حوار شعري

– 1 –
الحوارات بين المتحاورين تجري بالنثر لا بالشعر عادةً ، ولكن قد يلجأ البعض الى الشعر ، بدلاً من النثر في مواضع استشنائية، وهذا ما عثرنا عليه ، في حوار بين (أبٍ) يمنع ابنَهُ من الهجرة والسفر ، حبّا له وايثارا لِقُرْبِهِ منه، وبين (ابنٍ) مُصّرٍ على السفر ليمزق أثواب الفاقة ..
ويبحث عن موارد للرزق ، ضاقت عليه وهو في بلده وبين أهله.
– 2 –
قال (الابن) الشاعر (لأبيه) المعارض لسفره :
ألاخَلِّنِي أمضي لشأني ولا أكنْ
على الأهل كلاًّ إنّ ذا لشديدُ
أرى السيرَ في البلدانِ أغنى معاشراً
ولم أَرَ مَنْ أجدى عليه قُعودُ
تُهيُبُنِي ريبَ المنون ولم أكنْ
لأهرب عما ليس عنه محيدُ
فلو كنتُ ذا مالٍ لقرّبَ مجلسي
وقيل اذا اخطأتُ أنتَ رشيدُ
فذْرني أجوّلْ في البلاد لعَلّهُ
يُسرُ صديقٌ أو يُساء حسودُ
ان (الابن) الراغب في السفر والهجرة ذَكَرَ لأبيه مبررات تلك الرغبة :
انه لا يريد ان يكون كلاًّ على أهله ..!!
وبتعبير آخر :
انه لايريد ان يكون (مُستهلِكاً) وانما يريد ان يكون (مُنتجاً)
وهذا دليلُ عقله ، وحيويته ، كما أنَّ فيه استيعاباً كاملاً لمقتضيات الحياة ، ووسائل النهوض بتغطيه الحاجات …
انّ (الابن) يرى ان الهجرة الى خارج الوطن للعمل،استطاعت أنْ تنقل المهاجرين من خندق الحاجة والبطالة الى خندق العمل فالغنى .
وهذا هو المطلوب ، بينما ظل المرابطون في ديارهم مع ما يعانونه من البطالة مملقين محرومين ..!!
ثم ان الولد يناقش أباه الذي يخشى عليه الموت في الغربة فيقول له :
ليس من الموت مهرب، فالموت آت سواء كان الانسان في رحاب الوطن أو بعيداً عنه .
ثم ان (الابن) يقول لأبيه :
انّ الناس يتعاملون مع الانسان طبقا لما يرونه من أوضاعه المالية ، فالغنيّ عندهم محترم مقدّر، الى الحدّ الذي يُخطأ فيه ولا ينبهه على الخطأ أحد ،
انّ المال جعله عندهم سديد الرأي ..!! رشيداً
وهذه من المفارقات الواضحة .
وأخيراً :
فان (الابن) يلتمس الاذن من (ابيه) للانطلاق نحو الهجرة والبحث عن العمل ،
فاذا ما كتب الله له التوفيق سُرّ به الأصدقاء ، واستاء المبغضون والأعداء .
ان هذه الأبيات الخمسة التي كتبها (الابن) بمثابة لائحة الدفاع عن أرائه ونظراته ..
وليست محشّوة بالغرائب والمفارقات – كما هو واضح-
وقديما قال الشاعر :
(سار الهلال فصار بدرا)
ان مسألة الهجرة الى خارج الوطن قديمة حديثة ، وهي ليست للاكتساب فحسب ، فكثيراً ما تكون فراراً من الاضطهاد السياسي للانظمة القمعية، كما كان شان الملايين من العراقيين الذي أنتشروا في بقاع العالم هربا من طغيان الدكتاتورية البائدة، وشكلوا جاليات كبيرة في كثير من بلدان الهجرة .
ومن الجميل ان نختم المقالة بقول الشاعر :
العِزُّ مطلوبٌ وملتَمسٌ
وأعزُّه ما كان في الوطنِ
حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة