يشكّل الحدث العامل الاساسي والرئيسي في عملية السرد، فهو الذي يعطي الصورة المتفاعلة للمكان من خلال الاحداث الجارية فيه، ولكن ماذا عن السكون؟ ماهي البُنى الصورية التي يستعين بها السرد عندما ينعدم الحدث في المكان ويملأه السُكون وماهي تفاعلاته وتأثيراته في المكان وهو الأمر المختلف تماما لحالة التفاعل مع الحدث في المكان؟
ان الحالة المناسبة لتصوير الاحساس بالسكون والتفاعل معه في المكان سرديا هو الأيحاء بأن لاتحرك ساكنا فيتولد الأحساس أن (السكون عمَّ ارجاء المكان) حسبما توحيه التعبيرات السردية.
للسكون احساس له مميزاته، وأول هذه المميزات هي انعدام الاحساس بمرور الزمن مقارنة مع الحدث (في حالة تسارعه مثلا) كما انه قد يعطي اشارة ايجابية للتفاعل وهو (الشعور بالهدوء) او تفاعلا سلبيا (الشعور بالعزلة والابتعاد) كما ان السكون يمكن ان يمنح للأشياء الموجودة في المكان الخالي من الحدث قيمة أكبر لتأكيد وجودها بالمقارنة مع حالة طغيان الحدث الذي يجعل الموجودات ثانوية في المكان عبر عملية السرد.
كذلك تستعين عملية السرد في بعض الاحيان بالتصويرات المبنية على الحدث لا عطاء احساسا أعمق للشعور بالسكون مثل صوت دقات القلب او دقات عقارب الساعة في المكان الساكن او صوت الرياح القادمة من البعيد، اي انها تأثيرات حسّية تزيد من قيمة السكون وحجمه في المكان.
كما تستعين عملية السرد بأسلوب آخر يجعل من السكون امرا لاتُعرف قيمته الحسية الا بعد أنتفاءه عن طريق ادخال حدث قوي ومفاجئ الى المكان الذي يسيطر عليه السكون كأن يقال (شق الصراخ السكون الذي كان قائما) او (دخل الشخص واقتحم هدوء المكان)، وهذه الاحداث تنبه القارئ الى ان السكون كان ذا تأثير قوي في المكان قبل ان يدخل حدث أقوى في الصورة التي يقدمها السرد.
وبالعودة الى البداية في أن الحدث هو العامل الرئيسي في السرد وان السكون او انتفاء الاحداث يأخذ الحيز الأقل الا انه يبقى ذو تأثير مهم على القارئ وبدونه لاتوجد قيمة ذات معنى لتوالي الاحداث من خلال ربطها بالسرديات التي تتناول السكون وتوقف الحدث، بل ويمكن ان يكون السكون في عملية السرد حجر زاوية لنهاية احداث وبدء احداث اخرى من خلال احتواءه لعنصر التهيأة للحدث القادم.
عمار حميد مهدي
السكون في السرد
التعليقات مغلقة