في قصر اللآلئ بمدينة فرّارا معرض (حالات النفس ) يبحث في العواطف
رومـــا ـ موسى الخميسي:
الحب والاكتئاب، الرغبة والرهبة، الاحلام والاغتراب، الامومة والفرح كل ذلك في تمثيل فني ينطلق مما هو نفسي بالحقيقة ليخلص الى دينامية النزعة المستقبلية : المعرض الفني «حالات النفس. الفن والنفس بين ٱبرفياتي الى بُـتْشوني» هو فعلا بحث مبهر ومثير حول العواطف؛ معرض تبوأ من قاعات قصر اللآلئ بمدينة فرارا مكانه ومكانته من يوم 03 مارس الى غاية 30 يونيو.
في قلب المشروع العلمي للمعرض، الذي تولى العناية به كل من كيارا فُـرّازي، فرناندو مَـتْـزُكّا وماريا اغراسيا مسّينا، نجد الرغبة في توثيق النمط التعبيري الذي استخدمه الفنانون الذين عاشوا بين القرن 19 والقرن 20 لعلاج المشاعر وهي مادة لطيفة ومعقدة: لقد تمكنوا من كسر الخطاطات التقليدية في هذا المجال ليبدعوا حروف هجاء بصرية جديدة نجحوا بها في الترجمة بنجاعة عن المشاعر في اعمالهم الفنية، حتى وان كان ذلك بفعل الدفع الذي امدتهم به الدراسات العلمية التي خصصت للنفس البشرية وللاّوعي. وبقدر نجاحهم في ذلك تمكنوا من جعل المشاهد (لاعمالهم) ملاحظا ذا امتياز، ساحبين اياه الى غاية الولوج في اعمالهم حتى من وجهة نظر عاطفية (شعورية).
اما الرجل الكبير لمجرى ومرسى هذا العرض فهو الفنان غايتانو برفياتي الذي يعد من رواد شاعرية حالات النفس ، والمهتم والملتزم بالكشف على قماش اللوحة عما لا يُرى والذي هو بطبيعته غير قابل للان يمسك؛ اذ انه مخفي في الثنايا الباطنية للانا.
وفعلا فان ابريفياني نفسه، بتطور بحثه الصوري والمضموني، هو الذي خط المسلك الذي سيقود فيما بعد من الرمزية ومن التقسيمية نحو تجريد ودينامية ذوي النزعة المستقبلية الاولين. ومن لوحة ‹باولو وفرانشيسكا› التي رسمها مرتين (الاولى سنة 1887 و الثانية سنة 1909 والتي عرضها في بينالي البندقية) الى الوشائج التاملية للوحته ‹نور القمر› (1888-92)، ومن عمله الفني المعلمي ‹امومة› (1891) الى مثيرة الشهوة والقاتلة ‹اكليوباترا› (1903) ؛ ومن اثيرية ‹رقصة الساعات› (1899) الى لوحته المحيرة ‹وحيدي القرن› (1888-90)، فان اعماله الفنية تفتح حوارا متصلا مع كل الفنانين الذين نجدهم في المعرض.
العديد من اكبر الاعمال الفنية التي نجدها في المعرض هي عبارة عن نماذج للثراء الفني لتلك السنين: ‹ذكرى الم› (1889) للفنان بليتسا دا فلبادو، ‹الطفلة المريضة› ( (1896) للفنان ادفارد لونخ، ‹الحب الهارب› للفنان اوغست رودان، ‹مريم في المعبر من سفينة الى اخرى› (1886) و ‹ملك (لا من المُلك بل من الملائكة) الحياة› (1894) لـيوحنا سيغانتيني، لوحة ‹الطفلة الضاحكة› (18898-99 لـمداردو رُسُّو و»ثلاثية الموادات› (1910) لـجاكُمو بـالاّ، ‹محطة ميلانو› (1911) لـكارلو كرّا وصولا الى ‹الضحكة› (1911) لأمبارتو بتشوني التي تغلق المعرض غلقا مثاليا، في هذا المجرى العرضي والاستعراضي كل شيء هو عبارة عن احالة الى معان وعلاقات.
هذا العرض، الذي اقتضى مشروعه ثلاث سنوات من العمل بدءًا من التفكير فيه كمنشود الى تاويله كموجود (جعله متعينا حقا)، قد صار ممكنا بفعل اقتراضات (لاعمال الفنانين) استثنائية سمحت بها العديد من المتاحف الايطالية والعالمية (من متحف ‹غنام› بروما الى الى متحف ‹موما› بنيويورك) ومن جامعي الاعمال الفنية من الخواص.
والنتيجة كانت شهادة – اديت بنجاعة خاصة- على مرور (عبور) حاسم في تاريخ الفن وذلك بفعل المصفوفة الموحية والملهمة وعديمة النظير (لمكتب رفالّي الفني) التي يبدو فيها الظلام وكانه ‹حامٍ› للوحات، للرسومات، للتماثيل المنحوتة وللصور الفوتوغرافية ليضفي على كل عمل نتوءه الخاص به.
في هذا العرض نجد الزائر وكانه قد اخذ بيده ومٌكّن من الولوج في قصة محورية (ذات محور) قصت بعناية واستثارة جاذبة وشادة: من قاعة الى قاعة بل من قاعة بعد قاعة، في شبكة من العلاقات تنتسجها الاعمال الواحد منها مع الاخر يبدو وكاننا نغوص في خميرة ثقافية جعلت من الحماس والحيرة التي ميزت ووسمت مرور الفن من القرن 19 الى القرن 20، عندما وجد الفن نفسه محاورا للحداثة المتقدمة بخطى كبيرة وحثيثة جالبة معها تغيرات وضروب تفكير جديدة في المجال العلمي، التقني، الاجتماعي والحضري.