معالجات مجتمعية


أفرز الاحتلال الداعشي لعدد من المحافظات العراقية آثارا نفسية واجتماعية ماتزال الوحدة المجتمعية  بنطاقها الأصغر العائلة تعاني منها وتتمثل هذه الآثار بسلوكيات فردية مشوهة وممارسات وردود أفعال سلبية أضعفت من الترابط الروحي في النسيج المجتمعي العراقي واضاعت الجهود بتعزيز القيم الوطنية والتمسك بأواصر الاخوة والعيش المشترك ما بين العراقيين على مر التاريخ   وتسببت ايضا  بتفاقم ظواهر القلق واليأس من المستقبل وتبدد الامال باستعادة المصالحة المجتمعية التي جرى الحديث عنها  طويلا في المنابر والمجالس وعزز من هذه المظاهر التراجع  الكبير في النشاط الاقتصادي وفقدان فرص العمل وتدهور الأوضاع الأمنية من جديد بعودة عمليات الخطف والقتل من قبل عصابات داعش الارهابية في مناطق  الموصل  والانبار وصلاح الدين  وديالى وضعف التواجد الأمني للقوات العراقية في عدد من المدن والقرى والقصبات مما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا المغدورين ولابد من الإشارة إلى أن خطط الحكومة التي جرى الاعلان عنها بعد تحرير المدن العراقية من قبضة داعش و مشاريع إعادة اعمار المدن المحررة ماتزال تشكو الإهمال ومع مرور الزمن تتعقد الاوضاع الاجتماعية وتضيق فرص العيش لفئات عديدة من سكان هذه المناطق كما ان التدمير الذي لحق  البنى التحتية للكثير من المرافق  والمنشآت ضاعف من معاناة  الناس هناك وبقيت معالجات الحكومات المحلية قاصرة وتحكمت الخلافات السياسية بالكثير من مسارات الحلول للقضايا والملفات التي يجري تداولها في جلسات مجالس المحافظات وكان من المأمول ان تعي الحكومة الاتحادية  حجم المخاطر والتهديدات لمرحلة مابعد داعش وان تتعامل بواقعية مع المشكلات الكبيرة    التي  توقع الكثيرون بروزها على  السطح منذ ان تم دحر آخر فلول داعش الإرهابي  وتتحدث أوساط سياسية وأمنية مجتمعية عن مخاطر عودة الأوضاع المتأزمة إلى بعض المناطق مع غياب التنسيق الحكومي وغياب القدرة على وضع حلول الكثير من المشكلات الأمنية التي تعرقل تحسن الأوضاع الاقتصادية في مناطق غربي العراق وفي الموصل وديالى وصلاح الدين مما يدفع الشباب العاطلين عن العمل إلى التشكيك بالوعود التي قطعها رئيس الوزراء والحكومة بإعادة الحياة للمناطق المنكوبة   ويحاول تنظيم داعش الإرهابي  من خلال بقاياه استغلال هذه المساحات من القلق والنفاذ بمحاولات إجرامية للتذكير بوجوده والتشبث بالبقاء  في   المشهد الاجتماعي وبث الدعاية وتشويه اي مبادرات للاقتراب  من سكان المناطق المحررة ويجب ان لا تستهين الحكومة العراقية بقدرات داعش على العودة مجددا إلى المناطق التي كان يحتلها ويجب عليها ايضا ان لا تغالي كثيرا بمستوى توقعاتها واطمئنانها بوجود رفض شعبي لأية  عودة لمجاميع هذا التنظيم مادامت المعالجات المجتمعية ضعيفة ومفقودة في الكثير من مفاصل الحياة لسكان المناطق المحررة وفي ظل تباطؤ الدعم الدولي وتلكؤ تنفيذ مشاريع اعادة الأعمار وانشغال الحكومة الاتحادية بقضايا داخلية وخارجية تترك الباب مفتوحا للطامعين والحاقدين الطامحين  بإعادة البلاد إلى مربعات الموت والظلام وتسمح بعودة نشر الفوضى وتهديد الأمن والاستقرار في العراق ..ان وجود برنامج متكامل يحيط بالآثار النفسية والاجتماعية التي تركها احتلال داعش المدن العراقية والإسراع بتنفيذ الحلول وإيجاد المعالجات لهذه الآثار سيؤمن حصانة حقيقية للدولة من محاولات الاختراق  ويفشل المخططات الرامية لإعادة تدوير نشر غسيل الدماغ والتغرير بأجيال  جديدة من الشباب العراقي  وسلخه من نسيجه الوطني 

د. علي شمخي

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة