق والخناق التي قد تمارسها الشعوب ضدها على خلفية ما تقوم به من انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني، ومقدساته الدينية.
وذلك لان توسيع مفهوم معاداة السامية الذي ينص على تجريم معاداة التابعين للدين اليهودي، ليشمل معاداة الصهيونية التي تمثل أيديولوجية سياسية تنتهجها بعض القوى اليهودية، ما هو إلى تطويق لأي انتقاد موجه نحو السياسات الإسرائيلية على جميع الأصعدة، استطاعت من خلاله القيادة الإسرائيلية في توظيفه لخدمة مصالحها، وتماديها في احتلال الأراضي الفلسطينية بدون ردع شعبي واضح.
ترسيخ العلاقات الفرنسية الإسرائيلية
يعد إعلان «ماكرون» الخاص بمعاداة الصهيونية بكونها الشكل الحديث لمعاداة السامية، تحول كبير في علاقات باريس بإسرائيل التي تتميز بالتعاون والتنسيق على جميع الأصعدة، فقد احتلت إسرائيل المرتبة 48 في قائمة العملاء لباريس، والمرتبة 34 في قائمة الفائض التجاري عام 2017.
في المقابل، احتلت باريس المرتبة 12 في قائمة الموردين لإسرائيل، والمرتبة العاشرة في قائمة عملائها لعام 2017. كما ارتفع حجم الواردات الفرنسية إلى إسرائيل لما يقرب من 1.3 مليون يورو أي بمعدل 4.3% في عام 2017. (6)
لذا ستشهد العلاقات بين الجانبين مزيدًا من الترابط والتعاون، حيث تم تعزيز العلاقات بينهم بإرضاء الجالية اليهودية المتمركزة في باريس التي تمثل أكبر جالية من نوعها في أوروبا، تقدر بنحو 550.000 شخص. (7) وتعد ركيزة أساسية من ركائز المجتمع الفرنسي المتنوع. هذا بجانب توافد أعداد كبيرة من الفرنسيين نحو إسرائيل، يسهمون في نشر القيم الفرنكوفونية، حيث تختضن إسرائيل ما يقرب من 700 ألف فرنكوفوني، أي ما يبلغ إلى 20% من عدد السكان. (8)
إجمالًا، يدرك الرئيس الفرنسي حجم التحديات المتزايدة التي تواجهها فرنسا في الآونة الأخيرة، مُتبنيًا سياسات فعالة لتصدي لها، وتجنبًا لحالة عدم الاستقرار التي تكاد تعصف بمستقبله السياسي.

الهوامش

  1. «ماكرون: معاداة الصهيونية هي شكل حديث من معاداة السامية»، سبوتنيك عربي، 21 فبراير 2019.http://cutt.us/a2KST
  2. «ماكرون يعتبر معاداة الصهيونية «شكلاً حديثاً من معاداة السامية»»، الحياة، 22 فبراير 2019.http://cutt.us/g8b0B
  3. Thousands take to streets of France after antisemitic attacks», The Guardian, 19-2-2019. https://www.theguardian.com/world/2019/feb/19/antisemitism-protest-marches-to-take-place-across-france
  4. «ماكرون: التطرف الإسلامي شكل جديد لمعاداة السامية»، روسيا اليوم، 21 فبراير 2019.http://cutt.us/w9zNc
  5. «معاداة السامية ومعاداة الصهيونية في فرنسا»، مونت كارلو الدولية، 22 فبراير 2019.http://cutt.us/8czSf
  6. «الدبلوماسية الفرنسية»، موقع وزارة الخارجية الفرنسية، الرابط:
    https://www.diplomatie.gouv.fr/ar/afrique-du-nord-et-moyen-orient/israel/la-france-et-israel/
    المركز العربي للبحوث والدراسات
  7. «Thousands protest against anti-Semitism in France», BBC, 19-2-2019. At:
    https://www.bbc.com/news/world-europe-47300117
  8. أنظر «الدبلوماسية الفرنسية» مرجع سابق.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة