لقطات شعريّة

– 1 –
هناك من يحرص على إخفاء الشيب ويسارع الى الخضاب ..!!
لماذا يخفي شيبه ؟
هل هي رغبة في الظهور بمظهر الشباب ومحاولة لتغيير الحساب ؟!
بمعنى انه يحاول ان يبدو مثلاً في الاربعين من عمره بعد ان تجاوز الخمسين ؟
قد يكون ذلك !!
وقد يكون بداع آخر ، وهو أنه يحسب الشيب مُضراً بالوسامة ..!!،
والشيبُ يؤذن باقترابه من استيفاء أيام عمره وحيث أنه يكره الموت
فلا بُدَّ أنْ يخفيه …
قال الشاعر :
مسألة الدور جرت بيني وبين مَنْ أُحبّْ
لولا مشيبي ما جفا لولا جفاهُ لمْ أشبْ
وفي الغالب يقع اصحاب الخضاب في ما أرادوا الفرار منه ..!!
ان أثر الخضاب لن يدوم طويلا، وسرعان ما يكشف الشيب ثانية عن نفسه، وعندئذ يختلط القديم بالجديد، ولا تكون المحصلة النهائية لصالح ما يريد ..!!
وللشاعر (عز الدين السويدي ابراهيم بن محمد ت 690 هجرية )
بيتان جميلان في هذه العملية المُتِعْبَة ..!!
اسمعه يقول :
لو أنَّ تغيير لون شيبي
يُعيد ما فاتَ من شيابي
لما وفى لي بما تلاقي
رُوحيَ مِنْ كلُفةِ الخِضابِ
على أنَّ الشيب قد يكون شفيعاً لصاحبه
قال ابن خلكان :
يارب إنَّ العبد يخفي عيبه
فاستر بِحِلْمِكَ ما بدا من عَيِبْهِ
ولقد أتاكَ وماله مِنْ شافعٍ
لذنوبِه فاقبلْ شفاعةَ شَيِبْهِ
فوات الوافيات / لابن شاكر الكتبي / ج1ص49
– 2 –
ولابن المدبر (ابراهيم بن محمد المتوفى سنة 279 هجرية) بيتان جميلان، وظّف فيهما هطول المطر ، وقارن بينه وبين دموعه الهاطلة فقال:
قالوا : أضرَّبنا السحاب بِوَكْفِهِ
لمّا رأوه لمقلِتي يحكي
لا تعجبوا مما ترون فانما
هذي السماءُ لرحمتي تبكي
وهي لقطة بارعة …
– 3 –
وللجعبري (ابراهيم بن عمر) المتوفى سنة 732 هجرية بيتان جميلان يعكسان ثقافته القرآنية :
لمّا بدا يوسفُ الحُسْنِ الذي تِلفَتْ
في حُبّه مهجتي استَحْيَتْ لَواحِيهِ
فقلتُ للنسوة اللاتي شُغفن به
فذا لِكُنَّ الذي لمتنّني فِيهِ
وهي لقطة فنية ..
– 4 –
انّ (ابراهيم بن علي الحرّاني ت 709 هجرية)
كان حائكاً أميّاً ،ولكنه كان شاعراً، وحين قصده (ابن خلكان) واستنشدَهُ من شعره قال :
أما القديم فما يليق ،
وأما نظم الوقت الحاضر فنعم ،
وأنشده :
وما كان وقت فيه يسمحُ خاطري
بنظمِ قريضٍ فائقِ اللفظِ والمعنى
وهل يقتضي الشرع الشريف تَيَمُماً
بِتُرْبٍ وهذا البحر يا صاحبي مَعْنا ؟
في هذه اللقطة يذكر بمسالة فقهية فيقول :
انما يصار الى التيمم عند فقدان الماء، وأمّا مع وجوده فلا
وهكذا هو الشعر :
فقد يتعذر على الشاعر أحيانا كما يتعذر الماء على مُريد الوضوء…
وهي لقطة حلوة أيضا …
– 5 –
وتبرز الثقافة القرآنية في شعر المعمار ( ابراهيم الحائك) وهو كما قيل :
عامي مطبوع ..!! ت 749 هجرية :
قال : حين عوتب على الحُبّ :
قال لي العاذلون أَنْحلَكَ الحبُّ
وأصبحتَ في السقامِ فريدا
أَإِذا صرتَ من جفاهم عظاماً
أَبِوَصْلٍ تعودُ خَلْقاً جديدا
ما رأينا ولا سمعنا بهذا
قلتُ : كُونوا حجارةً أو حديدا
وتشكل الأبيات لقطة نادرة موفورة الجمال، وصدق من قال انه شاعر مطبوع، اسمعه يقول :
يا قلبُ صبراً على الفراق ولو
رُوّعتَ ممّنْ تُحبّ بالبيْنِ
وأنت يا دَمْعُ إنْ ظهرت بما
يُخفيه قلبي سقطتَ من عَيْني
حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة