أنا وحاييم : مُساءَلة الثورة روائياً

كه يلان مُحَمَد

شأنَّ أي مشروع آخر فإن الثورة تُصاحبها في البدايات نزعةُ طوباوية ولولا هذا الزخمم الرومانسي ماتحملَّ أصحاب المشروع الثوري الصعوبات وسرعان ما إقتنعوا بأمر الواقع،إضافة إلى ذلك فإنَّ من يمثلُ الطليعة الثورية يعبرُون عن الضمير الجمعي وذلك مايخلعُ عليهم رداءالقديسين ،هذا لايعني أنه لايوجدُ من يعارض التيار الثوري ويحاول نزع السحر من هؤلاء الرافضين للوضع القائم لعل مايلاحظه المتابعُ للأعمال الروائية التي تناولت ثيمة الثورة هو الإنقسام بين التدبيج للثورة من جهة أو التنقيب عن أخطائها من جهة أخرى هذا الإستقطاب إنعكس بالوضوح في مقالات صحافية وليس فقط في الأعمال الروائية والدراسات التاريخية فقط غير أنَّ الروائي الجزائري الحبيب السائح آثر أن يتخذَ مسلكاً مُغايراً في روايته المعنونة (أنا وحاييم) الصادرة بطبعة مشتركة مؤخرا من مسكيلياني تونس – ميم الجزائرية وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة البوكر. إذ يعالجُ روائياً لحظة مفصلية في تاريخ بلده من مستوى جديد.ويرصدُ تداعيات وجود الإستعمار الفرنسي في الجزائر ملمحاً إلى حادثة المروحة التي تذرع بها الفرنسيون لزحفهم نحو الجزائر.حيثُ أن الأجيال اللاحقة من الجزائريين كان عليهم الإقتناعُ بمايرويهُ الوافدون عن الدافع وراء إحتلال بلدهم حيث يستعيدُ أرسلان ماسمعهُ من أستاذه الفرنسي في ثانوية المُعسكر وإحضاره لصورة الداي حسين التي تظهره يلطم القنصل الفرنسي دوفال وتأييده للغزو العسكري عقاباً على هذا التصرف المهين لممثلي الدولة الطامحة للدور الإمبراطوري .طبعاً الخيط الذي يفصلُ بين سرد الحبيب السائح والمادة التاريخية البحتة هو إيراد المعلومة بصيغة الحوار على لسان الشخصيات والإشارة إليها دون الإغراق في التفاصيل.كما لايتجاهلُ الكاتبُ وقائع مابعد الععهد الإستعماري ومارافقها من الظواهر التي كانت خطراً على بنيان المجتمع الخارج لتوه من تجربة مريرة مُنخرطاً في الإختبار المصيري.وبذلك يضعُ حبيب السائح خطاً ثالثاً يوفرُ إمكانية مقاربة الموضوع الشائك بأبعاده المُختلفة.

سرد مُحايد
بالنظر لما ذُكِر آنفاً يمكنُ توصيف منحى السرد في رواية (أنا وحاييم) بالمُحايد ومايسوغُ ذلك هو مُعالجة المُعطي التاريخي بيعداً من المُنطلق الآيدولوجي والتعبوي تنطلقُ حركةُ السردِ مع إستعادة الراوي (أرسلان) مُعتمداً على ضمير المُتكلم للحظة إلتحاقه بثانوية معسكر مُحدداَ الزمن الذي يفصلهُ عن ذاك اليوم.ومن ثُمَّ يسترسلُ في رواية مراحل حياته بدءاً من طفولته مروراً إلى سنوات الجامعة ومعرفته بصادق وحسيبة ومشاركتهِ في نشاطات الطلبة ومُغامراته في إختلاس اللذة إذ أنَّ مايجمعُ أرسلان بصديقته الفرنسية ليس الإهتمامات المشتركة والخلفية اليسارية بل الإيمان بأنَّ الحرب لاتحولُ دون نشوء الحب في زيارتها لأخيها الجريح بمدينة وهران تصادفُ وجود أرسلان إذ يمضي الإثنان أوقاتاً مُفْعِمَةً بصخب الحب أكثر من ذلك يحتفظُ إبنُ مدينة سعيدة بصورة الفتاة التي يسميها حاييم بالرومية.وماهو ملفت في هذا السياق هو عدم تنكر الراوي لماتربي عليه وما أن يمرَ على مدينة تلمسان حتى يتذكر أمنية جدته ربيعة بزيارة مقام سيدي بومدين ويمشي إلى الضريح تقديراً لها ومايضفي حساً شعبياً لهذا العمل هو الإشارة إلى التقاليد وأنواع المأكل والألبسة فضلاً عن المُفردات الخاصة بالبيئة الجزائرية كما يوازنُ الكاتبُ بين مايذكره عن تطورات الثورة بين تضاعيف الرواية ومُتابعةِ أنماط الحياة العادية لشخصياته المُتخيلة.إذ تتداخلُ أطياف الحب وأخبار إستشهاد الثوار جراء الإشتباكات مع المُحتل.وبذلك ينفتحُ قوس السرد على ثيمات مُتعددة.ولن تكون ثيمة الثورة مهيمنةً على فضاء العمل.إلى جانب الثورة تتواردُ موضوعة التعايش والحب والحنين والإنتماءعطفاً على ماسبق ينجحُ مؤلف (زمن النمرود) في إظهار النزعة العنصرية من خلال مايطلقُه الفرنسيون على أبناء البلد إذ تتواترُ كلمة الأنديجان المُحملة بشحنة الإستعلاء والإستهانة ضد الآخر.وفي هذا الإطار تأتي إحالاتُ إلى إحتلال ألمانيا لفرنسا ومشاركة الجزائريين في حرب التحرير ضد النازية.فوالد علي يُمثِلُ نموذجاً للضحية بينما يخرجُ في الحرب ضد ألمانيا مُعاقاً يخسر إبنه في الثورة على المحتل الفرنسي،لايقفزُ الراوي على نماذج إنسانية سامية من الجالية الفرنسية موريس بيريه أبان عن رؤية مُتفهمة للمطالبة بالحرية ورفض الوصاية الإستعمارية.هكذا يغطي الكاتبُ الموقف على كل المستويات.

البطولة المشتركة
يبدو واضحاً من العنوان أن البطولة تتقاسمها شخصيتان في الرواية (أرسلان) المشار إليه على الغلاف بضمير المُتَكَلِم وصديقه (حاييم) فالأخير ذوأصول يهودية وهو ندُ للراوي في النهوض بالسرد كما أنَّ العلاقة بين الإثنين ليست تنافسية أو ضدية بقدر مايمكن وصفها بالتكاملية.مع أنَّ حاييم لايشاركُ في الثورة ولايلتحقُ بهم في الجبل لكن صيدليته تتحولُ إلى مصدر لتمويل الثورة فيما أن معظم أتباع الديانة اليهودية يغادرون الجزائر إلى أن يصبحَ بعد الثورة معبدهم (البيعة) مهجوراً أو يهدمُ وعندما يسألُ الراوي صديقه أين سيذكر الله بدون المعبد فيردُ بسؤال إستنكاري مافائدة بيعة لم يعدْ لها مؤمنون. تكتسبُ شخصية حاييم دلالة رمزية فمن جانب يشيرُ إلى ماكان يتصفُ به المجتمع الجزائري من تنوع ووئام على المستوى الإجتماعي كما يكشفُ عن تأزم عميق عاشه بعضُ الجزائريين بعد إسدال الستار على عهد الإستعمار فهو يضحي بحبه لغولدا التي تعقد موافقتها على الإرتباط به بالهجرة إلى أرض الميعاد ولعل الحوار الذي يدور بين حاييم وغولدا من أكثر فقرات تأثيراً وتشويقاً إذ تراقب التمزق بين الإنتماء إلى تاريخ ساهم حاييم في صناعته وحبٍ سيكون مجردَ ذكرى وليس أكثر. أضفْ إلى كل ما سلف فإنَّ دور المرأة لم يكنْ ثانوياً في جيش التحرير تنضمُ زليخة إلى الثوار بعدما تثأر لأبيه وتقتلُ آلان بورسيه.كما تشهر المسدس ملوحة بالتهديد لمن يريدون السطو على بيت صيدلية حاييم مُستغلين فوضى مابعد الثورة. كما ذكرنا في بداية المقال فإنَّ هذه الرواية ليست تعبوية لذلك يضمنُ كاتبها إنتقادات جريئة لمرحلة مابعد الإستعمار إذ يفصحُ أرسلان عن مخاوفه ويخبرُ رفيقه زياد بأنَّ القادم سيكون أسوءَ كما يسرُ بذلك لحبيبته زليخة بينما تعتبر ماهو قائم مرحلة إنتقالية.يُحسب لهذه الرواية التنظيم على المستوى الزمني إذ تتداعي ذكريات أرسلان إبن أحد أعيان مدينة سعيدة حين يتوقف أمام باب بيت صديقه إلى أن يفارق الأخير الحياة في مستشفى وهران ولاينقطعُ تيار السرد قبل الإشارة إلى ماشهده البلدُ من الإنقلابات. وفي إنصراف الراوي إلى مهنة التدريس إشارة ذكية إلى أن التحديث يتطلب عقلية جديدة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة