مذكرات الرئيس جلال طالباني

رحلة ستين عاماً من التكية الى قصر السلام
( لقاء العمر)
الحلقة 36
تضع “الصباح الجديد” بين يدي القارئ الكريم ما يمكن أن يوصف بمذكرات للرئيس الراحل جلال طالباني، وتتميز المذكرات وهي عبارة عن بوحٍ متصل للأستاذ صلاح رشيد، بأنها صورة مفصلة بل تشريح سياسي لمرحلة حاسمة في تاريخ العراق تشمل السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات وحتى يومنا هذا.
وعلى عكس ما عُرِف عن مام جلال من دبلوماسية ونزوع نحو التسويات التي عرف بها خلال ثماني سنوات من جلوسه على مقعد رئاسة الجمهورية العراقية، فأنه على العكس من كل ذلك يدلي بآراء في غالبيتها إشكالية، ونحن لا نتحدث عن المعلومات وسرد المعطيات التاريخية لعلاقته بصدام حسين وفرقه المختلفة للتفاوض مع الاكراد، بل أنه يتجاوز الى العلاقة مع إيران وسوريا والولايات المتحدة وبقية الأطراف التي كان لها تماس مع الملف العراقي في مراحله المختلفة، لكننا نتحدث عن الآراء المتعلقة بالشخصيات التي رافقته خلال مرحلة بناء الاتحاد الوطني الكردستاني وتشكيله للبؤرة السياسية في اعقاب عام (1975م) وهزيمة الثورة الكردية أثر اتفاق الجزائر بين الشاه وصدام.
وتشكل المذكرات إنارة معمقة للطريقة التي اتبعها مام جلال في معالجته للتحديات والحلول التي خرج بها لتجاوزها، ولكنها لا تخلو أيضًا من اضاءة البعد الشخصي لمام جلال مما يساعد في نهاية المطاف الباحثين السياسيين والمواطنين على حد سواء العرب والاكراد على الاطلاع على أسرار لم يجرِ التطرق اليها في الماضي.
وغني عن القول أننا في “الصباح الجديد” نعدّ هذه المذكرات شهادة تاريخية من شأنها أن تستكمل المشهد السياسي العراقي الراهن، وهي تنطوي على مفاجآت وطرائف لا يمكن لأحد من خارج الدائرة الضيقة لمام جلال أن يطلع عليها.
“الصباح الجديد” سوف تنشر القسط الأساسي من هذه المذكرات، وهي لا تتحمل مسؤولية أي آراء قد تنطوي على بعض القسوة هنا وهناك، وستحاول تخفيفها بقدر الإمكان، ونأمل أن يتجاوب الساسة الكرام في كردستان وفي الفضاء العراقي من خلال هذه العملية ويسهموا بدورهم في إضاءة بقية المشهد.

إعداد: صلاح رشيد
ترجمة: شيرزاد شيخاني
*هل بقيت على إتصال بالثورة؟
– بقيت في القاهرة الى صيف عام 1974، وكنت أنتهز الفرص لزيارة بيروت و دمشق بين فترة وأخرى للقاء أبو شوقي (عبدالإله النصراوي) و أبو عمر من المعارضة العراقية اللذين شكلا التجمع الوطني العراقي.
بقيت في مصر الى أن جاء عزيز شيخ رضا ليسلمني رسالة من مسعود وإدريس يطلبون مني العمل معهم، فأجبته بالموافقة، وقالا بأنهما أسسا مكتبا للشؤون العربية في الخارج يترأسه عزيز شيخ رضا ونريدك أنت وكمال فؤاد أن تعملا معه. فقلت “حسنا” وبدأنا العمل معا، وأبلغني دكتور كمال لاحقا بأنهم بتكليفهم هذا أرادوا أن يضعوني تحت أعينهم للمراقبة، ورغم ذلك قمنا بعمل ممتاز ونجحنا في تأسيس علاقة قوية مع المصريين، وبقيت في مكتب الشؤون العربية بلبنان الى إنهيار ثورة أيلول عام 1975 وأصدرنا هناك مجلة كنت أحرر معظم موادها ويتولى عزيز شيخ رضا تكاليف طبعها، ولكن رفاق البارتي لم يهتموا بها كثيرا.

* هل تمخضت فترة و جودكم في بيروت عن أية نشاطات سياسية أو دبلوماسية؟
– لقد أنجزت عملين مهمين لكن رفاقي بالحزب لم يهتموا بهما، الأول عقد مؤتمر القمة العربية بمشاركة صدام حسين الذي توسط للمصالحة بين السادات والملك فيصل ودعا المؤتمر الى دعم وساطته. وقبل إنعقاد المؤتمر جاءني عزيز شيخ رضا في القاهرة وقال “سيأتي وفد الى القاهرة وأرجو أن تبذل جهدا من أجل الإتصال بهم” فقلت “حسنا” و حاولت أن أتصل من فندق شيبرد بمحمد حسنين هيكل الذي أزيح عن الإهرام في ذلك الوقت فلم أحصل عليه.فقد كان هيكل هو الذي كان يرتب إتصالاتي بأنور السادات، وفي الحقيقة إذا كانت لي أية رسالة أريد توصيلها للسادات أذهب الى هيكل لينقلها له.حل الإستاذ أحمد بهاءالدين الكاتب المعروف والمقرب من السادات محل هيكل في الأهرام، وكنت أعرفة سابقا وبيننا صداقة قديمة وكان رجلا نبيلا وأريحيا، وكان لدي رقم تلفون سكرتير هيكل، ولم أكن أعلم بأن هيكل قد أخذ معه سكرتيره وجميع ما كان له في مكاتبه بالإهرام، وحين إتصلت برقم السكرتير رفع السماعة شخص لم أعرفه وكان الدكتور كمال فؤاد و عزيز رضا جالسين بقربي، فقلت له “أريد أن أتحدث الى سكرتير أحمد بهاءالدين” سألني “ومن أنت”؟ قلت “جلال طالباني”، قال “حسنا، وهل تريد التحدث الى السكرتير أم مع بهاءالدين نفسه؟ قلت” أريد أن أتحدث الى بهاء”. عندها عرفت بأنه هو من يرد علي شخصيا فقال “أين أنت يا رجل أنا أبحث عنك، تعال إلي حالا أريدك في عمل”، قلت “حاضر”، وذهبت إليه، فقال “اليوم كنت عند الرئيس السادات وسألني عنك، وقال، “هل جلال مازال هنا”، فأجبته، “نعم موجود”، فقال: “حسنا أبلغه بأن علاقتنا ستستمر وبأنك ستحل محلا هيكل كحلقة الوصل بيننا، وقل له ان العراق بصدد التصالح مع إيران، وانه سيطرح هذا الموضوع على القمة العربية، أقتراحي هو أن يأتي وفد كردي وأن يكون معه أحد أبناء البارزاني”. لم تكن سمعة صالح اليوسفي و محمد محمود عبدالرحمن طيبة عندهم في ذلك الوقت، لذلك قال “فليأت جلال وإبنا البارزاني، وسآخذهم الثلاثة الى القمة العربية معي، فإذا طرح العراق موضوع التصالح مع شاه إيران سأقول لهم، ولماذا لا نتصالح نحن العرب مع إخواننا الكرد، ها هو وفد كردي جلبتهم معي فلنجلس معهم”. أجبته “والله هذا أمر جيد”. سررت بذلك كثيرا فسألني “هل مازلتم مصرين على موضوع كركوك”؟ أجبته “من الممكن أن نجد حلا لذلك”، وأمامي هاتف السادات وقال له “هذا هو جلال موجود عندي وقد أوصلت له كل ما قلته لي”. فقال له “حسنا، ولكن كرر عليه موضوع كركوك هل سيلحون عليه أم لا”؟ أجابه “لقد سألته سيادة الرئيس وأجابني بأنهم لن يصروا عليها” فقال السادات “حسنا قل له بأنني أضمن لهم كل ماقلته”، وكان يقصد التصالح مع صدام.
عدت الى المكتب و أبلغت عزيز و الدكتور كمال ففرحوا جدا وكتبت رسالة الى إدريس ومسعود وطلبت منهما أن لا يرسلوا حبيب محمد كريم الى القاهرة لأنه كان سيأتي من إيران، وكانت علاقة مصر وإيران متأزمة في ذلك الوقت.وحين قرءوا رسالتي في كردستان سخروا مني وبحسب ما رواه لي عزيز بعد إنهيار الثورة قال “سخروا من تلك الرسالة وقالوا أي مصالحة وأي عرب، كيف نتصالح مع العراق”! وبدلا من أن يرسلوا مبعوثهم الى القاهرة كتبوا عدة رسائل الى المؤتمر وأوصاهم الملا مصطفى بأن يخفوا تلك الرسائل عني وقال “لاتدعوا جلالا يعرف بمضامينها، خذوها الى المغرب وأذيعوها هناك”، ولكن حين وصلت تلك الرسائل الى المطار صادروها ولم تصل الى المؤتمر أبدا وهكذا أضاعوا فرصة ثمينة حين حاول رئيس أكبر دولة عربية أن يأخذ وفدا كرديا معه الى المؤتمر لكي يحل المسألة الكردية في العراق.

*مع ذلك ألم تحاول قيادة الثورة أن ترسل وفودا الى الدول العربية وبخاصة مصر ؟
– نعم حاولت، فقد أرسل الملا مصطفى حبيب محمد كريم إلينا في مصر، ولم يسر المصريون بمجيئه، ولكني قلت لهم “أنتم تعرفون بأنني ليست لي حظوة عند الملا مصطفى، ولكن قيادة الثورة أرسلت هذا الشخص”، فسألوني “وماذا تريد أن نفعل”؟، قلت “من الأفضل أن تلتقوه”، فردوا علي بأن السادات لايريد أن يراه، وكلفوا عبدالحميد المازني بلقائه، وجاء الى منزلي وإلتقى بحبيب.
وكان حبيب قد تلقى أمرا بأن يلتقي بالصينيين لاغضاب السوفيات، لأن السوفيات لم يدعموهم، وكانت علاقتي بالسفارة الصينية جيدة ويدعونني بين فترة وأخرى الى مآدبهم، وتعرفت هناك بشاب خلوق ومؤدب يدعى مستر شوز والصينيون معروفون بتأدبهم وخلقهم الرفيع فحين هاتفته سألت أن كان مشغولا، فقال “كلا”، قلت “معي حبيب محمد كريم وهو سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني جاء موفدا من الملا مصطفى للقائكم”، فرد علي بحدة “نحن لا نلتقي بمثل هؤلاء! فهم عملاء الإستعمار، فيوما هم مع الإشتراكيين الإمبرياليين، ويوما مع الإمبريالية الأميركية، كيف يمكن أن يكون هذا موقف حزب سياسي”؟ قلت له “تمهل قليلا”، وغضبت فعلا فقلت له “بي كوايت بليس، ليس هناك حاجة لكل هذه الحدة، قل لا أريد أن أراهم وكفى”. قال “لا تقل هذا فأنت تعلم كيف أتصرف معك بأدب”. قلت له “حسنا ولكن لاداعي لكل هذا الغضب قل لا أريد أن أراه وحسب”. لم أتناول الشاي عنده فسارعت بالخروج، وكنا قد تعرفنا على هذا الرجل بواسطة السفير الألباني في القاهرة، وقال لنا حين تعارفنا “أنتم سوف لاتنسون إسمي لأني أدعى (شوز) أي الحذاء باللغة الإنكليزية، ولذلك كنا ندعوه بـ “مستر قندرة” وحين خرجت من عنده غاضبا قلت لحبيب بأنه لايريد لقائك، فقال “أي زمان هذا، حتى مستر قندرة لايريد أن يرانا”!!

*غير تلك المحاولات العربية، هل كانت هناك أية جهود دولية لحل القضية الكردية؟
– سنحت لنا فرصة تاريخية أخرى، ذهبت بدورها أدراج الرياح، كنت في ليبيا حين إنعقد هناك عام 1975 مؤتمر للشباب الناصريين ودعيت إليه ومعي شابان إيرانيان وهما حسن ماسالي وحكمت بوركي الذي أستشهد فيما بعد. وإلتقينا في المؤتمر بالعقيد معمر القذافي الذي كان رجلا بسيطا ويتجول بنفسه بين الوفود المشاركة، جاء وسلم علي وقال “أنت هنا”؟ قلت “نعم”، قال “ولماذا لانراك هذه الأيام”، قلت “أنتم مشغولون، وسألقاك فيما بعد”، سألني “ماذا لديك”، قلت “الآن معي شابان إيرانيان”. قال “دعني أراهم”. فأخذت الشابين إليه وأصبحت مترجما بينهم، تحدث الشباب وطلبوا جملة من المساعدات وأخرج القذافي ورقة وكتب عليها “نفذوا كل ما يطلبون”. ثم دعاني القذافي وقال “جلال لدي خبر سيء لك، فقد التقى سعدون حمادي بوزير خارجية إيران خلعتبري في إسطنبول وأصبح إتفاقهما وشيكا”. لم يكن رأي القذافي حول الملا مصطفى جيدا وكان يقول “لا يعجبني منظره وهو يحمل خنجرا في صوره، فهو لايشبه رجال هذا العصر، لو كان موجودا في القرن التاسع عشر لقلنا الأمر طبيعي ولكن في هذا العصر فهو شيء غريب”.

اتفاقية الجزائر عام 1975

* يعني كنتم على علم مسبق باتفاقية الجزائر وما يخطط ضد الكرد، فلماذا لم يطلب البارزاني مساعدة دولية و إكتفى بإيران و أميركا؟
– نعم علمنا بما يجري من خلف ظهورنا، حتى ان القذافي سألني “ماذا تعتقد يكون مصيركم إذا إتفق العراق مع إيران”؟ قلت له “سنواصل القتال طبعا وسندافع عن أنفسنا”. سألني “هل أنت متأكد”؟ قلت “نعم أنا متأكد ومطمئن، ولكننا قد نحتاج الى دعم سيادتك، عندها نستطيع أن نغير مسار الحركة، فبدل الخنوع لإيران، نستطيع عندها أن نتلقى الدعم من أصدقائنا الليبيين والسوريين”. رد القذافي قائلا “إذا تغير المسار بالشكل الذي تقول، سأكون مستعدا لتقديم كل ما تطلبونه من دعم ومساندة”. سألته “هل تقصد جميع أنواع المساعدات”؟ قال”نعم جلال كل أنواع المساعدة”. قلت “ولكن الملا مصطفي ليس مثلي يرضى بعشرين ألف دينار شهريا، هو سيطلب الملايين”! قال “نعم سأدفع الملايين”.حين عدت كتبت رسالة الى إدريس ومسعود وأرسلتها مع عزيز شيخ رضا، فسخروا مني مرة أخرى وقالوا هذه مجرد دعاية من القذافي لا أكثر ولا أقل والأطرف من كل ذلك حين تم الإتفاق في الجزائر في السادس من آذار عام 1975 أرسل القذافي بطلبي وقال “إذهب الى الملا مصطفى على العجل وأبلغه بأنني مازلت عند وعدي، فإذا دافع عن ثورته وحصل على دعم التجمع الوطني العراقي فأنا ساقدم له كل مساعدة ممكنة”. قلت “هذا موقف جيد”. حين وصلت دمشق كان الجميع بإنتظاري على أحر من الجمر، منهم، عمر دبابة وأحمد العزاوي ومجموعة شخصيات أخرى من مختلف قوى المعارضة العراقية.

* وهل تمكنتم من الإتصال بالبارزاني وماذا قلت له؟
– ساد الهرج والمرج وسط الجميع في دمشق، وإتفق الكل على ضرورة أن نتحرك ونفعل شيئا لمواجهة ذلك الإتفاق!كان رأيي أن يبدأ الملا مصطفى بالحرب الدفاعية، لكن عمر دبابة قال”والله لا أرى الملا مصطفى بهذه القوة، و أجزم بأن طلقة واحدة لن تنطلق من بندقيته وسنرى كيف سيهرب من المواجهة”.
وصلنا خبر من أسعد خوشوي وعلي سنجاري بأن التجمع الوطني العراقي على إستعداد لتقديم كل أوجه التعاون معنا، ولذلك أوفدت عمر دبابة على وجه السرعة الى كردستان وحملته رساله الى الملا مصطفى قلت فيها “إن ليبيا مستعدة لمساعدتنا، وإلتقيت بالرئيس حافظ الأسد وهو مستعد بدوره للمساعدة ومسألة التجهيز بالذخيرة والأسلحة دعه لي أنا سأتكفل بها، ولكني لا أملك مالا، وليبيا وعدتنا بالمساعدة المالية، وهذا يعني بأن الأموال والأسلحة والذخائر موجودة ومؤمنة، وعليه أرى أن نواصل النضال”.عاد عمر دبابة من غير أن يحمل ردا، ، فبعثت برسالة أخرى بواسطة هيرو، ولكنها حالما وصلت الى كردستان كان الملا مصطفى قد أعلن الإستسلام وتصفية الثورة، وإتخذ البارزاني قراره فلم تعد هناك حاجة للرسائل والتوصيات، ولكنه رغم ذلك شكرنا على رسائلنا إليه.
كانت عائلة البارزاني شاكرة لمواقفي وتحركاتي، لأنهم كانوا يعلمون ماذا أفعل. فقبل إندلاع القتال مجددا عام 1974 كتبت مقالا في جريدة السفير اللبنانية قلت فيه “أنصح الحكومة العراقية بأن لا تشن القتال ضد الملا مصطفى، فهو اليوم زعيم الحركة الكردية وقد أصبح أمرا واقعا ولا يمكن حذفه أو أن تحاول الحكومة القضاء عليه، وعليه أطلب منها أن تتحلى بشيء من الواقعية وأن لاتقدم على هذه المغامرة”. وأثار المقال صدى واسعا وإنزعجت الحكومة منه، وجندت أقلامهما للرد علي منهم خورشيد رواندوزي الذي وجه الي كلاما قاسيا جدا.وقمت بعمل آخر وهو تكليف عدد من الشخصيات العربية ليرسلوا برقيات مناشدة الى صدام حسين بضرورة الإحتكام الى العقل وعدم الدخول في حرب مع الشعب الكردي وتغليب الحل السلمي للصراع. وقبل إندلاع القتال أعطى الملا مصطفى ثلاثة آلاف دينار لعزيز شيخ رضا وقال”إعطيه هذا المبلغ وليقم بجولة دبلوماسية، وسلمه أيضا عشرة أوراق بيضاء مذيلة بتوقيعه وقال “فليملها جلال كما يريد ولمن يوجهها”. لقد كانت علاقتنا جيدة الى حد أن يمضي لي على أوراق بيضاء، وهكذا بدأت العمل ولكن لم يدم الأمر طويلا حتى سقطت الثورة وضاعت منا الفرص..

دور السوفييات الجديد

* وما كان موقف السوفييات في تلك الأحداث المتلاحقة؟
-في عام 1974 كنت في القاهرة حين هاتفني مصطفى الجاف يوما وقال “أرجوك تعال الى بيروت غدا فهناك أمر عاجل يتطلب وجودك هنا فقد وصل صديق قديم لك ويريد أن يراك”. فذهبت لأقطع تذكرة السفر، ولكن التذاكر كانت قد نفدت، فإتصلت برئاسة الجمهورية المصرية لأنهم كانوا يحجزون دائما مقعدين أماميين بالطائرات، فوافقوا على تخصيص إحدى المقاعد لي. وصلت بيروت وذهبت فورا الى بيت مصطفى الجاف ولم تمض نصف ساع حتى رن جرس الباب وإذا ببريماكوف أمامي، وهو الذي أصبح وزيرا للخارجية ثم رئيسا للوزراء الروسي في فترة من الفترات.

*وبأي صفة جاء بريماكوف وبماذا حدثك؟
– كان مندوبا عن جريدة البرافدا الى منطقة الشرق الأوسط وكان عارفا بتفاصيل القضية الكردية، قبلني ثم جلس وقال “أريدك في أمر ولكن يجب أن نبحثه وحدنا، فخرجنا نتمشى قليلا”، وبادر بالقول “يسرني أن أبلغك بأننا نرى فيك رجلا ثوريا تقدميا، ونرى أيضا بأن الملا مصطفى أخطأ كثيرا حين نحاك جانبا “وقال كلاما كثيرا فقلت له “إسمع رفيق بريماكوف، أنت تريد أن تجرني الى صف الحزب الشيوعي، وأنا لي تجارب كثيرة مع هؤلاء البعثيين، فهؤلاء لن يمنحوا الكرد حقوقهم حتى ولو بالقليل، واليوم جميع الكرد ملتفون حول البارازاني وأمر مواجهته أمر غير مقبول”. وإستطردت “تبارش بريماكوف (الرفيق بريماكوف) تعال معي لنحسن علاقتك بالحركة الكردية فهذا أفضل لنا ولكم”، قال “حسنا..نحن نرحب بذلك ولا إعتراض لدينا ولانريد أن نخرب وضع العراق، ونأمل أن نتمكن من تحسين علاقتنا عن طريقك، فنرجو منك أن تبذل جهدك بهذا المجال”. ثم عرفني بشخص في السفارة السوفيتية وقال “هذا صديق قديم لك”. وحين إلتقيته عرفته هو زايديسيف، تعرفت عليه وتحادثنا حين كان في بغداد، جاء الى الفندق الذي كنا به وأصبح هو حلقة الوصل بيني وبين السوفييات. وكان هذا سكرتيرا أولا في السفارة السوفيتية بلبنان، فجددنا علاقتنا وإلتقيته بعد ذلك عدة مرات، وفي الحقيقة أخرج مرة بضعة ليرات لبنانية وقال “كم تريد، أنت الان لست ببلدك وتحتاج الى المال”. فقلت له “شكرا لك مستورة والحمدلله، ودعنا لانتعود على قبض المال من السوفييات”. رفضت عرضه وشكرته.

* وماذا كان موقف الملا مصطفى هل رحب بتجدد العلاقة مع السوفييات؟
– كتبت رسالة الى إدريس ومسعود وأجابوني أن بريماكوف هو جاسوس، والسوفييات ليس بيدهم شيء، فلا تحسب لهم حسابا، كل مايريدونه هو معلومات منا، وهم أعداؤنا وليسوا أصدقاء”.لم أستمع إليهم بل واصلت علاقتي معهم الى حين سقوط الثورة، وبعد السقوط هرع السوفييات إلي وقالوا” ليواصل البارزاني حربه الدفاعية ونحن مستعدون لمساعدته، ولكن كما بدا لم تعد كل عروض المساعدة تلك تفيدنا بشيء بعد إعلان سقوط الثورة .

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة