أحلام يوسف
قد يكون أحد اسباب متاعبنا اليوم ابتعادنا عن الموسيقى، والتشوه الذي أصاب الاغنية حتى باتت بعض الجمل التي نسمعها ضمن اغنية هي بالحقيقة لغة شارع، فبدل ان نرتقي بالذوق العام ونسهم بإشاعة لغة مشذبة ونقية ، اخذ بعض مؤلفي الأغاني يستعينون بلغة الشارع لكتابة اغانيهم ويصر بعض السواق على إجبارنا سماعها!
ومما زاد الطين بلة ان بعض رجالات الدين حرموا سماع الموسيقى وحرموا الغناء لا بل حرموا مشاهدة أي مادة على التلفزيون غير البرامج الدينية، من دون ان يحددوا أي الموسيقى واي الأغاني حرام؟ فهل من المعقول ان أغاني فيروز او ام كلثوم حرام بقدر حرمة أغاني شعبان عبد الرحيم وأشباهه في العراق وبقية الدول؟ هل من المعقول ان تحرم موسيقى ياني او اندريه ريو بقدر حرمة الموسيقى الصاخبة التي لا نسمع فيها مقاما ولا نوتة موسيقية بل تصم اذاننا من فوضى الآلات حتى لا نستطيع ان نميزها من شدة الصخب.
الفن بكل أنواع جمال وابداع، لكنه امسى يختلف بأغاني اليوم التي تتشابه بألحانها الفوضوية، فمعظم من دخل ساحة الغناء الآن، رسالته الوحيدة هي أن المال كل شيء في الحياة!؟ لا خلاف أن المال له أهمية في الحياة لمواصلة العمل والإبداع كذلك، لكنه بذا يعد وسيلة وليس غاية، فاليوم هي غاية وحيدة بالنسبة للكثير، فلم لا نحقق الربح من عمل جميل وممتع ومفيد!؟
الفنان يجب أن يرتقي بذوق الجمهور لينال احترامه، كما نالها من سبقه من المبدعين، إن كان الغرض من دخوله عالم الغناء له علاقة بالفن، وليس للتجارة السريعة التي لا تختلف عن بيع الأكلات السريعة التي اثبتت خطورتها على الصحة البدنية، فحتى بهذه التفصيلة تتشابه معها لخطورتها على الذوق والنفس.
ربما تلك المشكلة تشمل معظم بلدان العالم ومنها العربي. لكن لكوني عراقية، يهمني بالدرجة الأولى مستوى الفن العراقي والأغنية بالذات، لما لها من تأثير على الشباب لغة ولحنا. وصحيح أن كل مرحلة تغربل المعطيات ولا يبقى غير الأصيل والراسخ برقيه واحترامه واهتمامه بالجمهور. لكن لابد من المبادرة والاهتمام من المسؤولين على هذا المضمار، من دون اللجوء الى المبررات التي لم تعد لها قيمة، والتحجج بالوضع السياسي أو الفوضى.
فليعمل كلّ باختصاصه وبإخلاص. والبداية تكون مع تشكيل لجان متخصصة لتقييم النصوص الغنائية وتشجيع الأصوات الجميلة الشابة والملحنين والشعراء بدعمهم ماديا أولا وبتوفير سبل نجاح الأغنية.
على المعنيين تشجيع الأصوات الجميلة لإحياء التراث الغنائي العراقي وإعادة تقديمها. والاهتمام بعطاء الفنانين المبدعين ممن رحلوا وبقي فنهم يخلدهم، مثل رضا علي، وجواد وادي، وداخل حسن، وداود العاني، وغيرهم من مبدعي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي لإحياء تراثهم الغني والراقي.
الاغنية العراقية اليوم وصلت الى العربية بعد ان غنى أكثر من مطرب عربي أغاني لشعراء وملحنين عراقيين، وهذا يثبت ان اللهجة العراقية أصبحت مرغوبة ومعروفة ومعلومة بالنسبة للعرب، وهذا يشجع على الاهتمام بإيصال الاغنية العراقية الاصيلة من خلالهم الى كل الجمهور العربي.