د. أحمد عدنان الميالي
بعد تسعة أشهر من الانتخابات تشكلت الحكومة اللبنانية برئاسة سعد الحريري، حكومة لا تختلف عن الحكومة السابقة التي ترأسها، طريقة التشكيل القيصرية ترتبط بطبيعة النظام السياسي التوافقي القائم على الطوائف والذي غالبا ما يشهد تعطيلا للعملية الديمقراطية في ظل تجارب سياسية اعتادت على الشغور الرئاسي والفراغ الحكومي، مما يؤشر استمرار أزمة الحكم وتراجع الاداء الانجازي وتشابك المصالح الذي لن يحلها تشكيل الحكومة الحالية.
أزمة النظام السياسي اللبناني أصبحت تتعمق منذ اغتيال رفيق الحريري وانسحاب الجيش السوري من لبنان، هذه الأزمة تعكس صراع الارادات السياسية، إذ أدت عدم القناعات المتبادلة للقبول بالآخر بين الفرقاء، إضافة إلى تنافر صلاحيات وأدوار الرئاسات الثلاث إلى استنساخ مشهد التعطيل ومحاولات الاستحواذ على السلطة والدولة معا.
هذه المآزق الدستورية والانتخابية بسبب حدة الانقسام السياسي المنعكسة دوما على مشهد تشكيل الحكومة وشغر الرئاسة وهيمنة مشهد التعطيل، أفرزت سيادة منطق الغلبة والقهر في تنظيم الاختلافات، وقد نجح حزب الله في فرض ارادته في تشكيل الحكومة، وأصبح هو الفاعل السياسي الرئيس في لبنان منذ عام ٢٠٠٨ بعد أتفاق الدوحة الذي أستند عليه الحزب في فرض مقرراته بديلا عن أتفاق الطائف، وبعد تموضع الحزب في الساحة السورية ونجاحه في عام ٢٠١٦ بتمرير تسوية وصول ميشال عون زعيم التيار الوطني الحر إلى الرئاسة، نجح حزب الله نتيجة لهذه المعطيات في الانتخابات التشريعية في مايس اذار 2018 بعد حصوله على أكثرية نسبية إلى حدٍ ما في البرلمان.
ومن خلال نسجه للتحالفات مع التيار الوطني وحركة أمل والحزب التقدمي الاشتراكي وتيار المردة، تحت قبة البرلمان، بات الحزب هو اللاعب الأساس في ملف تشكيل الحكومة، بعد حلحلة ما سُمي بعقدة تمثيل الأطراف السابقة من فريق ١٤ آذار على وفق نظام المحاصصة، بعد أن تعطل تشكيل الحكومة في آخر لحظة من شهر تشرين الثاني المنصرم تحت مبرر عدم تمثيل النواب السنة المتحالفين مع حزب الله والمقربين من النظام السوري ومحاولة فصلهم عن حصة المكون السني عن تيار المستقبل الذي يرأسه رئيس الوزراء سعد الحريري بعد أن كان مصراً أن يكون التمثيل السني من خلال تياره، لكن إرادة حزب الله استقرت في فرض منطق الغلبة واستيزار من أرادوه الوزير السني حسن مراد ممثلا عن اللقاء التشاوري وعن حصة رئيس الجمهورية التي فصلت عن حصة تياره الوطني الحر.
هذا المأزق الداخلي الذي تعيشه لبنان مما لا شك فيه يرتبط ويتزامن مع انعكاسات التوترات الإقليمية التي برزت بنحو واضح من خلال القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في بيروت في شهر كانون الثاني الماضي، والتي أخرت تشكيل الحكومة لأنه مقابل عدم حضور سوريا كان ممنوعاً على سعد الحريري تشكيل حكومته.
الأزمة الاقتصادية الطاحنة، أجبرت حلفاء المحور الإيراني والسعودي في لبنان على الخروج من الأزمة ومحاولتهم تحريك حالة الشلل المؤسساتي التي خيمت على لبنان، هذا الشلل المستمر منذ عام ٢٠٠٥ كان له بالغ الأثر على النظام السياسي اللبناني لجهة فتح مسارات التدخل الاقليمي وتأثيرها على موازين القوى الداخلية.
وهذا أتضح بعد المقاطعة العربية لقمة بيروت وإنذار بانهيار اقتصادي لبناني، هذه العوامل هي التي أسهمت بتعجيل تشكيل الحكومة بعد مخاضات عسيرة، فالمخاوف من هذا الانهيار الاقتصادي والمالي جراء ارتفاع نسبة الدين العام إلى 141% من أجمالي الناتج المحلي ما سجل أعلى نسبة في العالم، إضافة إلى الخشية من فقدان المساعدات الاقتصادية التي أقرت في مؤتمر سيدر. أجبرت كل من سعد الحريري وجبران باسيل إلى اللقاء في باريس من جديد واستعارة مشهد تسوية ٢٠١٦، كما كان الضغط الفرنسي حاضرا بعد الإتفاق على تطبيق مقررات مؤتمر سيدر، خاصة بعد إعلان الرئيس ايمانويل ماكرون نيته زيارة بيروت مما وضع آثار ملموسة في تعجيل الاتفاق بتشكيل الحكومة.قد ترسم معالم تشكيل الحكومة علامات انفراج لدى المواطن اللبناني لكنها لن تمثل ربحا ملحوظا له، لكنها تؤشر ربحا صافيا للمتحاصصين مع بروز دور وقوة حزب الله في المعادلة السياسية، ومع إعلان رئيس الحكومة عن بدء العمل لكن الغاء وزارة الدولة لشؤون مكافحة الفساد ووزارة الدولة لشؤون التخطيط وهما وزارتان متوازيتان مثل إعلانا بأن مكافحة الفساد لا داعِ لوجوده ولا يعني للسلطة شيئا، كذلك الغاء وزارة الدولة لشؤون حقوق الإنسان يعني أن هذا الملف قد تم التخلي عنه وأن انتهاك حقوق المواطن اللبناني ليس محط اعتبار او نظر، وبهذه الإجراءات، تصبح احزاب وقادة السلطة غير معنية من أي التزام إجرائي داخل الحكومة أمام هذه الملفات.
غياب وزارات الدولة لمكافحة الفساد والتخطيط وحقوق الانسان، واستحداث وزارتين بعناوين فضفاضة كوزارة لشؤون التجارة الخارجية ولشؤون تكنولوجيا المعلومات حتى يكتمل التوافق السياسي بثلاثين وزارة مع منصب نائب رئيس الوزراء والتجديد لثلاثة عشر وزير من الحكومات السابقة، لا تبشر أبدا بالخير في بلد صغير مهدد بهدر طاقاته وامكانياته عبر الفساد والمحاصصة وانعدام المحاسبة والمساءلة والشعور الوطني.
مع ذلك، وجود الحكومة أفضل من عدمها خاصة مع وجود أربع نساء فيها، لكن هل يجب أن يعتاد اللبنانيين على حكومة بلا فاعلية ولا قرار؟، ومتى يرى اللبنانيون حكومة فوق الطوائف لا تحتها؟.
مركز المستقبل للدراسات الاستراتيجية