وقت اتخاذ القرار بشأن مستقبل ضرائب الشركات

خوسيه أنطونيو أوكامبو
نيويورك

للوهلة الأولى، يبدو اجتماعا بيروقراطيا كأي اجتماع آخر. لكن المناقشات التي سيشهدها مقر منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في باريس نهاية هذا الشهر تعد ذات أهمية قصوى، لأن أغنى دول العالم ستقدم مقترحات جديدة لنظام فرض الضرائب على الشركات الرقمية متعددة الجنسيات مثل جوجل، وأمازون، وفيس بوك، وأبل، ونتفليكس، وأوبر.
في عام 2012، عندما فجرت الفضائح المتعلقة بمخططات التهرب الضريبي من جانب أبل وأمازون وجوجل غضبا شعبيا، وأجبرت مجموعة العشرين على التحرك، طولبت منظمة التعاون الدولي والتنمية بإصلاح النظام الدولي لضرائب الشركات. وقد أفضى هذا، بعد ثلاث سنوات، إلى حزمة من الإصلاحات عُرفت باسم مشروع «تآكل الوعاء الضريبي وتحويل وجهة الأرباح». وقادت دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية عملية الإصلاح التي لم تُفتَح للدول النامية إلا بعد الكشف عن هذه الحزمة. واليوم يبلغ عدد الدول المشاركة في عملية الإصلاح 125 دولة تشكل مجموعة تسمى «الإطار الشامل».
لا شك أن مشروع تآكل الوعاء الضريبي وتحويل وجهة الأرباح كان خطوة مهمة باتجاه التصدي لبعض مخططات التهرب الضريبي الأكثر فظاعة التي تتبعها الشركات متعددة الجنسيات. فقد بدأ هذا المشروع على سبيل المثال في مشاركة تقارير خاصة بكل بلد على حدة بشأن أرباح تلك الشركات ومدفوعاتها الضريبية ونشرها بين السلطات الضريبية. لكن للأسف سيطبق هذا الإجراء على الكيانات الضخمة من الشركات متعددة الجنسيات فقط، كما لن تكون التقارير متاحة للعامة، مما يعني حرمان المجتمع المدني من أداة أساسية ومهمة للشفافية.
كما فشل المشروع في الوصول لجذور المشكلة، وهي أن الشركات ما تزال حرة في نقل أرباحها إلى أي وجهة تريدها والاستفادة من المناطق التي تنخفض فيها للغاية معدلات الضرائب المفروضة. فقد نقلت جوجل مثلا 19.9 مليار يورو (22.7 مليار دولار) من خلال شركة صورية هولندية إلى برمودا في عام 2017، وفي نفس العام، دفعت فيسبوك 7.4 مليون جنيه إسترليني (9.6 مليون دولار) فقط كضرائب في بريطانيا، رغم تحقيقها إيرادات بمبلغ 1.3 مليار إسترليني هناك.
وبوسع الشركات متعددة الجنسيات فعل هذا بطريقة شرعية باستعمال ما يسمى بالتسعير التحويلي، ومعناه أن تضع الشركة الأم أسعار المعاملات بين فروعها لضمان تسجيل الأرباح في الدول التي ينخفض فيها المعدل الضريبي، بدلا من المكان الذي حقق فيه النشاط الاقتصادي أرباحا بالفعل. على سبيل المثال، كشفت فودافون، وهي أول شركة كبرى متعددة الجنسيات تتطوع بنشر بيانات أرباحها بحسب كل بلد على حدة، أن 40% تقريبا من أرباحها لعامي 2016-2017 أرسلت إلى ملاذات ضريبية، مع إعلان أرباح بقيمة 1.4 مليار يورو في لكسمبورج، اذ لا يزيد المعدل الفعلي للضريبة المفروضة على الشركة هناك على 0.3%.
وقد نجد ظاهرة التهرب الضريبي في كل القطاعات الاقتصادية، لكن الشركات الرقمية تُظهر مدى قدم نظام الضرائب الدولي الحالي، لأن هامش تكلفة الإنتاج لمثل هذه الشركات صفر، والإيرادات التي تحصلها تشبه الريع، وبالتالي من المهم فرض ضرائب على هذا الريع بنحو فعال، ولن تؤثر مثل هذه الضرائب بنحو سلبي على تقديم الخدمات، على عكس ما يدعيه قادة تلك الشركات.
ترى اللجنة المستقلة لإصلاح النظام الدولي لضرائب الشركات التي أتولى رئاستها أن عملية مشروع تآكل الوعاء الضريبي وتحويل وجهة الأرباح قد حققت ما بوسعها، إذا أخذنا في الاعتبار العضلات السياسية للشركات الكبرى وجيش المحامين والمحاسبين الذين لهم مصلحة شخصية قوية في الإبقاء على الوضع الراهن. وفي أحدث تقرير أصدرناه، راجعنا وقيمنا ما أنجزناه وألقينا الضوء على ما ينبغي حدوثه في المرحلة التالية من عملية الإصلاح «الإصدار الثاني من المشروع».
لذا يكون الاجتماع المقبل لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية حاسما في هذا الشأن. فللمرة الأولى ستقدم المنظمة لدول الإطار الشامل، بما في ذلك الدول النامية، الخطوط العريضة لخطة النسخة الثانية من مشروع تآكل الوعاء الضريبي وتحويل وجهة الأرباح، ورؤيتها لكيفية إحداث تحول أعمق في نظام الضرائب في مواجهة التحديات التي يشكلها الاقتصاد الرقمي. وبالتالي يمثل هذا الاجتماع فرصة فريدة لكل حكومات الدول المائة والخمسة والعشرين في الإطار الشامل كي تحث منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على نبذ ما يسمى بالتسعير التحويلي والتحرك نحو نظام أكثر عدلا وفعالية.
لكن عدم التوصل إلى إجماع حتى الآن بشأن كيفية فرض الضريبة على الشركات الرقمية متعددة الجنسيات حدا بدول عديدة لتنفيذ (كما فعلت الهند وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا) أو الوعد بتنفيذ (كما في حالة بريطانيا) نظام ضريبي يقوم على إجمالي المبيعات، كتدبير علاجي مؤقت لزيادة الإيرادات. غير أن مثل هذه التحركات أحادية الجانب ليست كافية.
وتعم اللجنة المستقلة لإصلاح النظام الدولي لضرائب الشركات كل المناقشات الموجهة صوب فرض ضرائب موحدة على الشركات متعددة الجنسيات، الأمر الذي من شأنه القضاء على استعمال هذه الشركات لسياسة الأسعار التحويلية لنقل الأرباح من مكان لآخر، لأن دخلها العالمي سيُدمج حينئذ. ومن ثم يصبح من الممكن توزيع الأرباح العالمية وما يتعلق بها من ضرائب جغرافيا وفقا لعوامل موضوعية مثل مبيعات الشركة، ووظائفها، ومواردها، وحتى مستخدميها الرقميين في كل دولة. كما ندعم بشدة إدخال معدل أدنى عالمي فعال لضرائب الشركات يتراوح بين 20 و25% على كل الأرباح التي تجنيها الشركات متعددة الجنسيات.
تتمثل الأولوية العليا الآن في تأسيس نظام دولي لضرائب الشركات يتناسب مع الاقتصاد الرقمي. وقد وضعت الدول المتقدمة بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية فكرة مشروع تآكل الوعاء الضريبي وتحويل وجهة الأرباح بما يناسبها هي فقط في الأساس، وعلى الدول النامية التي ستحضر اجتماع باريس نهاية هذا الشهر أن تدرك أوجه المخاطر في القضية، وأن تُسمع الآخرين صوتها كي تضمن عموم الفائدة من أي مقترح جديد يُطرح.

ترجمة: أيمن السملاوي
خوسيه أنطونيو أوكامبو عضو مجلس إدارة بنك الجمهورية، وهو البنك المركزي لدولة كولومبيا، وأستاذ في جامعة كولومبيا، ورئيس لجنة السياسات الإنمائية في المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، ورئيس اللجنة المستقلة لإصلاح النظام الدولي لضرائب الشركات.
بروجيكت سنديكيت
www.project-syndicate.org

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة