تمثل العشيرة عندنا رمزا اجتماعيا مهما ، وهذا الرمز يدخل ويتداخل في الكثير من المفاصل والتفاصيل الحياتية ، حتى صار للعشيرة ارث كبير له قوة القانون ، يعرف ب»السواني» جمع «سانية» ، وهذا الارث لم يأت من فراغ ، انما هو نتاج الدور الذي اضطلعت به العشائر في شتى الحقب والأحداث التاريخية التي مر بها العراق ، وغالبا ما كان دور العشيرة ايجابيا ، لاسيما ذلك الجانب الذي يتعلق بالدفاع عن الوطن وتحرير الارض والمحافظة على الُلحمة الوطنية … وثمة الكثير من السواني تمثل مدونة سلوك ايجابي للإنسان وتسهم في حل الكثير من المعضلات والقضايا المعقدة .
المهم ان «السواني» باتت هي من تحكم سلوك العشائر وتحدد المسارات التي ينبغي اتباعها ، بصرف النظر عن مخالفة هذه «السواني» للقانون ، فالعشيرة تلتزم بالسانية وتطبقها حرفيا ، حتى اصبح القانون عاجزا عن التصدي للحالات التي تحدث وفقا لهذه السواني ، ومنها على سبيل المثال قضية الفصول العشائرية التي اصبحت تمثل عبئا ثقيلا على كاهل الناس ، وقد اخذ القصل اشكالا ومستويات متعددة فهو يزيد وينقص بحسب طبيعة المشكلة ، والمشكلة ان الحاكمين بالفصل ، لايعتدون بشيء اسمه القضاء والقدر ، انما يعدون كل ما يحدث هو جريمة ينبغي دفع الفصل عنها وبنحو اقرب إلى المساومة والتجارة من دون مراعاة لدين او ضمير او قانون ..
ولكن ، تبقى قضية «الدگة ألعشائرية هي الاخطر والأكثر رعبا بين الناس ، وعلى الرغم من ان بعض العشائر لا تأخذ بمبدأ «الدگة» .. ولكن هناك عشائر اخرى تعد «الدگة» ركناً من اركانها ، وان لم تقم ب»دگ» العشيرة الثانية ، فهي عشيرة جبانة ، وليس فيها «زلم زينة» !!، .. وعادة ما تنفذ «الدگة» بعد منح العشيرة «المدگوگة» «عطوة» لعدة ايام ، فإن لم «يحولوا» عندهم ، فإن «دگة» عنيفة بانتظارهم !! ، .. وبدأنا نسمع ونشاهد «دگات» غير مسبوقة في شراستها وضراوتها ومقدار الرعب الذي تسببه للاطفال والنساء ، وما ينتج عنها من تداعيات امنية خطيرة نتيجة سقوط قتلى ابرياء لا علاقة لهم لا بـ»الداگ ,ولا بـ «المدگوگ» ، واللافت للنظر ان اسلحةً متوسطة وأحيانا اقل من الثقيلة بقليل تستعمل في هذه «الدگات» ، حتى يُخيّل اليك ان حربا عالمية قد اندلعت في الزقاق الاخر !!.. والأكثر لفتا للنظر ان القوات الامنية قليلا ما تتدخل في التصدي لمثل هذه السلوكيات ، لأنها ان تدخلت فسيقع افرادها تحت «حگة الدگة» فهم ابناء عشائر ايضا ، وليس صعبا الوصول الى عشائرهم و»دگها دگا» عنيفاً !!.. وحتى القانون ، في غالب الاحيان يترك ملف القضية الى الطرفين لحلها وديا بالتراضي ..وعلى هذا الاساس استفحلت قضية «الدگة العشائرية» بنحو يصعب السيطرة على معتنقيها ، على الرغم من كونها تمثل مخالفة صريحة لنص المادة (١٥) من الدستور العراقي ، التي تنص على (لكل فرد الحق في الحياة والأمن والحرية ، ولا يجوز الحرمان من هذه الحقوق او تقييدها الا وفقا للقانون) ، ووفقا لهذا النص فأن للقانون الصلاحية الكاملة في التعامل بحزم مع الذين يتعاطون «الدگة» العشائرية التي تمثل ترويعا للناس وتهديدا لأمنهم ، ومن هنا جاءت التفاتة مجلس القضاء الاعلى لتمثل نقلة نوعية في منع مثل هذه السلوكيات السلبية ، من خلال اعتبار «الدگة» جريمة مخلة بالأمن العام ويُحاكم مرتكبوها وفق المادة (٤) من قانون مكافحة الإرهاب وفي الوقت الذي تُعد خطوة مجلس القضاء خطوة مهمة في طريق انقاذ المجتمع من مثل هذه المخاطر دائمة الاحداق به ، علينا ان لا نغفل التحديات الكبيرة التي لا يستهان بها ستواجه تنفيذ هذا القرار ، منها ، اننا نحتاج الى صرامة شديدة في التعامل مع الرافضين ، لاسيما مع اعلان عدد من كبريات العشائر ترحيبها بالقرار واستعدادها للتعاطي معه ايجابيا ، وهذا من شأنه ان يُضعف من موقف العشائر الرافضة للقرار ، لان الرافضين لن يجرأوا على اعلان رفضهم ، انما سيكون رفضهم من خلال الاستمرار في هذا السلوك ، ولكن الاهم من هذا كله ، وجود تلك الاسلحة الفتاكة التي تمتلكها العشائر (قاذفات ، هاونات ، بيكيسيات، وأشياء اخرى ) وهو ما يمثل تحديا كبيرا ، وعليه ، فان الاجراء الاول هو القيام بحملات حقيقية لنزع الاسلحة بإتباع مبدأ «الترغيب و الترهيب ، بالشراء تارة وبالمصادرة لمن لا يبيع تارة اخرى ، مع ملاحظة ان بعض الاسلحة التي تستعمل في «الدگات» العشائرية هي اسلحة تعود للحكومة !!
عبدالزهرة محمد الهنداوي
«الدكَة» الإرهابية !
التعليقات مغلقة