مغتربة تساعد ضحايا الحرب منذ 10 سنوات والبعض يدعوها كأم

زارت الموصل في احلك الظروف
الصباح الجديد ـ متابعة:

حين بدأت الحرب على العراق في عام 2003 كان من الصعب للغاية على نضال كرمو المقيمة في مقاطعة أوكلاند أن تجلس من دون فعل أي شيء لمساعدة العراقيين.
وفي عام 2007 ذهبت الصيدلانية كرمو في أول رِحلة إنسانية لها الى العراق في مهمة لمساعدة ضحايا الحرب. ومنذ ذلك الحين قامت بعشرين رِحلة إنسانية الى العراق، إذ بدأت مع جمعية العالم الواحد الطبية غير الربحية، وهي منظمة تُقدم الإغاثة الى مجتمعات الشرق الأوسط.
كانت رِحلتها الإنسانية الأخيرة الى العراق في شهر تشرين الأول الماضي واستمرت على مدى شهر كامل، وكان هناك المزيد من المساعدات التي جلبتها، أكثر مما هو معتاد لكل رحلة.
في هذه المرة كانت هناك حاويتان من المساعدات الإنسانية مع امدادات طبية بقيمة 665 ألف دولار أوصلتها الى 11 مستشفى في كردستان والموصل التي تُعّد ثاني أكبر مدينة في العراق.
لأكثر من عقد من الزمن سلمت كرمو ما لا يقل عن واحدة أو اثنتين من الحاويات المملوءة بالامدادات في كل مهمة إنسانية. قالت كرمو، هذه لرحلة واحدة فقط، ويمكن أن تتخيل ما قمنا به في 20 رِحلة من هذا النوع.
تُساعد كرمو في الحصول على الامدادات وتعبئتها في الحاويات في مدينة ديترويت، إذ تذهب الى تركيا ومن ثم الى العراق في نهاية المطاف.
في عام 2014 احتلت الدولة الإسلامية مدينة الموصل وجعلتها معقلاً قوياً لها وأنذرت المسيحيين فيها إنذاراً قاسياً مما حملهم على الفرار من ديارهم، إذ كان الانذار، التحوّل الى الإسلام أو دفع الجزية أو الموت.
قامت كرمو بزيارة الى العراق في العام نفسه لإيصال الامدادات الى ضحايا الأزمة. وبعد 4 سنوات وبعد تحرير الموصل زارت كرمو المدينة خلال رحلتها في تلك السنة.
قالت كرمو، ذهبت الى أكثر الأماكن خطورة في هذه الرحلة، ذهبت الى الموصل استحلها داعش مدة 4 سنوات وليس من المفترض أن أذهب. كنت أسير حول الكنائس وبين المباني التي دمرها داعش، ما تزال هناك الجثث تحت النفايات والأنقاض، رأيت حقائب الظهر والأحذية الرياضية مبعثرة في كل مكان، شممتُ رائحة الجثث وبدأتُ في البكاء. وبعد 5 أيام من مغادرتي للمدينة، وقعت مأساة في المكان نفسه الذي زرته حيث انفجرت قنبلة وقتلت 3 أطفال.
وقالت، أنا لا أخاف فالعراقيون يحمونني وهم يحبونني، وإن المخاطر المرافقة للرحلات الإنسانية هي بلا شك تستحق المجازفة.
وكرمو تقدم المساعدات الضرورية التي تُعّد مهمة جداً لبقاء العراقيين على قيد الحياة والتي من غير ذلك لا يمكنهم الحصول عليها. ويشهد بذلك الفرق بما نقوم به، وإن توقفها ليس خياراً.
كانت المستشفيات التي زارتها في هذه الرحلة تفتقر الى الامدادات الطبية والجراحية وهي بحاجة ماسة، وإلا كيف يمكنهم معالجة الناس حين لا يمتلكون التجهيزات المناسبة. وهكذا، حصلت المستشفيات على الكثير من امداداتنا، والآن يمكنهم مساعدة الناس، ويمكنهم القيام بالعمليات الجراحية لأنهم في النهاية أصبحوا يمتلكون المعدات الجراحية.
وكرمو هي كلدانية، والكلدان هم من الكاثوليك العراقيين، إذ تُعد مدينة ديترويت موطناً لأكبر تجمع كلداني في العالم خارج العراق. ويُقدر تعدادهم بنحو 160 ألف من الكلدان المقيمين في المنطقة، وفقاً لمؤسسة المجتمع الكلداني. وتُعرف كرمو بشكل واسع، للعراقيين الذين يُشيدون بها كبطلة، في المجتمع الكلداني لمدينة ديترويت وفي الخارج على أنها امرأة ذات إنسانية عالية ورحيمة. وقالت بأن العراقيين يدعونها “ماما” والدكتورة نضال، وهم يتمنَون أن أكون وزيرة الصحة في العراق فقد ساعدت العراقيين من جميع الخلفيات والطوائف الدينية.
وقالت، أنا أنظر الى الجميع على أنهم بشر، إذ أن يسوع المسيح لم يقل ساعدوا المسيحيين فقط. ترى الفقراء فتساعد أفقر الناس وترى المرضى فتساعد أكثر الناس مرضاً. كيف يمكنك رؤية شخص ليس لديه أيدي أو أرجل وتسألني إن كان مسيحيا أم مسلما أم ايزيديا. إن ذلك يؤلمني.
ولدت كرمو في العراق ووصلت الى الولايات المتحدة في عام 1980 ودرست في جامعة واين ستيت في ديترويت لتصبح صيدلانية. وقد حصلت على أكثر من 20 جائزة عن عملها الإنساني. وقالت لهذا أعطاني ألله الشهادة الجامعية حتى أتمكن من العودة ومساعدة شعبي، إنه شعور رائع فأنا مباركة.
وحتى قبل حرب العراق بوقت طويل شعرت كرمو أنها مدعوة لتكون إنسانية، وهي تتذكر مشاهدة الصراع الذي يتفجر ويصبح مدمراً. وكانت تعلم في أعماقها أنها في يوم ما ستعمل على مساعدة ضحايا الحرب.
لقد جلب دورها في المجال الإنساني هدفاً لحياتها. وتقول: أشعر أن هذا هو جزء من حياتي، فعملي هذا هو كالولادة التي عندها يجب أن لا يحدث التوقف، وأشعر الآن أن هناك معنىً لحياتي. لقد غير ذلك حياتي.
وشهدت بشكل مباشر الخسائر المدمرة للحرب على العراقيين. وقالت، أنها رأت كل هؤلاء الناس الذين فقدوا أرجلهم، وإذا رأيت تقاريرهم فلن تتمكن من النوم ليلاً، وقد رأت الكثير من الدماء وأجزاء الأجسام.
تستخدم كرمو وسائل الإعلام الاجتماعية للمساعدة في نشر الوعي حول محنة العراقيين، وتسهم في العديد من مقاطع الفيديو التي تنشرها في تصوير الوضع الذي يُواجه ضحايا الحرب.
قامت كرمو برحلات إنسانية أخرى الى هندوراس والأردن لمساعدة اللاجئين من الأزمة السورية المستمرة.
يشكو الكثير من العراقيين من تدهور نوعية الحياة منذ بداية الحرب على العراق. وقالت، إن معظم الناس الذين ساعدتهم في هذه الرحلة هم من طلاب الكليات الصغار الذين تعرضوا للقصف. ولمعظم هؤلاء الناس منازل جيدة ووظائف جيدة وهم ينحدرون من عائلات ثرية، ولكن تراهم الآن يتسولون في الشوارع.
وقالت، أن أكون سيدة أعمال وأقوم بالأعمال الإنسانية فإن ذلك أمراً صعباً، إن ظهري يؤلمني ولديَّ مشكلات خطيرة في الركبة، ولكني ما زلت حية، فأنا ما زلت أعيش وهذا هو كل ما يهمني. وكانت كرمو تمتلك 3 صيدليات، أما الآن فلديها صيدلية واحدة.
قالت، كان من الصعب للغاية إدارة 3 صيدليات والقيام بالعمل الإنساني معاً، إذ كان عليها الاختيار بين الاثنين. كان عليَّ الاختيار بين الصيدليات الثلاث وجمعيتي الخيرية. لم أستطع إدارة 3 صيدليات مع هذا النوع من العمل، وأضافت، أنا سعيدة بقراري.
لقد جعلها مشاهدة الدمار في الخارج الى التفكير في الأمور بطريقة مختلفة. وقالت، لكوني سيدة أعمال فأنا لاأشتري أشياء باهظة الثمن لنفسي، ولا تهمني الأشياء المادية على الإطلاق، فأنا أعلم أن 3 محفظات يمكن أن تُعيد طفلاً واحداً، وأعلم أين يمكن أن تذهب تلك الأموال.
الى جانب المساعدات الطبية، قامت كرمو بتقديم الأدوية والملابس والحفاظات ومنتجات النظافة وآلاف من العكازات والكراسي المتحركة بالإضافة الى مواد أخرى الى النازحين داخلياً من العراقيين والسوريين.
وقالت، لا توجد وظائف ولا يوجد مال للذهاب الى الطبيب أو لإعادة بناء المنازل. وقطاع الصحة الآن هو أسوأ من أي وقت مضى وهناك العديد من الناس الذين يُعانون من الأمراض الخلقية والسرطان ويموتون لأنهم لا يملكون المال ويفتقدون الى التعليم الجيد.
لقد استطاعت استحداث عيادة لطب الأسنان في العراق وهي تحتاج الى الدعم لتتمكن من الاستمرار. وتتلقى بإستمرار رسائل من العراقيين يطلبون المساعدة، وهذا هو السبب في أن العديد منهم ينتظرون بالفعل زيارتها القادمة. لكن مواردها محدودة ومساعدة الجميع غير ممكنة.
قالت بالنسبة لبعض الناس وحتى لو لم أتمكن من تقديم المساعدة لهم فإنهم سوف يتفهمون ذلك. وفي بعض الأحيان لا يوجد لديَّ ما يكفي، ومع ذلك لا يُصابون بالجنون بسبب ذلك، إنهم يصبرون، إنهم يحبونني حتى الموت. وإذا لم أتمكن من المساعدة في هذه المرة فهناك مرة قادمة.
وأضافت، بالنسبة لجميع الأشخاص الذين لم أتمكن من الوصول اليهم، لأنه لم يكن لديَّ ما يكفي، فأنا مستمرة بالقيام بالمهام الإنسانية، نحن ما زلنا هنا وما يزال لدينا الكراسي المتحركة والكثير من الإمدادات. لكنها غير متأكدة من موعد رحلتها الإنسانية القادمة، إذ يعتمد ذلك على مقدار ما تجمعه من المال. ولم تكن قادرة دائماً على جمع المال الكافي. وكانت أحياناً تستخدم أموالها الخاصة. وأضافت، هذه هي الطريقة الوحيدة، إذ كنت أتمنى أن لا أضطر لفعل ذلك، لكنها هي الطريقة الوحيدة. وحتى ربع الدولار يمكن أن يفعل أو يقطع شوطاً طويلاً في العراق. لقد شاهدت فتاة تشتري فطيرة بسعر 22 سنتا أميركيا، ولو تبرع كل شخص بدولار واحد لأمكن شراء 4 شطائر.
يبدو أن شغفها بالعمل الإنساني أقوى من أي وقت مضى، إذ قالت، أعتقد أنه لا أحد سيوقفني في مهمتي هذه لأنني حين أفعل ذلك أقوم به من أجل العالم، فإننا نحتاج فقط الى الاهتمام والعمل من دون أن نتوقع أي شيء في المقابل وسيساعد ألله على استمرار ذلك.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة