مذكرات الرئيس جلال طالباني

رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 48
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.
إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
الثورة الإيرانية
وأخطاء الاتحاد الوطني

* وهل استطاع الاتحاد الوطني أن يستثمر أحداث إيران ليبني علاقات مع القادة الجدد؟
– أسباب فشل الإتحاد الوطي في الإستثمار الأمثل لأحداث الثورة الإيرانية وبناء علاقات متينة مع الجمهورية الوليدة تعود الى نقطتين أساسيتين:
الأولى: أوضاعنا الداخلية المتأزمة التي تحدثنا عنها بالتفصيل سابقا.
ثانيا: لم يحبذ الأخوة في الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وعصبة كادحي كردستان الإيرانية فكرة إستيلاء قواتنا على البنوك والمراكز التجارية والمؤسسات الحكومية الحساسة داخل مدن إيران وتسليمها بيد الكرد هناك.وكان رأي (الحدكا) هو، أن هذا قد يكون ممكنا في مدينة مهاباد فقط وليس في غيرها من المدن، وطلبوا منا الأسلحة والذخائر وأرسلناها لهم وإستولوا فعلا على مدينة مهاباد، ولكن فقدان الإتصال بيننا وبين مقاتلي (الحدكا) كان هو السبب الرئيسي لعدم نجاحنا بإستغلال ماجرى لصالح الكرد.فلو تيسرت لنا تلك الإتصالات لكان بإمكاننا أن نحتل أجزاء واسعة أخرى من مناطق كردستان الإيرانية ونستولي على ملايين الدنانير من البنوك وآلاف قطع الأسلحة من المشاجب ونضعها بخدمة الثورة الكردستانية في الجزئين العراقي والإيراني، ولكن إنعدام الإتصالات حال دون ذلك، ما جنيناه هو فقط فتح طرق السفر بين الجزئين. ورغم الدعايات الكثيرة التي طاولتنا سواء من قبل حكومة بختيار التي إتهمتنا بالتدخل في الشؤون الداخلية وكذلك من قبل بعض عملاء أمريكا الذين تسللوا الى داخل حكومة مهدي بازركان الذين أرادوا إحياء جماعة القيادة المؤقتة في وقت كانوا منبوذين من قبل الجميع.
وكانت أوضاع إيران تسير نحو المزيد من التعقيد، لأن الكرد هناك طالبوا بحقوقهم أيضا، وكانت هناك ثلاث قوى رئيسية وغيرها من قوى إيرانية أخرى تسيطر على الموقف في المناطق الكردية بإيران، وهي: الحزب الديمقراطي الكردستاني (حدكا) ويسيطر على مناطق موكريان، وعصبة كادحي كردستان في مناطق أردلان أي (سنندج)، وبعض المناطق الأخرى تحت سيطرة الشيخ عزالدين. وتشكلت لجان مناطقية في العديد من هذه المدن وقرروا جميعا أن يفوضوا الشيخ عزالدين ليكون كبيرهم والمتحدث بإسمهم وإعتبروه قائدا سياسيا وروحيا، وأيدته العصبة نكاية بالحزب الديمقراطي. وكانت علاقتنا مع الشيخ جيدة أيضا.وفي المناطق الأخرى كانت هناك قوى أخرى لها السيطرة على منطقة كرمانشاه مثل جماعة فدائيي خلق ومجاهدي خلق وخط الإمام. وكانت الأوضاع تسير نحو التأزم التدريجي، وكانت سياسة الإتحاد الوطني مبنية في تلك الفترة على أساس (وحدة مصير كردستان بأجزائها الأربعة)، وكان يرى أنه بدلا من دعم الدول المحتلة لأراضي كردستان، يجب أن تتجه سياساته لدعم القوى الثورية بجزئي كردستان في إيران وتركيا.

دعم أكراد إيران

* وهل كان للاتحاد الوطني قرار سياسي حول شكل الدعم، وكيف أمكن التوفيق مع طرفي الصراع، الكرد الإيرانيين من جهة، و الحكومة الإيرانية الجديدة من جهة أخرى؟
– تناقشنا فيما بيننا بالتفصيل حول الأوضاع المتدهورة والمتأزمة داخل إيران، وإتخذنا قرارنا بدعم وإسناد كرد إيران، وأقول ذلك لأن جماعة (راية الثورة) حين أرادوا أن يتقربوا من ايران أشاعوا بأنني ونوشيروان والملازم عمر نقف وحدنا خلف قرار مساعدة الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني وأن البقية لم يكونوا راضين بهذا القرار.ولكن سياستنا بدعم كرد إيران تعود الى فترة قديمة، فلم تكن تلك العلاقات بنيت فقط ببداية الثمانينيات، بل كانت مستمرة منذ بدايات ثورة عام 1975 حين كانت القوى الكردستانية الإيرانية تساندنا ونحن نساندهم.وروجوا لتلك الشائعات على أمل أن تقربهم من إيران وتصويرنا بأننا ألد أعداء الجمهورية الإسلامية، وحين تأزمت العلاقة بين القوى الكردية والحكومة الإيرانية الجديدة والتي بدأت بمعركة بينهما، عارضنا ذلك الصدام ووصفناه بإقتتال أخوة مسلمين، ولكن مع ذلك ساندنا الكرد الإيرانيين وإعتبرنا ذلك هو الموقف القومي المطلوب .

وساطة الاتحاد الوطني بين
كرد إيران والجمهورية الإسلامية

* وهل بذلتم جهدا لمنع تطور الصدام بين القوى الكردية والحكومة الإيرانية الجديدة؟
– نعم، كتبت رسالة الى آية الله منتظري وكنت قد زرته في بيته بقم حين ذهبت لزيارته والأمام الخميني هناك، وبنيت تلك العلاقة عن طريق نجله محمد منتظري والذي عرفنا به أحد أصدقائنا العرب المقربين هو الأستاذ عبدالجبار الكبيسي وقلت في رسالتي “أرى بأن القتال بين المسلمين في إيران سيضر بسمعة الجمهورية الإسلامية الوليدة وقد تكون لها تداعيات مخيفة، لأن أنتم شيعة وكرد إيران هم من السنة، وسيصور الصراع والثورة في بداياتها بأنه حرب الشيعة لتصفية السنة، وهو ليس في صالح الكرد ولا في صالحكم، وعليه أرى أن تحلوا المشكلات بالحوار والتفاهم” وأرسلت نسخة من الرسالة الى مهدي بازركان الذي كان رئيسا للوزراء حينذاك وعلمت لاحقا بأن آية الله حسين علي منتظري قد أوصل رسالتي الى الإمام الخميني وأن الإمام وافق عليها وأبلغهم بأنه يجب أن لا يقاتلوا الكرد و حدثني داريوش فروهر بأنه جرى هناك حديث سلبي عن الشيخ عزالدين. وهكذا إستمرت إتصالاتنا وأبلغونا بأنهم مستعدون لوقف القتال، وردوا على رسالتي بأنهم مستعدون لقبول وساطتنا.وهكذا أصبحنا وسطاء بين كرد إيران والدولة المركزية، ثم جاءنا أربعة وزراء منهم، وهم: وزير الدولة و داريوش فروهر وزير العمل و إثنان آخران من الوزراء يرافقهم قائد الجندرمة وشرعوا بالمحادثات مع الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني بواسطتنا بمنطقة سردشت.وأعددنا اللقاء بقرية (بنو خلف) وكنا مسؤولين عن إيصال المفاوضين وإنعقدت الجلسة بحضور ممثلين عن الحزب الديمقراطي والشيخ عزالدين والعصبة وفدائيي خلق. وبعد جهد جهيد توصلنا الى إتفاق لتشكيل (هيئة ممثلي كردستان) بقيادة الشيخ عزالدين ومشاركة الأطراف الأربعة ونتج عن ذلك وقف تام لإطلاق النار.وحين توقف القتال إعتبرناه نصرا كبيرا للشعب الكردي وللجمهورية الإسلامية معا، طبعا بالإضافة الى الإتحاد الوطني، لأن طرق الحلول السياسية قد فتحت، وكانت الجمهورية وليدة توا وأحبها الناس، وأصبحت نموذجا للكفاح ضد الإمبريالية والدول الرجعية ونظر الناس إليها كقلعة من قلاع الحرية ضد القوى الإمبريالية والرجعية. وبعد أن أتم الإتحاد الوطني مهمته بتقريب الطرفين أخرج نفسه من المشكلة القائمة وترك الأمر لهما، وأدى هذا الموقف من الإتحاد الوطني الى إغضاب الأطراف المتشددة داخل الحكومة الإيرانية التي أرادت حسم المسألة الكردية بالحرب والقتال. وحاولت تلك الأطراف أن تتحرش بنا من خلال تأليب السلطة ضدنا وتصويرنا بأننا ضد الثورة، وشاركهم في ذلك كل من جماعة القيادة المؤقتة وجماعة رسول مامند الذين شكلوا حزبا سموه بالحزب الإشتراكي الكردستاني الموحد فروجوا لأكاذيب شتى ضدنا حتى يدفعوا الجناح المتطرف في الدولة الإيرانية لمهاجمتنا.

الظهير المساند

* وبعد فشل تلك المفاوضات وعودة القتال بين الكرد والحكومة الإيرانية ماذا كان موقف الاتحاد الوطني؟
– الحرب التي وقعت وعرفت بمعركة (الأشهر الثلاثة) نجحت قوات الحكومة من خلالها بسط سيطرتها على المدن الإيرانية وإضطرت القوى الكردية والمعارضة الى الإنسحاب نحو المناطق الحدودية في (ناوزنك وتوزلة) وهم الحزب الديمقراطي والعصبة والشيخ عزالدين و مجموعات أخرى من فدائيي خلق وجماعة الأخت أشرف دقهاني، ورحبنا بهم بحرارة وقدمنا لهم ما إستطعنا من مساعدة ولم نقصر، وأعتقد بأن هذا الموقف يعتبر أحد مفاخر الإتحاد الوطني الكردستاني تجاه إخواننا بكردستان الإيرانية.
وأدى هذا الموقف الى تقارب أكثر بيننا وبين الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني، وظهر لكرد إيران بأننا الظهير والسند القوي لهم، ولذلط أطلقوا علينا وصفا إفتخرنا به وهو (الظهير المساند)، وكنا بحق كذلك لم نقصر بشيء لمساعدتهم ووضعنا الحجر الأساس لعلاقة قوية وطويلة الأجل معهم ومع إخواننا الآخرين بكردستان الإيرانية من القوى الثورية.
وبالتوازي إستمرت علاقتنا مع الجمهورية الإسلامية وحاولنا أن لانقطع الصلة بهم ونحافظ عليها، ولكن للأسف المجموعة المتطرفة داخل الحكومة التي أرادت حسم الخلافات بالحرب والقتال أخذت منا موقفا معاديا وقاموا بالمشاغبة، ولذلك فترت علاقتنا وساءت الى حد أنهم منعوا وصول الأسلحة المرسلة إلينا من سوريا، وكان للدكتور جمران الدور الأكبر في الإستيلاء على تلك الأسلحة، وعلمنا لاحقنا بأنه وزع تلك الأسلحة على قوات البسييج، وكنا في ذلك الوقت أحوج ما نكون اليها حيث كان بمقدورنا أن نزيد أعداد مقاتلينا وأن نشكل منهم قوة كبيرة لايستهان بها.

مفاوضات الاتحاد الوطني
عام 1983

* كيف نشأت فكرة التفاوض مع بغداد؟
– تحدثت سابقا عن مراحل عدة من المفاوضات مع الحكومة العراقية والتي بدأت بإرسال الأخ عمر دبابة إلينا في الشام، ثم ذهاب علي عسكري الى بغداد و لقائه بصدام حسين، ثم مجئ همزة بابير اغا الينا بجبل قنديل، وكذلك ارسال الشيخ محمود كاريزة.
هذه المرة بادرنا نحن بطلب التفاوض. فحين كانت بغداد تستعد لعقد المؤتمر القومي العربي في أعقاب زيارة الرئيس المصري أنور السادات الى إسرائيل، وجدنا لزاما علينا أن نوجه رسالة الى الرئيس أحمد حسن البكر قلنا فيها “إذا كان العراق مستعدا لدعم نضال الشعب الفلسطيني وإرسال قواته لإحياء الجبهة الغربية ومساندة القوات السورية، فنحن مستعدون لوقف القتال والتفاوض من أجل توقيع إتفاق لحل المسألة الكردية بطريقة سلمية”. ولكن الحكومة العراقية لم ترد على مبادرتنا الى أن حل صيف عام 1982 حين وصلتنا رسالة من الدكتور عبدالرحمن قاسملو أمين عام الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني (حدكا) يقول فيها “أريد أن أزورك أنت والأخ عزيز محمد، فإتفقا بينكما لإختيار المكان المناسب للقاء”.الرسالة تسلمها عزيز محمد قبلي لأنه كان يقيم حينذاك بقرية (نوكان) ونحن في (توزلة) ، ولذلك حول عزيز رسالة قاسملو إلي وكتب لي “أرى أن نجتمع عندك فمائدة الإتحاد الوطني عامرة أحسن منا” وكتبنا للدكتور قاسملو أن تفضل وتكرم نحن بإنتظارك، وجاء قاسملو ومعه عزيز محمد وإثنان آخران وإجتمعنا معهم أنا ونوشيروان والملازم عمر، وبادر الدكتور قائلا “جئتكم من بغداد ومعي توصية” داعبته كعادتي معه وقلت “هيا أبلغنا ما جئت به من عند رئيسك”؟ قال “لدي توصية من الحكومة العراقية وهي مستعدة للتفاوض معكم ومع الحزب الشيوعي وتريد أن تعرف مطالبكم حتى نجد الحلول السياسية بما يخدم وضع كردستان والعراق عموما”.
كانت هناك أسئلة تدور في مخيلتنا وجهناها له، فأجانبنا بما يعرف أمهلناه نحن الإثنان حتى نراجع قيادات حزبينا وبعد المداولة أبلغناه بأننا مستعدون لسماع الحكومة، وقلنا له “لانريد أن نسميه (مفاوضات) بل دعنا أولا نسمع منهم ثم نقرر”. أما الحزب الشيوعي فكان لهم توجهان، فعزيز محمد أبلغني بأنه مستعد للتفاوض، ولكن حين إجتمع باللجنة المركزية لحزبه رفضوا الإستجابة وقالوا بأن الظروف الحالية للحزب لاتسمح بدخولهم في تلك المفاوضات.

*ولماذا إختارت الحكومة التفاوض معكم والحزب الشيوعي فقط ، ولم تتصل بالبارتي؟
– قال عزيز محمد “حسب ماسمعت فإن الحكومة إتصلت أيضا بالبارتي، وأقترح أن تنسقوا فيما بينكم لكي تفاوضوا الحكومة معا، حتى لا يستغل النظام التفاوض الأحادي الجانب ويقدم القليل، فإذا وافقتم سأقوم أنا بهذا الدور بنفسي وسأحاول مع البارتي لكي أقنعهم بالتعاون معكم”(1). وبحثنا هذا المقترح بالمكتب السياسي وقلنا له “حسنا، إذهب أنت الى مسعود وليكن موقفنا موحدا حتى لا نضطر الى التصارع مجددا” وكان عزيز محمد على سفر فطلبنا منه أن يستغل الفرصة ويستشير السوفييت ويعرف موقفهم من هذه الدعوة وأن يضعوا ثقلهم بالموضوع فإذا وافقوا سنرد على دعوة الحكومة ولكن قبل سفر عزيز محمد تلقينا ردا إيجابيا من الروس، فأرسلت الحكومة شخصين، وبلغنا بذلك من قبل (حدكا) وقالوا “هناك شخصان أرسلتهما الحكومة ولكنهما يخافان أن يأتيا إلى مقركم ويفضلون عقد اللقاء عندنا في مقرنا بـ(كورة شير) وكان مقرهم يبعد عنا بحوالي ساعة، فقررنا أن نستجيب ونذهب إليهم أنا ونوشيروان وعدد آخر من رفاقنا، وحين ذهبنا هناك وجدنا شخصين أحدهما يدعى (أبو أحمد) وعرفنا بعد ذلك أنه العقيد خليل شاكر، والآخر كان يلقب بـ (أبو عدي) ذكرني بنفسه وقال “أنا كنت ملازما حين إلتقينا أول مرة في (دوكان) وكنت أنت مسؤولا وتجلس مع مسؤولينا الكبار ونجلس نحن الضباط بأسفل منكم”.هكذا بدءوا ونقلوا إلي تحيات الرئيس وقالوا بأن وضع البلاد في خطر وأن تهديدات إيران تتصاعد يوما بعد يوم. وبعد أن أنهوا كلامهم قلت لهم “إخوان أنتم تعلمون بأننا منذ بداية تأسيس الإتحاد الوطني نحبذ التفاهم والحلول السياسية لقضيتنا”, وعددت لهم كل جولات التفاوض التي خضناها في هذا السبيل، من إرسال عمر دبابة الى وفد علي عسكري ثم وساطة همزة اغا والشيخ محود كاريزي، كما ذكرهم نوشيروان بالوفد الذي أرسلناه إليهم عند إندلاع الحرب العراقية الإيرانية ورفضهم اللقاء بذلك الوفد”.
ونسيت أن أذكر لك بأنني عندما كنت خارج العراق وذاهبا الى سوريا و ليبيا، قرر الرفاق بالمكتب السياسي دون علمي أو موافقتي بدخول مفاوضات مع الحكومة. وقالوا لها “رغم أننا ضد هذه الحرب ونعتبرها حربا غير مشروعة، مع ذلك لم نرد أن نقف بوجه الجيش العراقي في مثل هذه الظروف”. وكنا نريد أن نثير مشاعر الجيش، وإفهام الوفد القادم بأن الجيش العراقي هو جيشنا ولا نريد مواجهته في وقت يخوض فيه الحرب مع قوة خارجية. قلنا للوفد “لقد أرسلنا لكم وفدنا للتفاوض ولكن أنتم من رفضتم الإستجابة والآن ها أنتم قادمون إلينا وتطلبون التفاوض، ونحن نريد أن نعرف ماذا ستعطون للشعب الكردي”؟ لم يردوا علينا وأصروا أن يذهب وفد منا الى بغداد لإستجلاء الموقف والتفاوض على كل الأمور.

* وهل كنتم تريدون الإكتفاء بهذا اللقاء، أم أن ترسلوا وفدا منكم الى بغداد؟
– لم نقرر بعد تشكيل أي وفد لإرساله الى بغداد، كنا نريد أولا أن نعرف ماذا تريد منا الحكومة ثم نقرر.قلنا لهم أنتم تعرفون موقفنا ومطالبنا، فإذهبوا وانقلوا ذلك لقادتكم ثم تعالوا وبلغونا بموقفهم. والحق أننا لم نرد أن نقطع الصلة بيننا وبينهم لذلك أوحينا لهم بجاهزيتنا للتفاوض.وفي الحقيقة سلكنا طريقا جيدا في تلك المحادثات، نشد تارة ونهديء أخرى، وأتذكر بعد أن إنفض الإجتماع قام الأخ عبدالله ملا زادة وبدأ يمدحني ويقول “لم أكن أتصور بأنك تجيد السياسة كإجادتك للقتال والعمل الحزبي” رجع هؤلاء وبعد مدة وصلتنا رسالة وظهر بأن طارق عزيز هو من كتبها، وكانت رسالة بدون عنوان أو توقيع من صاحبها، أي أن كاتبها لم يعنون الجهة المرسلة إليها، وتتحدث الرسالة عن الأخوة العربية الكردية والحاجة الى ترسيخ الوحدة الوطنية العراقية وتتطرق الى بيان الحادي عشر من آذار وإعتباره أساسا للتفاوض، ولكنها تطرقت الى نقطتين أيضا، إحداها أنه يمكن تطوير بيان آذار وأن الحكم الذاتي قابل للتطوير والتعديل أما النقطة الثانية فتتعلق بقوات البيشمركة، وتقول الرسالة بأن وجود قوات البيشمركة أثناء الحرب ضرورية وكذلك في حال توصلنا الى إتفاق يضمن الدفاع المشترك عن الوطن، ولكن بعد إنتهاء الحرب يجب أن نتباحث بشأنها لأن حل قوات البيشمركة أمر معقد ولايمكن تحقيقه بقرار بسيط، فنحن مواطنون في بلد واحد وعلينا أن نحل مشاكلنا وخلافاتنا بالحوار والتفاهم. وأجبنا على الرسالة ببيان موقفنا من الدعوة، فإقترحوا أن نرسل لهم شخصا يمثلنا، ولكننا طلبنا منهم أولا الرد على رسالتنا الجوابية ثم نبعث إليهم من يمثلنا.وفي شباط 1983 جاء وفد الحكومة مرة أخرى وكانوا نفس المندوبين السابقين يحملان رد الحكومة على رسالتنا وكان ردا إيجابيا هذه المرة.

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة