د. احمد جار الله
تنطلق وعود الشاعر من الفضاء الذي ينتمي اليه : فضاء الشعر والحلم والخيال الرومانسي ،انه لا يعد بشي لكنه سيفعل الكثير مما يراه هو عظيما او كثيرا او افضل ما لديه تجاه من ينتظرون وعوده ممن حوله ..ولان القصيدة هي اثمن ما لديه فانه سيعلقها علامة او ايقونة على عتبات الاخرين : ابوابهم ..
ولأنه ينتمي الى منطقة مسالمة هي الشعر فانه يعدهم بالأمان ..ولأنه شاعر ويدرك ان جانبا كبيرا من تحقيق الامان يؤسس له بالحب ..فان يعد العشاق بالمؤازرة بسحر الكلمات الذي يملكه ..
ثقته العالية بقدراته الحلمية تجعله رافضا للخسائر ..على الرغم من عظم التحديات التي تواجهه ..لكنه بعدالته الشعرية يعد الجميع بحصة من الفرح …وهكذا فانه سيفعل الكثير مقابل ثمن بسيط جدا هو ابتسامتهم بوجهه ..التي تعني له الكثير الموازي للكثير من وعوده لهم من جهة القيمة المعنوية والروحية..
فالفضاء الذي يعيش فيه الشاعر يبدو من جهة القراءة التفكيكية مرتسما على النحو الاتي: الفضاء لا يمتلك واجهة جمالية او انه لا يهتم بالفن ومن ثم فان الشاعر يعده بجعل الفن واجهة على بوابات المجتمع: البيوت ..وعبر انموذج الفن الذي يشتغل عليه وهو القصيدة ..
الفضاء يفتقر الى الامان فهو فضاء عدائي ..حتى في الشوارع ومهمة الشاعر تغييره الى فضاء للسلام …
الفضاء يفتقر الى لغة الحب بين العشاق بمعنى ان امية الحب منتشرة بين اطرافه الذين لا يجيدون حتى كتابة رسائل الغرام ..فيتبرع لهم الشاعر بأداء ذلك الدور
الفضاء يعرض من يغامر بالخوض فيه الى الخسائر ومن هنا الشاعر يستبق هذه النتيجة بتحديها ورفض الخسائر
الفضاء يفتقر الى الفرح ومهمة الشاعر ان يصنعه ويوزعه بعدالة على الجميع
شخوص الفضاء حاسة الابصار لديهم ووسائلها: العيون مجهدة ..فهو فضاء متعب ومجهد وبحاجة الى امل يبعث فيه الروح وتلك مهمة يؤديها الشاعر
فهذه الافعال كلها كثيرة ..سيؤديها الشاعر ..لانه رجل افعال وليس رجل وعود وكان القصيدة تريد ان تغير النظرية التي تسم الشاعر بالوعود او انه من الذين يقولون ما لا يفعلون ..فالشاعر هنا يغير هذه الثقافة السائدة عن الشاعر ويجعله رجل افعال وليس رجل كلمات ووعود ..مع ان افعاله من جهة ما ليست سوى وعود بمعنى اخر لأنها افعال شعرية يصعب تحقيقها في ارض الواقع ..فتحرير الفضاء من : عدائيته وموقفه المعادي للفن والحب والبصيرة والفرح ..مهمة شاقة لا يكفي الحلم لتحقيقها ..مع ذلك الشاعر يحاول ..ولا يطلب ثمنا سوى ابتسامتهم ..
وان كان النص قد كتب في هذه الفترة فانه يعمل على شعرنة لغة الخطاب الاعلامي لمرشحي الانتخابات وكانه يوجه خطابا الى الناخبين يبث فيه وعوده الشعرية ..التي هي سخرية من وعود الساسة ..فعلامات الفضاء العراقي ماثلة في معجم القصيدة من مثل : الامان / حصة / وعود / الخسائر / الشوارع ..
رياض الغريب يستثمر اليومي الدراج في تجربة الحياة العراقية وفي هذه الايام تهيمن على هذه الحياة خطابات المرشحين التي يستلها الشاعر ويعيد تنسيقها من جديد برؤية شعرية ساخرة وحزينة في وقت واحد ..متفائلة ومتشائمة ايضا ..في ان واحد …
النص
لن أعدكم بشيء
رياض الغريب
لنْ أعدكُم بشيء
لكني سأفعلُ الكثير
سأجعلُ القصائدَ معلقةً على أبوابِ بيوتِكُم
الشوارعُ أكثر أمانا من ذي قبل
سأكونُ حريصا
أن اكتب رسائلَ حبٍ
لمن يحتاجها
لن اخذل عاشقا
أو عاشقة
سأرفض الخسائر
وتكون لكل واحد حصة من الفرح
اخطط لكتابة قصيدة
تدافع عن عيونكم المجهدة
وتمنح قلوبكم أملا يشبه وردة في حلم
لنتفق
أنا شاعر
وانتم بحاجة لقصيدة مختلفة
لنتبادل الحاجة معا
سأمنحكم القصيدة
وأنتم ستبتسمون في وجهي صباحا
يكفيني ذلك
بعدها
لن أعدكم بشيء
لكني سأفعل الكثير