متابعة ـ الصباح الجديد:
تواجه الحكومة الإيرانية تحديات اقتصادية كبيرة فيما تستعد لطرح ميزانيتها السنوية المتوقعة، وإن كانت مشكلاتها أعمق من العقوبات الأميركية التي تمثل ضغوطاً لا يُستهان بها.
وخسر الريال الإيراني نصف قيمته في مقابل الدولار منذ أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب في أيار الماضي انسحابه من الاتفاق النووي الموقع في عام 2015 وأعاد فرض العقوبات الأميركية ذات الصلة.
وقد أدى ذلك إلى ارتفاع الأسعار وحجب معظم الاستثمارات الأجنبية التي كان الرئيس حسن روحاني يأمل في جذبها، إذ يتوقع صندوق النقد الدولي الآن أن يتقلص الاقتصاد بنسبة 3,6 في المائة العام المقبل.
لكن المحللين يقولون إن العديد من أسباب معاناة الاقتصاد قائمة قبل قرار ترامب والعقوبات.
وقال محمد ماهيداشتي وهو رجل اقتصاد مقيم في إيران، إن النظام المصرفي هو «المشكلة الكبرى إذ يعلن عن أصول وهمية ويعاني من قروض متعثرة».
وأصدرت البنوك قروضا ضخمة في عهد الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد من دون اهتمام يذكر بشأن ما إذا كان سيتم سدادها.
وقالت اللجنة الاقتصادية في مجلس الشورى في آذار إن نصف هذه القروض، ما قيمته نحو 27 مليار دولار في ذلك الوقت، باتت هالكة.
وحاولت البنوك التي تعاني من نقص شديد في الأموال جذب ودائع جديدة بأسعار فائدة بلغت 30 في المائة أو أكثر.
وفي حين أسهمت هذه الودائع في توفير السيولة التي كانت في أمس الحاجة إليها في البداية، أدت الفوائد المرتفعة على هذه الودائع إلى زيادة عدم استقرار البنوك.
وقال روحاني في الآونة الأخيرة إن الوضع «غير الصحي» للبنوك جعل المؤسسات المصرفية بحاجة للاقتراض بصورة مستمرة من البنك المركزي لكي لا تنهار، في حين تضاعفت ديون دائني القطاع الخاص خلال السنة حتى أيلول.
كما تعاني البنوك من تراكم الممتلكات العقارية غير القادرة على بيعها بعد أن ضخت السيولة في مشاريع إنشائية عندما شهد قطاع البناء طفرة فقدت زخمها ابتداء من عام 2013.
وقالت نرجس درويش المحاضرة في الاقتصاد بجامعة الزهراء في طهران «لدينا ما يقرب من مليوني منزل فارغ في إيران. ببساطة، الطلب معدوم».
لكن الحكومة لن تسمح بافلاس المصارف خوفاً من ردة فعل شعبية لا سيما بعد انهيار وكالات الائتمان المزيفة التي ساعدت في تأجيج الاحتجاجات واسعة النطاق قبل عام.
أزمة الريال
وأدى انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي إلى تدهور الريال الإيراني لكنه لم يكن العامل الوحيد وراء ضعف العملة.
ففي أيلول الماضي، ألقى محافظ البنك المركزي عبد الناصر همتي باللوم على «النمو المروِّع في المعروض النقدي». وتظهر بيانات المصرف المركزي أن كمية السيولة النقدية المتدفقة في الاقتصاد الإيراني زادت بنسبة 24 في المائة سنوياً على مدى السنوات الأربع الماضية.
وبالنظر إلى أن الاقتصاد الإيراني لا يوفر سوى القليل من فرص الاستثمار المربحة والآمنة، فقد سعى المواطنون منذ فترة طويلة إلى تغيير مدخراتهم من الريال إلى الدولار.
وعندما تزايدت التوقعات بأن الولايات المتحدة ستعيد فرض العقوبات وضغطت على الريال بشكل جدي في أوائل عام 2018، طغى الارتباك على رد فعل الحكومة، على وفق الاقتصادي موسى غانينيزاد. وقال لفرانس برس «إنهم يزعمون أنهم يؤمنون بالسوق الحرة لكن ليس لديهم ستراتيجية متماسكة».
وفي مرحلة ما، في نيسان ، أغلقت الحكومة مكاتب الصيرفة وحاولت تثبيت سعر صرف الريال عند 42 ألفاً للدولار الواحد، الأمر الذي أدى إلى إثارة الذعر ودفع المضاربين إلى السوق السوداء.
واعترافاً بخطئها، أعادت الحكومة فتح محلات الصرافة وأقيل محافظ البنك المركزي بعد بضعة أشهر. كما شُنت حملة صارمة على أولئك الذين استغلوا الوضع مع إحالة عشرات من تجار العملة للمحاكمة وإعدام ثلاثة رجال أعمال على الأقل منذ تشرين الأول.
لكن الضرر كان قد لحق بالاقتصاد فزادت إلى حد كبير كلفة الواردات في الوقت الذي جعلت العقوبات من الصعب إدخال البضائع إلى البلاد.
ونتيجة لذلك ارتفعت الأسعار، فزادت أسعار المواد الغذائية والمشروبات بنسبة 60 في المائة خلال السنة حتى تشرين الثاني، وفقا للبنك المركزي.
وبالرغم من التوجه نحو الخصخصة، يبقى جزء كبير من الاقتصاد في أيدي الدولة، إما مباشرة، أو لأن شركات مرتبطة بالحكومة أو الجيش هي المساهمة الرئيسة فيها.
ويرى محللون أن هذا الأمر خنق القطاع الخاص الذي يكافح لجذب الاستثمارات ويتنافس على المشروعات.
وقال الاقتصادي إحسان سلطاني إن الصناعات التي تسيطر عليها الدولة مثل الفولاذ والبتروكيماويات تستفيد من إعانات ضخمة، يبلغ مجموعها 40 مليار دولار سنوياً (35 مليار يورو) على شكل حسومات في أسعار الوقود والكهرباء، ولكنها تنتج عدداً قليلاً نسبياً من الوظائف والعوائد.
ولقد تراجعت الآمال بأن يحمل الاتفاق النووي فيضاً من الاستثمارات الأجنبية لتعزيز القطاع الخاص بسبب عودة العقوبات.
في هذه الأثناء، قال وزير الخارجية محمد جواد ظريف إن الجهود الرامية إلى تحقيق قدر أكبر من الشفافية، ولا سيما اعتماد قوانين جديدة لمكافحة غسل الأموال، لقيت معارضة من المصالح القوية الراسخة.
وقال ظريف لوكالة أنباء «خبر» الإلكترونية الشهر الماضي، «تلك الأماكن التي تغسل آلاف المليارات من الريالات لديها بالتأكيد القدرة المالية على إنفاق بضع مئات من المليارات على الدعاية» ضد تلك القوانين.