التعليقات الذكية

– 1 –
حفظت لنا كتب الأدب والتاريخ الكثير من التعليقات الدالة على الفطنة والذكاء، أطلقها أصحابها بعفوية وترسل ودونما تأخر وتمحل، ونحن نورد في هذه المقالة الوجيزة بعضها، وندعو الى أنْ يكون التماس بين القارئ المعاصر وكتب التراث قوّياً ، بعد أنْ أعرض معظم شبابنا عن الاقبال على الانتهال من تلك الينابيع …
– 2 –
دخل « ابو طاهر القرمطي» مكة المكرمة سنة 317 الى المسجد الحرام بفرسه، وجرد سيفه، وقتل احد الحجاج وصاح :
ياحمير :
أليس قلتم في هذا البيت :
« من دخله كان آمناً ، فكيف يكون آمنا وقد قَتلتُهُ الساعة ؟
فأجابه أحد الحجاج :
انّ الله عز وجل لم يُردْ أن من دخله كان أمناً
وانما أراد :
من دخله فأمنّوه ،
فلوى القرمطي رأس فرسه وخرج …!!
إنه لتعليق بليغ قطع دابر الفتنة ووأدها، وكفى الله الحُجّاج شرَّ القرمطي الزنيم .
راجع المنتظم ج2 ص223
– 3 –
وجاء في فوات الوفيات ج2/129-130
انّ الامير طاشتكين ربما مرّ عليه أسبوع وهو لا يتكلم
ولقد كان على ما يبدو كثيرَ الصمت الى حدٍ ممل ..!!
واستغاث به رجلٌ فلم يكلّمه فقال له :
كلمني ،
فانّ الله كلّم موسى ،
فقال له :
وأنت موسى ؟
ولم يزد على ذلك ..!!
– 4 –
وتجاوز الأمير طاشتكين التسعين فاستخرج أرضاً وقفاً على شاطئ دجلة لمدة ثلاثمائة سنة ليعمّرها داراً ، وكان في بغداد رجل قاص اسمه (فتيحة) فقال على المنبر :
يا أصحابنا ،
نهنيكم ،
مات ملك الموت ..!!
فقالوا :
وكيف ذلك ؟
قال :
طاشتكين عمرُهُ تسعون سنةً واستاجر أرضاً لمدة ثلاثمائة سنة ليعمرها داراً له ،
فلو لم يعلم أن ملك الموت قد مات ، ما فعل هذا ..!!
أقول :
الإثارة هي اهم العناصر في الخطابة وقد أثار (فتيحة)المستمعين حين قال :
مات ملك الموت ،ثم أرسل تعليقه الساخر المغموس بالنقد الشديد للصفقه التي أبرمها طاشتكين ..!!
– 5 –
قارن بين (فتيحة) وبين ذلك الشامي الذي حضر مجلس الصاحب بن عبّاد، الذي كان متعصبا لرسائله ، وكانت في ثلاثين مجلّدة فسأله الصاحب :
رسائل مَنْ تُقرأ عندكم ؟
فقال :
رسائل ابن عبدكان
قال :
ومن ؟
قال :
رسائل الصابي
وغمره أحد جلساء الصاحب ليقول :
رسائل الصاحب ،
فلم يفطن الرجل ،
ورآه الصاحب فقال له :
تغمز حماراً لا يحس
راجع معجم الأدباء ، لياقوت الحموي ج2/ص315
-6-
كان الحكم بن عبدل الأسدي الشاعر أعرج لا تفارقه العصا،فترك الوقوف بأبواب الامراء ، وكان يكتب حاجته على عصاه ، ويبعث بها مع رسُلِهِ ، فلا يُحبسُ له رسول ، ولا تؤخر له حاجة ،
فقال في ذلك يحيى بن نوفل
عصا حَكَمٍ في الدار أولُ داخلٍ
ونحن على الابواب نُقصى ونُحجبُ
وكانت عصا موسى لفرعون ايةً
وهذي لعمر الله أدهى وأعجبُ
تُطاع فلا تُعصى ويُحذر سخطُها
ويُرغبُ في المرضاة منها وتُرهب
فشاعت هذه الابيات بالكوفة ، وضحك الناس منها …
وهي بمثابة التعليق المثير للغاية .
حسين الصدر
Husseinalsadr2011@yahoo.com
حسين الصدر

مقالات ذات صلة

التعليقات مغلقة