عندما نقرأ ما طالبت به مفوضية الانتخابات لمجلس النواب، من ضرورة اجراء تعديلات على (12) مادة في قانون الاحزاب المقر من مجلس النواب السابق؛ يتاكد لنا طبيعة الدور والوظيفة المسندة الى ما يعرف بـ “المفوضية المستقلة للانتخابات” وكذلك باقي الهيئات والمؤسسات التي اوجدتها المحاصصة بعد الفتح الديمقراطي المبين. تعديلات لا تخرج عن فن وتقنية اللعب بالصيغ والديباجات وما عرف عنا من مآثر الرطانات والفزعات التشريعية. تعديلات لا علاقة لها بروح وجوهر التحول الديمقراطي ومغزى وجود الاحزاب السياسية ووظائفها الاجتماعية والقيمية والسياسية. وبالنسبة لي شخصيا لا أستغرب مثل هذه الفعاليات لمفوضية ادارت أسوأ عملية انتخابية شهدها البلد بعد “التغيير”، فهي وجدت من اجل خدمة الكتل المتنفذة وما يسمى بـ “أحزابها” المتنافرة وأبسط شروط ومعايير وجود الاحزاب السياسية الحديثة، وعلى رأس ذلك عدم السماح بتأسيس أحزاب على اساس اثني أو طائفي، او امتلاكها لأجنحة عسكرية وغير ذلك من شروط ومبادئ عرفتها كل الامم والشعوب التي وصلت لسن التصويت الحضاري.
ليس من باب المصادفة أبدا، أن ينحدر المشهد السياسي والاقتصادي للبلد نحو الأسوأ مع كل دورة انتخابية. هذه الحقيقة التي يحاول عبثا سياسيو الصدفة وفرسان الخراب الحالي، نكرانها أو الالتفاف حولها؛ يدركها تماما لا المتابعين لحال العراق وحسب بل الناس البسطاء من الذين سحقت احلامهم وتطلعاتهم المشروعة احدى أكثر الطبقات السياسية فسادا وفشلا في تاريخنا الحديث. وكما تطرقنا مراراً الى ان هذه الآفاق المسدودة في النشاط السياسي والتشريعي، يعود في قسم كبير منه الى ما تعرض له العراق طوال أربعة عقود من نظام توليتاري، سحق كل ما له صلة بحيوية المجتمعات والدول، أي التعددية ووجود الاحزاب السياسية المعبرة حقا عن حاجات العراقيين الاجتماعية والسياسية والقيمية، أحزاب ترتقي بالمجتمع ومؤسسات الدولة لا أن تتحول الى جسر لشتى انواع القوارض البشرية لاسلاب الدولة وامتيازاتها وعقاراتها، تحت شتى الذرائع العقائدية البائسة.
ما يجري لدينا ورغم أنف الادعاءات والاستعراضات والمزاودات الزائفة؛ لا يخرج عن حدود اعادة ترميم وترسيخ لنفوذ هذه الكتل المستلقية بكل استرخاء على تضاريسنا الممتدة من الفاو لزاخو. وهم يعيدون ترتيب اولوياتهم ومدوناتهم بكل اطمئنان وثقة، فلا وجود لأية قوى أو نشاطات جادة يمكنها الوقوف امام ما يرسمونه للدورات الانتخابية المقبلة، وان وجدت فهي عبارة عن محاولات فردية ومحدودة، لا تعيقهم عن تجديد الثقة بمفوضيتهم، واعادة ترتيب لجانهم البرلمانية وفقاً لمعايير السلة الواحدة وغير ذلك من ابتكارات طركاعتنا الخاصة بـ “العدالة الانتقالية”. ليس هناك ادنى شك من حاجتنا الماسة لوجود قانون وتشريعات تنظم عمل ووجود الاحزاب والتنظيمات السياسية، قانون يكبح كل هذا التشرذم والهوان المستشري (وجود أكثر من 200 حزب وتنظيم) ويؤسس لمناخات وشروط ولادة أحزاب جديدة تعيد الحياة للمشروع الوطني والحضاري، بعيدا عن سكراب القبائل السياسية الحالية. اننا بحاجة لقانون لا يحمي ويرسخ هيمنة هذه “الأحزاب” المسؤولة عما لحق بالعراق من دمار وتشرذم واستنزاف؛ بل لقانون يساعد على تقويضها وتمهيد الطريق لولادة جيل جديد من التنظيمات تنتشل مشحوفنا المشترك من هذه القسمة العاثرة والمصائر المريرة…
جمال جصاني