رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 58
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
اختلافات الاتحاد والبارتي
* وإذا تحدثنا عن الاختلافات بينكم و بين البارتي فماذا ستقول؟
– أول إختلاف بيننا، هو أن البارتي هو حزب عائلي، بمعنى أنه حزب العائلة البارزانية فحسب، والسلطة والقيادة هناك تنتقل بالوراثة من الأب الى الولد ومنه الى الحفيد، والقرار الرئيسي داخل الحزب بيد أفراد العائلة البارزانية. ولكن الإتحاد الوطني هو حزب عصري إنبثق من رحم الجماهير..
ثانيا: طبيعة تكوين البارتي يختلف عن الإتحاد الوطني.
ثالثا: البارتي يدعي أنه حزب ديمقراطي وطني، الإتحاد يعتبر نفسه حزبا إشتراكيا ديمقراطيا.
رابعا: أما حول صفات وطبيعة الاعضاء والكوادر وأصدقاء الحزبين فهناك إختلافات جوهرية لا أريد التطرق إليها.
المؤتمر الحزبي والوضع
الداخلي للإتحاد الوطني
المؤتمر الثاني
*دعنا نعود الى المؤتمر الثاني للإتحاد المنعقد في شباط 2001، كيف تقيم نتائجه؟
– أعتقد بأنه كان مؤتمرا ناجحا، وشكل بداية جيدة لتحول الإتحاد الوطني الى إتحاد حقيقي، وأعتقد بأنه حقق نتائج طيبة ومثمرة لإنهاء وإستئصال التكتلات الحزبية وإدانتها.وكان درسا بليغا لكل أولئك الذين قادوا تلك التكتلات، فقد خسروا الإنتخابات الداخلية وكذلك خسرت قائمتهم التنافسية، وهذا دليل على أن أغلبية الأعضاء كانوا ضد تلك التكتلات المضرة بالحزب، بالإضافة الى ذلك تم تعديل النظام الداخلي وتحسينه، وتم إقرار السياسة العامة للإتحاد والتي حددتها في التقرير السياسي الذي أعددته بنفسي وتم تقويم نهج الإتحاد الوطني وتحديده. وبالطبع صدرت مقررات مهمة لصالح قوات البيشمركة، ومع ذلك أعتقد أنه كانت هناك بعض النواقص وخاصة في إنتخاب أعضاء القيادة، فلم يفز في الإنتخابات بعض الرفاق المستحقين، وفاز أشخاص مع كل إحترامي لهم ولمن صوتوا له لكنهم لم يكونوا مؤهلين للقيادة.والتقصير الثاني هو عدم إشراك النساء في تركيبة القيادة الجديدة، وأحدث غيابهن ثغرة كبيرة بصفوف القيادة.وكان يفترض أن يكون المؤتمر أفضل من ذلك، ولكنه واجه ظروفا صعبة، وعلى كل حال كان مؤتمرا جيدا ولكنه ليس نموذجيا وبمستوى الطموح، وأرجو أن يكون المؤتمر القادم أفضا من هذا ويكون أكثر نموذجيا.
القيادة الجديدة في المؤتمر
* لقد أملت كما تقول بأن ينجح بعض الأعضاء للقيادة، لماذا تمنيت ذلك ولم يأخذ المؤتمر تمنياتك بنظر الإعتبار، هذا دليل على عدم مراعاة رغبة السكرتير العام، أم هو دليل على وجود الحرية و الديمقراطية داخل المؤتمر؟
– أولا، من أردته أن ينجح فشل، وتقدمت ببعض الأسماء فتمت الموافقة عليهم بالإجماع، أما الآخرون فتركتهم يواجهون مصيرهم بيد المقترعين، وهذا يعني بأنني وددت لو يفوزا بالإنتخابات ولكني لم أذهب لكي أعمل الدعايات وأجمع لهم الأصوات، فلو فعلت ذلك لفازوا بالتأكيد، فعلى سبيل المثال لو أعددت قائمة بهم وقلت بأن هؤلاء هم مرشحين مني، أعتقد بأن أعضاء المؤتمر كانوا سيصوتون لهم، ولكن هدفي الأساسي كان ضمان فوز رفاقي بالهيئة التأسيسية للإتحاد الوطني و رئيسي الوزراء فقط وقد نالوا موافقة الجميع بالتصفيق الجماعي.وإتفقت مع كوسرت أن يرشح الأخ جبار فرمان ونال هو أيضا موافقة الجميع، وأعتقد بأنني لو رشحت آخرين لكان بإمكانهم الفوز ولكني لم أفعل. وذلك لسببين:
الأول: لكي أتيح الحرية الكاملة أمام رفاقي لينتخبوا بحرية ممثليهم بالقيادة.
ثانيا: لم أرد أن يفهم الأعضاء بأن كل أمور الحزب أتصرف بها وحدي.
نائب السكرتير العام
* الآن تمر سنتان على إنعقاد المؤتمر الثاني ولحد الآن لم تعينوا نائبا للسكرتير العام، ألا تخشون أن تظهر الخلافات داخل الإتحاد لاحقا و تحدث إنشقاقات أو إنقسامات بصفوفه؟
– لا أعتقد ذلك، فأنت تعلم أنه طوال تاريخ الإتحاد الوطني كان كاك نوشيروان هو نائب السكرتير العام للحزب، ولكنه لم يتول هذا المنصب، ومنذ رفضع لم تطرأ أية ظروف خاصة أو موضوعية تتطلب ملء هذا المنصب من قبل رفيق آخر، سواء بإجماع الآراء أو بالأغلبية. وأنت تعلم بأن هناك توافقا عاما حولي داخل الإتحاد وبالأغلبية حتى الذين خالفوني قالوا “نرضى به لأنه يشكل ضرورة للإتحاد فليبق هو سكرتيرا عاما”، ولحد الآن لم تتحقق الأكثرية داخل الإتحاد حول أي شخص لكي نعينه نائبا للسكرتير، وأنا بإنتظار أن يظهر هذا الشخص ويكون مؤهلا لهذا الدور من الناحية الثقافية والنضالية ويدرك النهج القويم للإتحاد، وأن يحظى بقبول الأكثرية المطلقة . أما مسألة الإنشقاق والإنقسام، فإنه أمر غير يستبعد حتى في داخل أكبر الأحزاب السياسية، ولا أستطيع أن أدعي بأن الإتحاد سيبقى الى يوم القيامة متماسكا وموحدا، فحدث كثيرا في أوساط أحزاب كبرى من الإشتراكية الى الوطنية والديمقراطية الى الشيوعية أن حدثت فيها إنشقاقات، أنظر الى الأحزاب الناصرية اليوم أين وصلت، فهي مقسمة الى عدة أحزاب، وكذلك البعثيون أو الشيوعيون. وعليه فإن حزبا كبيرا بحجم الإتحاد الوطني وفيه آلاف الأعضاء وعشرات الألوف من المؤيدين ليس بمنأى عن حدوث إنشقاق، وإذا كان فيه نائب أعتقد بأن الخلافات ستطفو وستحدث الفرقة، ولكني أتمنى أن لايحدث هذا الشقاق والفرقة وخاصة بعد أن أنهينا التكتلات داخل الحزب وترسخ نهج الإتحاد، وأطلب من الجميع أن يحافظوا على الإتحاد ونهجه وسياساته.
التكتلات الداخلية بصفوف
الإتحاد الوطني
* وهل تعتقد بأن التكتلات إنتهت بالفعل؟
– لو نظرنا الى مسألة التكتلات من الناحية السياسية فهي من الأمور الطبيعية، أما من ناحية مركزية القوة والقرار فهي سلبية، فالجميع متفقون على أن التكتل أمر غير مرغوب به، ومع ذلك لا أستطيع أن أدعي بأنها إنتهت تماما، بل مازالت آثارها باقية فهناك بعض الرفاق إذا سنحت لهم الفرصة سيعودون الى التكتل، وأسباب بقاء هذه التكتلات هي:
أولا: ضياع الإمتيازات، والغريب أن يكون بين صفوف الإتحاد الوطني من يتكتل لأجل الحصول عليها، فتكتلات الإتحاد ليست مبدئية ولا سياسية، ولا تستند على خلافات فكرية، بل جميعها لأجل الحصول على المزيد من الإمتيازات والمناصب والوجاهة، وهذا ما أدى الى وضع أناس غير مناسبين في المكان المناسب، وللأسف أصاب هذا المرض كوادر متقدمين وجيدين داخل الحزب أيضا.
ثانيا: لم يترسخ بعد الوعي السياسي وسط كوادرنا، فبدلا من أن يكون الكادر ضمن التكتل الأكبر وهو الإتحاد، تراه يجري وراء تكتلات صغيرة وهامشية لصالح شخص محدد.
ثالثا: السبب الآخر يتعلق بالتكوين الجماهيري، فالعلاقات داخل المجتمع الكردي تتغلبها روابط مناطقية وريفية وقبلية وعشائرية وهي روابط راسخة نحتاج الى الكثير من الوقت حتى نمحيها، وأنت تعلم بأن هذه التكوينات و العلاقات لها تأثير مباشر على تكوينات الأحزاب داخل المجتمع. فعلى سبيل المثال تكوين المجتمع الألماني والتكوين الحزبي هناك يختلف تماما عن المجتمعات العربية والكردية، وعليه نستطيع القول بأن تلك التكتلات لها علاقة مباشرة بالتكوين الإجتماعي من جهة، وكذلك بالإمتيازات الشخصية وغيرها.
* وهل تعتقد بأن الإتحاد الوطني تحول الى حزب مؤسساتي وأن الأمور تدار فيها بشكل منظم؟
– يتجه الإتحاد نحو ذلك، وأعتقد بأن الإتحاد خطا بخطوات مهمة في هذا المجال لكنها بلم تكتمل بعد، و إذاقارنت بين اليوم وما قبل سنة من عمر الإتحاد ستجد هناك فرقا واضحا فنوشيروان مصطفى هو أحد قادة الإتحاد الوطني وأعتبره من أحد رفاقي المقربين جدا وأستشيره في كثير من الأمور، ومع ذلك سألته ذات يوم “ما رأيك نحول بعض وزراء ومسؤولي الحكومة الذين أكملوا مدتهم على التقاعد، فمن تقترح أن نحله محلهم” فكان رأيه “أن الحكومة تسير اليوم على سكتها المستقرة وتأخذ شكلها المؤسساتي، لا أرى أهمية لمن نزجه بالحكومة لأن الحكومة تحولت الى مؤسسة وتسير على مسارها الصحيح”. وأعتقد بأن هذا ما حصل أيضا في مؤسسات أخرى، أنا الان في قيادة قوات بيشمركة كردستان، ومنذ فترة حولت بعض صلاحياتي ومسؤولياتي الى آخرين وأكتفي بمراقبتهم من بعيد، أجتمع بهم كل شهر مرة أو مرتين أرشدهم وأنصحهم، ولكنهم أصبحوا يتولون الأمور بأتفسهم.
* يقال بأن مام جلال يتصرف داخل الإتحاد كالآمر الناهي، وبأنك صحيح تستشير بعض الناس ولكنك قليلا ما تعمل بمشورتهم؟
– أقسم أن الأمر ليس كذلك، فأنا داخل الإتحاد آخر المتكلمين دوما، أطرح آرائي في الإجتماعات وآخذ آراء الجميع، ولكن مع ذلك فإني أصر على شيئين أو ثلاثة فقط وهي، المسائل المبدئية لا أتنازل عنها، وأحارب التكتلات داخل الحزب، وأصر على معاقبة الفاسدين ومن يرتكب أعمالا وتصرفات غير أخلاقية. وأقف ضد مسألة الإمتيازات، ولكن مع ذلك أعتقد بأنني لم أفرض شيئا على رفاقي بل بالإقناع، ودائما أستند الى دعم الرفاق في الحلقات الأدنى و الكوادر.
دور المكتب السياسي
داخل الاتحاد الوطني
* وما هو دور المكتب السياسي و اللجنة القيادية في القرارات السياسية و المصيرية داخل الإتحاد؟
– أعتقد بأن للمكتب السياسي دورا كبيرا و مؤثرا داخل الإتحاد الوطني، فهناك نبحث جميع المسائل الأساسية و نناقشها ونصدر القرارات بشأنها.وهناك أعضاء في المكتب السياسي موفقون جدا في تقديم الإقتراحات، منهم كاك نوشيروان وأرسلان بايز و عمر سيد علي و الدكتور كمال فؤاد و الدكتور برهم، والآخرون يدلون بآرائهم أيضا، وبعد أن نناقش الأمور نتفق على القرار الذي نمرره بالأغلبية. لن يخرج أي قرار من المكتب السياسي بدون موافقة الأغلبية، وبعد المكتب السياسي يأتي الدورعلى اللجنة القيادية ثم الكوادر، وأنا عن نفسي لي بعض العتب على اللجنة القيادية، ففي كل مرة أقول أنه يجب أن تعقد اللجنة القيادية إجتماعاتها بشكل دوري ومنظم وأن تطرح المواضيع والقرارات أمامها ويؤخذ رأي الأغلبية، ولكن اللجنة لاتفعل ذلك، ولذلك معظم القرارات تخرج من المكتب السياسي.
* هناك إنتقادات كثيرة حول تلكؤ القيادة من محاسبة الانحرافات السياسية أو الأخطاء العسكرية أو معاقبة الفاسدين و التلاعب بالأموال، وهذا أفقد التمييز بين الكادر و القيادي الصالح عن الطالح؟
– أوافق على نصف تلك الإنتقادات، وأرفض النصف ألآخر، فلست مع من يقول “بأنه لم تكن هناك محاسبة”، نعم في بعض الأحيان لم نحاسب الأخطاء السياسية أو العسكرية أو المالية وهذا تقصير واضح من الإتحاد الوطني، ولكن ذلك لم يؤد الى أن يتغلب الجانب السيء على الجانب الخير، فعلى سبيل المثال، أجرينا خلال السنتين الماضيتين عملية إنتقاء بين قوات البيشمركة، وأصبح جميع قادتها من أناس متعلمين ومن خريجي الكليات العسكرية، وتلقوا تدريبات جيدة وهؤلاء لم يتركبوا أعمالا لصوصية أو تصرفات لا أخلاقية وهم من العناصر النظيفة و هذه مؤسسة معتبرة ومحترمة داخل الإتحاد الوطني. أما الحكومة فأعتقد بأننا نجحنا في إحلال عناصر نظيفة وجيدة لاتسمح للفساد والمتطفلين أن يجدوا لهم مكانا فيها، وكذلك على مستوى التنظيم أجرينا إصلاحات جيدة.وأعترف بأنه لم تجر محاسبة بعض المقصرين ومن إرتكبوا أخطاء سياسة أو عسكرية وهذا اعاد على الإتحاد الوطني بأضرار كبيرة.
* هناك حديث يدور حول دائرة الرقابة المالية، ويقال بأن تلك الدائرة تقدم تقاريرها إليكم والى قيادة الإتحاد لكن لا أحد يهتم بها أو يجري محاسبة المدانين بتلك التقارير؟
– كل ما يردنا من تلك الدائرة نتحقق منها، وكل من يدان أزحناه أو عاقبناه أو إسترجعنا منه ما نهب، منذ إنشاء هذه الدائرة الرقابية غيرنا بعض مسؤولي الحكومة أوعاقبناهم وفقا لما جاء بتقاريرها.
* هناك من يقول بأن مام جلال يحب أن يسمع في لقاءاته الجماهيرية الكلام الذي يريحه، و ينزعج من الكلام الذي لايعجبه، وهذا يخلق نوعا من التباعد و عدم جرأة الناس لإيصال أصواته إليك و يخشون من التعبير عما يرديون قوله لك؟
– هذه أول مرة أسمع فيها هذا منك، ففي كل الإجتماعات أطلب من رفاقي أولا أن يقولوا لي بصراحة ووضوح ما يجول بخاطرهم، و الغريب أنني لم أسمع كلاما طيبا يريحني في أي إجتماع شاركت فيه، ماعدا مطالب وإنتقادات.
الإتحاد الوطني والقوى الكردية والعراقية
القوى الإسلامية الكردية
*دعنا نعود الى مسألة الأحزاب الإسلامية، كيف و متى تأسست كقوة سياسية، وماهو تقييمك لدورهم؟
– الإسلام السياسي كان موجودا منذ القدم في كردستان تحت يافطة (الإخوان المسلمين)، وكان عددهم في الخمسينات قليلا، ثم ظهروا مرة أخرى في الستينات، وشيئا فشيئا نظموا أنفسهم وإنتشرت أفكارهم بين فئات المجتمع من المتعلمين وشرائح أخرى وفي التسعينيات أعلنوا أنفسهم كحزب (الإتحاد الإسلامي) الحالي. ولأنهم ليسوا متطرفين ويؤدون عملهم بهدوء ويرفضون حمل السلاح، وبسبب الجهود الطيبة التي بذلوها في أعمال خيرية وجلبهم أموالا كثيرة من دول الخليج لتنفيذ بعض المشاريع الإنسانية وأعمال خيرية ومساعدة الناس خصوصا أثناء سنوات الحصار الإقتصادي المفروض على كردستان، فقد إستطاعوا أن ينفذوا الى داخل المجتمع الكردستاني ويكسبوا تعاطف الناس ثم يتطوروا. وعدا ذلك طرحوا أنفسهم كقوة مدنية عصرية وأحلوا النضال القومي الكردي وشاركوا فيه من الناحية السياسية، ونفضوا عن اسلامهم سمات ومظاهر التطرف والتشدد مثل إطلاق اللحية وإرتداء ملابس السلفيين، وحاولوا أن يندمجوا مع المجتمع، بمعنى أنهم لم يكونوا مثل السلفيين المتشددين في أفكارهم وتصرفاتهم، ولذلك نما دورهم وتطور أكثر من القوى الإسلامية المتشددة.
أما الحركة الإسلامية، فقد تطروا بدورهم أثناء الثورة الكردستانية الجديدة وتحديدا مع تأسيس الجمهورية الإسلامية في إيران، وتأسست الحركة أولا على يد الشيخ محمد البرزنجي، ثم سلمت القيادة الى الشيخ عثمان عبدالعزيز، وفي البداية دعمناهم نحن، وحاولنا أن نؤسس لهم قوة من البيشمركة طالما أنهم يشاركون معنا في الثورة والنضال، حتى أنني على سبيل النكتة مازحتهم مرة وقلت “إخوان، نحن نعمل بوسترات كثيرة لشهدائنا، فهل سيأتي يوم ونرى فيه بوسترا معلقا لشهيد معمم”.
لقد تطوروا وتعاظم دورهم بمساندة الجمهورية الإسلامية التي قدمت لهم دعما كبيرا في حين حرمته على الإتحاد الإسلامي، ولأن الحركة تأسست بدون مباديء محددة، فقد دخلها من هب ودب ومن إتجاهات مختلفة، حتى إنتهى الأمر ببعضهم أن يذهب الى أفغانستان ويلتحق بحرطة طالبان أو تنظيم القاعدة المتطرف.
* وما كان دورهم في النضال ضد النظام العراقي؟
– الإتحاد الإسلامي حصروا نشاطهم داخل المدن، ولا أستطيع تقييم دورهم، ولكن الحركة الإسلامية كانت لديهم قوات من البيشمركة ويشاركوننا بالنضال ويترددون على مقراتنا ونسمح لهم بالتجوال، وفي بعض الأحيان شاركونا في معاركنا ضد النظام ولكن ليس بشكل فاعل جدا.
* وماهي أسباب تطورهم السريع بعد نجاح الإنتفاضة؟
– هناك عدة عوامل ساعدتهم على ذلك :
أولا: دعم الجمهورية الإسلامية الإيرانية لهم.
ثانيا: القتال الدائر بين الإتحاد الوطني والبارتي.
ثالثا: فقر الناس، فقد كانت لديهم إمكانيات مادية كبيرة يساعدون بها الناس بهدف كسبهم.
رابعا: المد الإسلامي الذي إنتشر في أرجاء العالم ، وكانوا جزءا منه.
* ولماذا إتجهوا الى التطرف حتى ظهر بينهم جماعة (أنصار الإسلام) التي إرتكبت تلك الجريمة المروعة بقرية (خيلي حمة)؟
– تطرفهم جاء من الناحية الفكرية، فهم ساروا على نهج الخوارج.هناك حادثة شهيرة تروى عن الخوارج ونقلها (إبن قتيبة) عن مقتل عبدالله بن خباب وهو إبن أحد أصحاب النبي حيث كان يسير قرب قرية مسيحية تحت سلطة للخوارج فسألوه عن أبوبكر فقال فيه خيرا، ثم عمر فقال خيرا، ثم عثمان فقال خيرا، ثم عن علي فقال، هو رجل عارف بدينه وعالم في القرآن وهو خير. فقتلوه هو وزوجته الحامل! فالخوارج إختلفوا مع علي في مسألة التحكيم و قبوله الهدنة مع معاوية، وبعد قتل عبدالله ذهبوا لشراء بعض العنب من شخص مسيحي فرفض أن يقبض منهم ثمن العنب وقال “هو هدية لكم” ولكنهم أصروا على دفع الثمن وقالوا “هذا حرام، لن نأخذ شيئا دون ثمن”، فأردف المسيحي قائلا “قتل إبن صاحب نبيكم ليس حراما، ولكن ثمن عنبي حرام، فكيف تفكرون يا قوم”؟!
وهؤلاء الإسلاميون هم أيضا جماعة متطرفة إقتدوا كالعميان بأولئك العرب المتطرفين ومن جاءوا من بعدهم من السلفيين، ويعتبرون جميع الناس كفارا ماعداهم، فلا يختلفون بشيء عن أولئك الخوارج.
حتى أن مفكرهم الأكبر سيد قطب كفر المجتمع برمته وقال “يجب أن نعيدهم الى الإسلام” وكأن المجتمع برمته خرج عن الدين، هكذا يفكر السلفيون. العامل الآخر الذي ساعد الإسلاميين هو مظاهر التخلف والأمية، فقد سيطروا على عقول بعض الصبية السذج وأغلبهم من أبناء الفقراء والمعدمين والأميين وعبثوا بعقولهم، وأشاعوا بعض الخرافات بإسم الإسلام منها على سبيل المثال، حين ألقينا القبض على أحد شبابهم في صيف عام 2003 عندما حاول أن يفجر نفسه بعملية إرهابية، قال لنا بأن قادته أفهموه بأنه إذا فجر نفسه فسيحصل على سبعين من حوريات الجنة؟! بمثل هذه الخرفات خدعوا الشباب، وهذا يؤكد لنا بأن الفكر السلفي يستمد وجوده وقوته من جهالة وسذاجة أفراد المجتمع وتخلفهم.
* وماهي مخاطر إنتشار هذا الفكر السلفي المتطرف على مستقبل الشعب الكردي؟
– الخطورة الكبرة هي إرتباط هذه المجموعات المتطرفة وقياداتها بأجندات مخابراتية خارجية وإستخدامهم للقبام بأهمال إرهابية وتخريبية لتعكير أمن المنطقة، وإلا فإنهم لايمتلكون مقومات التطور، لأنهم أصلا ليسوا حركة جماهيرية منبثقة من الشعب.